هذه تفاصيل مشروع أول قانون منظم لسوق الديون المتعثرة في المغرب
كشف نبيل بدر، المدير المساعد بمديرية الإشراف والرقابة البنكية لدى بنك المغرب، عن مستجدات مشروع القانون المنظم للديون المتعثرة (CES)، موضحا أن المشروع يوجد حاليا في مرحلة “التحفيز”، ما يجعل الرؤية حول إطلاقه وفعاليته غير مؤكدة بعد، منبها في السياق ذاته إلى أنه رغم استكمال المرحلة التقنية، فالإطار التشريعي دخل الآن في مرحلة يمكن وصفها بـ”السياسية”.
وقال بدر خلال تفاعله مع أسئلة الحضور ضمن ورشة عمل نظمها بنك المغرب بتنسيق مع المؤسسة المالية الدولية “SFI”، حملت عنوان “تحفيز سوق الديون المتعثرة في المغرب”: “نحن في مرحلة التحفيز لهذا المشروع القانوني، التي تهدف إلى جذب الدعم لاعتماده وإظهار أهميته لجميع الأطراف المعنية. ويشمل ذلك أعضاء اللجنة الوزارية المشتركة والفاعلين الخواص، والمنظمات الدولية، حيث يظل الهدف الرئيسي هو تسريع تنفيذه. ومع ذلك، فإن التعجيل بهذا التنفيذ يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الأولوية التي توليها إياه الحكومة”.
وأضاف المسؤول ببنك المغرب الذي استعرض خلال الحدث نفسه تفاصيل مشروع القانون المنظم للديون المتعثرة: “من وجهة نظرنا، العمل التقني قد اكتمل، لننتقل الآن إلى المرحلة السياسية. ومن المهم التذكير بأنه فيما يتعلق بالتنفيذ، تم التطرق إلى جانبين أساسيين من قبل المدير العام. الأول يتعلق بتحضير البنوك، وهو عنصر أساسي وحاسم لنجاح المشروع. والثاني يهم النصوص التنظيمية لبنك المغرب، إذ يجب ألا ننسى أننا نعمل بالتوازي على إصلاح النصوص التنظيمية المتعلقة بمخصصات الديون المتعثرة”.
وتابع: “ستؤدي هذه الإصلاحات إلى إدخال معايير جديدة، سيكون لها تأثير مباشر على حجم هذه الديون. وبالتالي، تقع على عاتق كل منا مسؤولية لعب دوره الكامل والضغط على المستوى المناسب، لكي يتم دمج هذا القانون سريعا في مسار اعتماده”.
تخفيف الضغط على البنوك
ركز مشروع القانون الجديد المنظم للديون المتعثرة على التعريف القانوني لهذه الفئة من الديون، من خلال التنصيص على أنها “أي دين نزاعي أو يشكل خطرا بعدم التحصيل الكامل أو الجزئي، بالنظر إلى تدهور القدرة على السداد الفوري و/أو المستقبلي للمدين”، فيما أوضحت المادة 3 من المشروع خصائص الدين المحول، بحيث “يمكن أن تشمل التحويلات جميع أو جزءًا من دين متعثر من طبيعة مالية؛ حاضر؛ مبلغ محدد أو يمكن تحديده؛ مملوك من قبل مؤسسة ائتمانية أو منشأة مشابهة؛ ناتج عن عملية ائتمانية”.
ونص المشروع في المادة 4 على استثناء من احتكار البنوك المنصوص عليه في المادة 18 من قانون البنوك، المتعلق بالعمليات التي لا تشكل عمليات ائتمانية، وذلك بهدف توسيع هذا الاستثناء ليشمل عمليات تحويل الديون المتعثرة، فيما أكد الإطار التشريعي، الجاهز للاعتماد، على أنه “استثناء من أحكام المادة 18 من القانون رقم 103-12 المشار إليه، يمكن لأي شخص أن يقوم بشراء الديون المتعثرة في إطار نشاطه المهني”.
كما تطرق أيضا إلى موضوع التحويل المباشر للديون المتعثرة وأثر التحويل بين الأطراف، إذ أوضحت المادة 5 أن التحويل ينقل ملكية الدين المحول إلى المشتري مقابل دفع ثمن محدد أو قابل للتحديد، وبذلك يحدث انتقال ملكية الدين بين المحول والمشتري مقابل دفع ثمن التحويل المتفق عليه.
