“تمويل التنمية: هل نعاني نقصًا في الأفكار الجريئة أم إشكالية تنفيذ مستعصية؟”، مِن هذا السؤال المحوري انبثقت جلسة عامة، هي الثامنة من نوعها ضمن أجندة المؤتمر السنوي لمركز سياسات الجنوب الجديد (الحوارات الأطلسية)، التأمت اليوم السبت بالرباط، بمشاركة وزير التجهيز والماء نزار بركة، ومسؤولين من إفريقيا والعالم.
من خلال حوالي ساعتين من النقاش استكشفت هذه الجلسة ديناميات تطور الهياكل المالية للمؤسسات التمويلية العالمية متعددة الأطراف، مبرزة “المخاوف من أن التركيز القوي على تمويل مكافحة تغيرات المناخ يمكن أن يطغى على احتياجات تمويل التنمية الأوسع نطاقاً في مجالات، مثل التعليم والصحة والبنيات التحتية، ما يخلق مفاضلة محتملة بين المناخ والأولويات الإنمائية الأساسية الأخرى”.
كما تمحورت المناقشات -حسب ما تابعته جريدة النهار- حول ما إذا كانت فجوة التمويل نابعةً من نقص الأفكار الجريئة أو عدم القدرة على تنفيذها بفعالية”، محاولة إيجاد معادلة “تحقيق التوازن بين أهداف تمويل المناخ والتنمية لتحقيق نموّ شامل ومؤثر””.
“سياسات عمومية مستدامة”
مُركزاً حديثه على “كيفية سد ثغرات تمويل المناخ” بين دول الشمال والجنوب قال نزار بركة، وزير التجهيز والماء، إن “غالبية الموارد المالية تكون مُخصصة للتخفيف، وليس للتكيّف”، لافتا إلى أن “الالتزامات التي تم الإعلان عنها خلال مؤتمر الأطراف (كوب 29) تظلّ أقل بكثير من الأهداف المحدَّدة لبلوغ وتحقيق الأهداف المرجُوة، خصوصا بالنسبة للدول الأكثر تأثرا من تداعيات تغير المناخ”.
ولم يفُت المسؤول الحكومي المغربي أن يستعرضَ أمام مسؤولين وخبراء دوليين من مختلف دول المنطقة الأفرو-أطلسية التجربة المغربية في مشاريع مستدامة دامجة لثلاثية “التحول/الانتقال الطاقي”، والأمن المائي، ثم ضمان “الأمن الغذائي”.
ووفق بركة فـ”السياسات العمومية في المغرب تتسم بتوجُّهها المستدام الذي يسترشد برُؤية ملكية واضحة ومتضمّنة في الإطار الدستوري للمملكة”، وتابع شارحا: “تلعب القوانين الأساسية دورًا مهمًا في ضمان استمرارية الإستراتيجيات الوطنية الكبرى على المدى الطويل، بغض النظر عن تغير الحكومات أو المسؤولين”.
ولفت وزير التجهيز والماء إلى ضرورة “تأقلم النموذج الاقتصادي/المالي مع الحاجة إلى الصمود والاستدامة المناخية والحاجة إلى مشاركة المعرفة”، معتبرا أن “ابتكار تمويلات جديدة من بين الحلول المطروحة بين صانعي السياسات”، وزاد: “لا تنقُصنا الأفكار، ولدينا الأمثلة الناجحة في أرض الواقع، لكن الإشكالية الحقيقية هي التنفيذ”.
وفي تصريح لوسائل الإعلام عقِب الجلسة النقاشية أورد الوزير جوابا عن سؤال لجريدة جريدة النهار أن “تقليص الفجوة المالية بخصوص تمويل مكافحة تغيرات المناخ بين دول الشمال والجنوب ممكن بالتفكير في آليات ابتكارية جديدة”، مبرزا أن “الشراكة بين القطاعين العام والخاص أحد الحلول الممكنة، وهو ما اعتمدناه في المغرب في مشاريع تحلية مياه البحر”.
“القيادة والحكامة”
من جهته قال ماتاتا بونيو مابون، رئيس وزراء سابق رئيس مركز تفكير للأبحاث الاقتصادية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إنه مؤمن بأن “الأفكار الجرّيئة تنبثق من الجنوب العالمي”، مشددا على أن “القيادة عنصر أساسي ومفتاح حل، لكن يجب أن تكون مصحوبة بحكامة فعّالة”، وأردف: “وعلى بلدان الجنوب أن تقُود المناقشات بشأن تغير المناخ وتمويل التنمية، إذ لا يمكن لبلدان الشمال أن تبدأ هذه القضايا”.
وأضاف بونيو مابون شارحا فكرته: “القيادة الجيّدة ضرورية، وهذا يتطلب قيماً تركز على الصالح العام. وفي هذا السياق يأتي التمويل بطبيعة الحال، وحسن تدبير وحكامة صرف الموارد المالية الموجهة للتنمية”، منبهاً إلى أن “أغلب الدول الإفريقية مازالت تعاني من مشكلة تبذير وتبديد الأموال العمومية المخصصة للمشاريع التنموية، ما يحفز مناخ عدم المساءلة وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
انتقادات لمؤتمرات “COP”
من بين المشاركين مسعود أحمد، الرئيس الفخري لـ”مركز التنمية العالمية” بالمملكة المتحدة، الذي انتقد بقوة مخرجات “COP29″، المنعقد مؤخرا في أذربيجان، قائلا إن “مؤتمر الأطراف يضع أهدافاً طموحة دون تقديم إستراتيجية واضحة أو خطة تنفيذٍ لبلوغها”.
وفي المقابل اقترح المتحدث أن “يبدأ كل مؤتمر من مؤتمرات الأطراف للمناخ باستعراض التوصيات السابقة وتقييم التقدم الحالي في تنفيذها، وتحديد الثغرات الموجودة”، وقال: “هناك انفصال واضح بين الالتزامات التي تم التعهد بها والإجراءات المتخذة بالفعل”.
جواكيم ليفي، من أكبر المسؤولين السابقين عن إستراتيجيات التمويل في مجموعة البنك الدولي، واصل بنبرة الانتقاد ذاتها: “لا توجد أولويات واضحة في اتفاقيات مؤتمرات المناخ. وفيما أن المشكلة الأساسية هي الفحم والتقليص من استعماله لا توجد خطة للتخلص التدريجي منه”.
ولفت الخبير المالي إلى أن “التمويل مجرد أداة للوصول إلى هدف محدد، ورغم أنه غالبًا ما تتم مناقشته إلّا أن الأهداف الدقيقة تظل غير واضحة”.