في ظل تصاعد ظاهرة العنف الرقمي، خاصة مع انتشار استخدامات الذكاء الاصطناعي وتزايد المخاطر المتربطة به، أعلن المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار عن إطلاق منصة رقمية لخط المساعدة لفضاء الثقة السيبرانية، يوم الاثنين المقبل.
وتهدف هذه المنصة إلى توفير قناة مباشرة وآمنة للإبلاغ عن حالات العنف الرقمي ودعم ضحايا العنف السيبراني وتمكين النساء والفتيات من الأدوات اللازمة لحمايتهن في الفضاء الرقمي، وتأتي هذه المبادرة ضمن النسخة الرابعة للحملة الوطنية للوقاية من العنف الرقمي والتحرش الإلكتروني، التي ينظمها المركز بشراكة مع المجلس الأوروبي وسفارة بلجيكا بالمغرب، وتستمر الحملة إلى غاية 30 يناير المقبل.
وفي هذا السياق، قال يوسف بن طالب، رئيس المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار، في تصريح لـ”الصحراء المغربية”، إن الدورة الرابعة من الحملة الوطنية للوقاية من العنف الرقمي والتحرش الإلكتروني تركز بشكل خاص على المخاطر المتزايدة المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التزييف العميق والتلاعب بالمحتوى الرقمي. وأشار إلى أن هذه الدورة تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بشأن مخاطر العنف الرقمي، وتمكين النساء والفتيات من أدوات الحماية، بالإضافة إلى تقديم الدعم للضحايا من خلال الإبلاغ الفوري عن الحالات عبر خط المساعدة لفضاء مغرب الثقة السيبراني، والذي سيكون متاحا للعموم اعتبارا من الاثنين المقبل.
ولتسليط الضوء على حجم ظاهرة العنف الرقمي بلغة الأرقام، أشار بن طالب إلى الدراسات الحديثة التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة اليونيسف في عامي 2021 و2022، والتي أظهرت أن 73 في المائة من النساء و60 في المائة من الفتيات النشيطات تعرضن للعنف الرقمي على الصعيد الدولي، مما يعكس هشاشتهن أمام هذا الوباء المتزايد، في المقابل، يسجل المتحدث ذاته أن المغرب يعاني نقصا في الأرقام الدقيقة بسبب غياب ثقافة الإبلاغ، ومع ذلك، كشفت المندوبية السامية للتخطيط في عام 2021 أن نحو 1.5 مليون امرأة مغربية تعرضن لأشكال مختلفة من العنف الرقمي، كما أظهرت دراسة ميدانية أجرتها منظمة “مرا” أن أكثر من 50 في المائة من النساء والفتيات في المغرب تعرضن للعنف السيبراني، في غالبيته عنف جنسي رقمي، ورغم ذلك، فإن معظم الضحايا يفضلن الصمت، حيث أبلغت واحدة فقط من كل عشر ضحايا عن هذه الانتهاكات للسلطات.
وأضاف بن طالب في تصريح لـ”الصحراء المغربية” أن دراسة معمقة أجراها المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار كشفت أن نحو 31 في المائة من الأطفال والشباب في المغرب، بينهم 63 في المائة من الفتيات الشابات، تعرضوا للعنف الرقمي والتحرش الإلكتروني، مما يبرز حجم الظاهرة ويؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي والحماية للضحايا في الفضاء الرقمي، مشيرا في هذا السياق إلى أن الحملة تسعى إلى إشراك الشباب في التوعية المجتمعية من خلال فريق “شباب مغرب الثقة السيبرانية”، عبر إنتاج كبسولات فيديو توثق شهادات حقيقية، وتنظيم حملات توعية رقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تشمل الحملة تنظيم ورشات تطبيقية في المدارس والجامعات لتثقيف الأجيال الصاعدة حول الوقاية من العنف الرقمي، بالإضافة إلى ذلك سيتم إطلاق دراسة وطنية لفهم أعمق لظاهرة العنف الرقمي، إلى جانب تقديم دليل عملي محدث مدعوم بإحصائيات جديدة حول البلاغات الواردة عبر منصة فضاء مغرب الثقة السيبرانية، بهدف تطوير السياسات والآليات اللازمة للحد من هذه الظاهرة.
للحد من العنف الرقمي بشكل عام، وخاصة ذلك المرتبط بتقنيات الذكاء الاصطناعي، أكد رئيس المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار، على ضرورة اتخاذ تدابير شاملة تشمل السياسات العمومية من خلال وضع قوانين صارمة وتحديث المنظومة القانونية الحالية بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية، كما أشار إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الرقمية نظرا للطابع العابر للحدود لهذا النوع من الجرائم.
وعلى مستوى المجتمع والأفراد، وخاصة في المدارس، شدد بن طالب على ضرورة دمج التوعية الرقمية في المناهج الدراسية بشكل مستمر، وتدريب الأساتذة على كيفية التعامل مع هذه المواضيع، وفي ما يخص الأسرة، أكد على ضرورة تشجيع الحوار المفتوح مع الأطفال حول استخدام الإنترنت، وتحديد قواعد واضحة لاستخدام التكنولوجيا داخل المنزل وخارجه، مع تعزيز مراقبة استخدامهم لها ونشر الوعي بمخاطر العالم الرقمي، كما أشار إلى أن الإعلام يجب أن يلعب دورا كبيرا في إنتاج محتوى توعوي متطور يعنى بمكافحة الأخبار الزائفة وتسليط الضوء على مخاطر الذكاء الاصطناعي، مبرزا أن تكامل هذه الجهود سيسهم بشكل كبير في الحد من العنف الرقمي وحماية كافة الفئات من مخاطره.