‬دخل الأسر ورفع القدرة الشرائية .. “بيانات التخطيط” تقسم آراء اقتصاديين

أفرزت “الحسابات الوطنية للقطاعات المؤسساتية” سنة 2023، التي تستعرض السلسلة المتكاملة للحسابات غير المالية والمالية (حسب سنة الأساس 2014)، نتائجَ تباينَتْ بشأنها آراء خبراء اقتصاديين مغاربة؛ خاصة في شق “تطور إجمالي الدخل المتاح للأسر وتحسن القدرة الشرائية”.

وحسب بيانات المؤسسة الإحصائية الرسمية فـ”الناتج الداخلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلَغ 1463,3 مليار درهم سنة 2023، مرتفعاً بنسبة 10 في المائة مقارنة مع سنة 2022″، مشيرة إلى أن “القدرة الشرائية عرفت تحسنا بـ 2,5 نقطة عوض انخفاض بـ 3 نقط سنة قبل ذلك” (2022).

ولفتت المندوبية الانتباه إلى أن “الأسر والمؤسسات غير الهادفة إلى الربح في خدمة الأسر أنتجت 29,6% من الثروة الوطنية، وامتلكت 64,3% من إجمالي الدخل الوطني المتاح (أي حوالي الثلثين)؛ وفي المقابل فنسبة مساهمتها في الادخار الوطني 28,9%، مع نسبة 28,5% كمساهمة في الاستثمار”.

“الدخل المتاح”

يُقصد بـ”الدخل المتاح” المبلغ الذي يتبقى لدى الأسر بعد خصم الضرائب والمساهمات الاجتماعية من إجمالي دخلِها؛ وهو يعبر عن الموارد المالية التي يمكن للأسر استخدامها في تلبية احتياجاتها، سواء من خلال الاستهلاك أو الادخار. بمعنى آخر فهو المال “الصافي” المتاح بين يدَيْ الأسر، حسب شروح استقتها جريدة النهار من خبراء مختصين.

في المغرب سنة 2023، حسب الحسابات الوطنية للقطاعات المؤسساتية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، “ارتفع هذا الدخل بشكل ملحوظ ليصل إلى 996 مليار درهم”، وهو ما يعكس زيادة في موارد الأسر وتحسنًا في قدرتها على الإنفاق أو الادخار.

عوامل للنمو

وفق شروحات وإفادات تحليلية بسطها لجريدة النهار قال محمد عادل إيشو، أستاذ العلوم الاقتصادية مختص في الاقتصاد القياسي، فإن هذا النمو “يعزى إلى عوامل متعددة، أبرزها زيادة الأجور”، إذ مثلت الأجور “حوالي 45% من إجمالي الدخل المتاح، ما يعني أن الكثير من الأسر استفادت من زيادات مباشرة في الرواتب”.

“الدخل المختلط” ثاني العوامل المفسرة؛ وهو الدخل الذي تحصل عليه الأسر من نشاطاتها الذاتية مثل الفلاحة أو الخدمات أو حتى إيجارات السكن. وهذه الزيادة التي بلغت 14% تشير، حسب إيشو، إلى “انتعاش قطاعات الاقتصاد غير الرسمي وقطاع العقار”.

أما “صافي دخل المِلكية”، الذي يشمل “العوائد من الفوائد والأرباح الاستثمارية”، فشهد ارتفاعًا بنسبة 26%، ما يعكس “زيادة في العوائد على المدخرات والاستثمارات”، حسب الخبير المالي ذاته، الذي أورد “عناصر تقلل من هذا الدخل”؛ مثل “الضرائب والمساهمات الاجتماعية التي تساهم بشكل سلبي بنسبة 16.9%”، خالصاً: “مع ذلك فإن النمو الإجمالي في الدخل يعكس تحسن الوضع الاقتصادي العام”.

تفسير العلاقة

“الدخل المتاح مرتبط بشكل وثيق بالقدرة الشرائية، فعندما يزيد الدخل المتاح دون أن ترتفع الأسعار بشكل كبير تتحسن القدرة الشرائية للأسر. عام 2023، ورغم ارتفاع الأسعار بنسبة 6.1% إلا أن زيادة الدخل المتاح بنسبة 9.6% سمحت بتحسن طفيف في القدرة الشرائية بمقدار 2.4 نقطة”، يرصد أستاذ الاقتصاد ذاته، مبرزا أن “هذا التحسن دليل على أن الأسر تمكنت من مواجهة ارتفاع الأسعار بشكل أفضل مقارنة بالعام السابق”.

