الجدل يرافق حقوق الإنسان في إفريقيا

مع تصاعد المنافسة الجيو-سياسية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، في أفريقيا، تزداد الدعوات لتخلي الغرب عن إصراره التقليدي على احترام حقوق الإنسان من قبل شركائه المحتملين. ويرى مؤيدو هذا الطرح أن الالتزام بهذه القيم يضع الولايات المتحدة في موقف ضعف، خاصة أمام خصوم يتبنون سياسة واقعية. كما يشيرون إلى أن التزام واشنطن بحقوق الإنسان في أفريقيا كان دائما محدودا، ويظهر فقط عندما لا يتعارض مع مصالحها الأساسية في القارة.

ويقول إبينيزر أوباداري، وهو زميل أول متخصص في الدراسات الأفريقية لدى مجلس العلاقات الخارجية وزميل أول في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، إنه في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها رسم مسار دبلوماسي جديد في أفريقيا وسط تصاعد المنافسة الجيو-سياسية مع الصين وروسيا، يكتسب رأي متزايد القبول بأن على الغرب التخلي عن إصراره المعتاد على الالتزام بحقوق الإنسان الأساسية من قبل شركائه المحتملين. ويرى مؤيدو هذا الرأي أولا أن التمسك بهذا الموقف سيضع الولايات المتحدة في موقف ضعف منذ البداية، خاصة في ظل التزام خصومها الواضح بالسياسة الواقعية. ثانيا، يشيرون إلى أن الالتزام الأمريكي بحقوق الإنسان في أفريقيا لم يكن في أفضل الأحوال سوى التزام جزئي ومعلن فقط عندما لا يتعارض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية الأساسية في القارة.

وهناك ما يمكن قوله لصالح هذا الطرح. أولا، لا جدال في أن استعداد الصين وروسيا المتجدد، ناهيك عن القوى المتوسطة والإقليمية، لتبني دبلوماسية غير أخلاقية يضع الولايات المتحدة أمام معضلة استراتيجية في أفريقيا. كما أن التحولات الجيو-سياسية تتطلب مراجعة منهجية وغالبا فلسفية. وليس من الخطأ القول إن الولايات المتحدة نفسها بعيدة عن البراءة عندما يتعلق الأمر بممارسة الدبلوماسية دون اعتبارات أخلاقية. ففي العديد من الحالات، ظهرت حقوق الإنسان كذريعة، أو كغطاء مريح للحكومة الأمريكية لتحقيق أهدافها تحت ذرائع واهية.

ويتساءل أوباداري قائلا: هل ينبغي على الولايات المتحدة تبني استراتيجية أفريقية خالية من الاعتبارات الأخلاقية؟ وهل ستحقق بذلك حرية أكبر في التعامل مع البيئة الجيو-سياسية المتغيرة؟ ويقول: يبدو أن أنصار هذا النهج، دعونا نطلق عليهم “البراجماتيين”، قد استمدوا جرأتهم من انتخاب دونالد ترامب ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. واستنادا إلى سمعته كرجل “براجماتي” وإلى صورته كـ”رجل قوي”، يحث هؤلاء إدارة ترامب القادمة على التخلي عن قضايا حقوق الإنسان والتعامل بواقعية مع العديد من الحكام المستبدين، سواء الحاليين أو الطامحين، في القارة. فالمخاطر الدبلوماسية في مواجهة الخصوم كبيرة جدا إلى درجة أن إثارة موضوع سجلات حقوق الإنسان لبعض القادة الأفارقة قد تعني خسارتهم لصالح الطرف الآخر.

ويقول أوباداري إنه من المؤكد أن على الرئيس ترامب ألا يفعل ذلك. وهناك أسباب لذلك.

أولا، يعتمد هذا الطرح بأكمله على أسس مشكوك فيها. أولها هو الافتراض أن حقوق الإنسان تشكل عقبة أمام التقدم السياسي في أفريقيا. والثاني هو الافتراض بأن الغربيين وحدهم هم من يرغبون في حقوق الإنسان في أفريقيا.

وعلى العكس من ذلك، فإن حقوق الإنسان هي ركن أساسي لا غنى عنه لتحقيق التقدم الديمقراطي في أفريقيا، كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم. وبالتالي، فإن إصرار القادة الأفارقة على احترام حقوق الإنسان الأساسية لمواطنيهم أمر ضروري. وسيضع الإخفاق في القيام بذلك واشنطن في صف القوى الرجعية في القارة.

أما الافتراض بأن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين فقط هم من يحتاجون إلى حقوق الإنسان في أفريقيا، فهو يتناقض مع الأدلة التي تظهر أن حقوق الإنسان تشكل قضية ملحة ودائمة في جميع أنحاء أفريقيا. وسواء في كامبالا أو مالابو أو مؤخرا عبر دول الساحل، حيث تواجه الأنظمة العسكرية معارضة متزايدة، يواصل نشطاء حقوق الإنسان المخاطرة بحياتهم للدفاع عن القيم العالمية.

والفكرة القائلة بأن على الولايات المتحدة التوقف عن الإصرار على حقوق الإنسان كشرط للحصول على المساعدات التنموية ليست جديدة تماما (ويستحضر هنا الجدل الذي دار في التسعينات في علم السياسة الأفريقي حول العلاقة بين الديمقراطية والتنمية). ومع ذلك، تم إحياؤها وإعادة توجيهها من قبل أولئك الذين يصرون على أن القيم والمعايير الديمقراطية ليست للجميع، وخاصة ليست للأفارقة. وإلى جانب كونها فكرة مغلوطة، فإن حجة “أنتم لا تفهمون، أفريقيا مختلفة” تتناقض مع أدلة دامغة تثبت العكس، وخاصة المقاومة القوية للحكم الاستبدادي والدفع الشجاع نحو الإصلاحات الليبرالية التي شهدتها العديد من الدول الأفريقية بشكل متزايد.

ولا شك أن الولايات المتحدة تواجه بيئة استراتيجية متغيرة وصعبة في أفريقيا. ومع ذلك، وللأسباب المذكورة أعلاه وأكثر، لا يمكن لواشنطن أن تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في أفريقيا. بل على العكس، يجب أن تكون مدافعا ثابتا عن الرسالة التي تؤكد أن حقوق الإنسان لا تسهم فقط في التنمية الأفريقية، بل إنها شرط أساسي لتحقيقها.

وسواء دعمت واشنطن هذه الجهود أم لا، ستظل حقوق الإنسان مسألة بالغة الأهمية داخل أفريقيا ولها. ويجب على الرئيس ترامب مقاومة إغراء تقديم المصالح الدبلوماسية على المبادئ. وبدلا من ذلك، عليه أن يرحب بالفرصة لطرح التحدي من أجل الأفارقة في جميع أنحاء القارة الذين يسعون للتحرر من مختلف الأنظمة الاستبدادية؛ ويعتمد مستقبل أفريقيا وعلاقات الولايات المتحدة مع القارة على ذلك.

Exit mobile version