ويرى إيشو، في تعليقه لجريدة النهار، أنه “من المثير للاهتمام أن الأسر لم تُنفق كل دخلها المتاح”، شارحا: “11.4% منه تم توفيره كادخار، وهو مؤشر على سعي الأسر إلى تحقيق أمان مالي مستقبلي، ما يلعب دورًا مزدوجًا؛ فهو يساعد الأسر على مواجهة أزمات غير متوقعة ويتيح لها الاستثمار في المستقبل، سواء في تعليم أبنائها أو تحسين ظروف عيشها”.

الدخل المتاح لا يعكس فقط أرقامًا اقتصادية، بل هو مرآة للحالة المعيشية للمواطن؛ ارتفاعه يعني أن الأفراد لديهم موارد أكبر تتيح لهم تحسين حياتهم، سواء عبر الإنفاق على حاجياتهم اليومية أو ادخار جزء من المال للمستقبل. ومع ذلك يبقى التحدي في التحكم في العوامل التي تؤثر سلبًا على هذا الدخل، مثل الضرائب والتضخم، لضمان استفادة أكبر للفئات ذات الدخل المحدود.

“الرسالة الرئيسية هي أن هذه الأرقام تقدم صورة مشجعة عن أداء الاقتصاد الوطني لعام 2023، لكنها تظل بحاجة إلى تدابير هيكلية داعمة للتأكد من أن كل فرد يستفيد بشكل ملموس من هذا التحسن، سواء على مستوى الإنفاق أو الادخار”، يُجمل المصرح، خاتما: “الأداء الاقتصادي رغم إيجابياته يطرح تحديات عدة تتعلق بتأمين استدامة النمو في القدرة الشرائية وتحسين مستويات العيش. ولتحقيق ذلك يجب تعزيز سوق العمل من خلال خلق فرص عمل ذات جودة، وزيادة الاستثمارات في القطاعات المنتجة. كما يتطلب الوضع إعادة النظر في النظام الضريبي لتخفيف العبء عن الشرائح ذات الدخل المحدود والمتوسط، وتعزيز التحويلات الاجتماعية بشكل أكثر استهدافًا للفئات الأكثر هشاشة”.

حضور المقارنة

أورد رشيد ساري، خبير وباحث اقتصادي، أن “المعطيات تم تقديمها مقارنة مع سنة 2022؛ وهي سنة لا يجب الحكم عليها أو اعتمادها ضمن مقارنات التدهور/التحسّن، على اعتبار أن كل المؤشرات لم تكن في صالح المواطن، لأنه كان هناك ضعف في القدرة الشرائية مع نسبة تضخم وصلت إلى 6.1 في المائة، وبالتالي تضرّر على مجموعة من المستويات”.

وتابع ساري شارحا في تصريح لجريدة النهار بأن “المغرب سنة 2022 عانى من التضخم الداخلي والتضخم المستورد، (خاصة ارتفاع في المواد الفلاحية وفي المواد الطاقية)؛ وبالتالي فهذه الحسابات الوطنية للدخل المتاح للأسر تبقى قاسية جدا بالمقارنة مع سنتين، وهو ما يعبر عن تباين كبير”.

وأكد الخبير الاقتصادي ذاته أن “المقارنة التي اعتمدتها مندوبية التخطيط يجب أن تُجرى على مدى 10 سنوات، حتى تكون الرؤية للوضع المالي للأسر أكثر وضوحاً؛ وحينها نستنتج هل هناك فعلا تحسن أم العكس”، معتبرا أن “نتائج الحسابات الوطنية لوضعية الأسر لا تمثل بذلك مقياسا بالمقارنة مع سنة عرفت اضطرابات اقتصادية قوية”، وزاد: “في حال مقارنة الأرقام مع 10 سنوات مضت قد نُصدم، لأننا اليوم نرى كيف أن مجموعة من المواد الغذائية والفلاحية ارتفعت أسعارها بالتقسيط والجملة”، ضاربا المثال باللحوم الحمراء، ومستغربا “كيف يتم الحديث اليوم عن الادخار وارتفاع القدرة الشرائية، فيما نلاحظ أننا أصبحنا نستورد اللحوم المجمدة؛ أما زيت الزيتون مثلا الذي كان سعره لا يتجاوز في أسوأ الحالات تقريبا 40 درهما اليوم وصل إلى أكثر من 120 درهما، فضلا عن استيراده حتى لقبه البعض بالذهب الأخضر”.

“اليوم لا يمكن أن نغفل أننا نعيش تضخما فلاحيا هيكليا”، يورد ساري، مشددا على أن “هذا مؤشر كاف كي لا نتحدث عن الادخار”، مستدلا بـ”ارتفاع في نسبة الاقتراض”، وختم: “حسابات المندوبية صحيحة لا يمكن أن نناقشها، لكنها اعتمدَت على معيار هو سنة 2022، التي يتذكر الكل أنها مرت في ظرفية صعبة جدا”.

Exit mobile version