وأوضح مراد زليم، مستشار بنكي متخصص في تدبير المنازعات البنكية، أن المشروع الجديد الذي يخص الديون المتعثرة يحمل في طياته تغييرات جذرية قد تؤثر بشكل كبير على المشهد البنكي في المملكة، موردا أن من أبرز ما جاء به المشروع هو التعريف القانوني للديون المتعثرة، ما يعكس اهتماما كبيرا بضرورة التصدي لهذه الديون التي تشكل تحديا كبيرا للبنوك، ويؤشر على تقييم موضوعي للوضع المالي للمدين، من خلال النظر في تدهور قدرته على السداد سواء الفوري أو المستقبلي، مشددا على أنه من الناحية التشريعية، فالمواد التي تحدد خصائص الدين المحول وتوضح آلية تحويل الديون المتعثرة، هي خطوة نحو تنظيم هذه العمليات بطريقة تساهم في حماية الأطراف المعنية، مستدلا بمقتضيات المادة 3، التي توضح بجلاء أن التحويل قد يشمل الدين ككل أو جزءا منه، وهذا يعطي مرونة أكبر في التعامل مع الديون المتعثرة ويمنح المؤسسات الائتمانية مزيدًا من الخيارات في تسوية هذه الديون.
وأضاف زليم، في تصريح لجريدة النهار، أن أهم المقتضيات الواردة في مشروع القانون الجديد استثناءُ البنوك من احتكار عمليات التحويل الذي تم تضمينه في المادة 4، معتبرا أن هذا التعديل يعكس توجها نحو فتح المجال أمام مؤسسات أخرى للمشاركة في شراء الديون المتعثرة، ما يشير إلى تحولات في الديناميات المالية التي كانت سابقا حكرا على البنوك، مشيرا إلى أن هذا التوجه قد يؤدي إلى تعزيز القدرة على تصفية الديون المتعثرة وتخفيف الضغط على النظام البنكي، موضحا أنه “فيما يتعلق بالتحويل المباشر للديون، فقد جاء المشروع ليؤكد انتقال ملكية الدين بين المحول والمشتري مقابل دفع ثمن التحويل المتفق عليه، وهو ما يمثل ضمانات قانونية للطرفين، ويشجع على تسريع عمليات تسوية الديون المتعثرة”.
ضمانات تحويل الديون المتعثرة
ناقش مشروع القانون الجديد المنظم للديون المتعثرة العلاقةَ بين الأطراف المختلفة، بالنسبة لشروط صحة الاتفاق ورفضه وكذلك موافقة المدين، موضحا أن المادة 6 نصت على أنه تحت طائلة البطلان، يجب أن يتم توثيق التحويل كتابة، وتوقيع عقد التحويل من قبل المحول والمشتري، فيما يشمل العقد بشكل خاص تنويها بأنه خاضع لأحكام هذا القانون وهوية الأطراف، وكذا تاريخ التحويل، بالإضافة إلى تسمية العقد “عقد تحويل الديون المتعثرة”، إضافة إلى قائمة الديون المحولة، مع ذكر التفاصيل التي تسمح بتحديد كل دين على حدة، والمبلغ الذي يجب دفعه من قبل المشتري.
وتضمن الإطار التشريعي المرتقب استثناءً من موافقة المدين وفقا للمادة 192 من القانون المدني، حيث “يتيح هذا النص إزالة الحاجة إلى الحصول على موافقة المدين لكي تتمكن البنوك من تحويل الديون المتعثرة”، وفقا لمسؤولي بنك المغرب. أما فيما يتعلق بشروط التوافق بين الأطراف، فتنص المادة 8 على أن التحويل يبدأ بين الأطراف ويصبح ملزما للغير اعتبارا من التاريخ المذكور في العقد، وبالتالي لا يمكن للمحول، دون موافقة المشتري، تعديل نطاق الحقوق المتعلقة بالديون المحددة في هذا العقد، فيما توضح المادة 11 من المشروع سداد المدين وقواعد التوافق، حيث يُعتبر المدين قد تم تسديد دينه بشكل صحيح، إذا دفع بحسن نية للمحول، بينما يمكن للمشتري منع المدين من دفع المبلغ للمحول. ولحماية المدين ومنع دفعه مرتين، ينص المشروع على أن المدين يُعتبر قد سدد الدين بشكل صحيح، إذا دفع بحسن نية للمحول، في حال لم يتم إخطار المدين من قبل الأطراف، أو إذا تم الدفع قبل تاريخ الإخطار.
وبالنسبة إلى يوسف رغيوي، مستشار مالي وبنكي في مكتب للدراسات بالدار البيضاء، فإن مشروع القانون هذا يسعى إلى تحسين كفاءة النظام المالي من خلال تسهيل إجراءات تحويل الديون المتعثرة وضمان الشفافية القانونية بين الأطراف، موضحا في تصريح لجريدة النهار أن “من المهم أن يتم توفير آليات لحماية حقوق المدين وضمان عدم الإضرار بمصالحه من جراء هذه التحويلات، خاصة في ما يتعلق بالتحويلات التي تتم دون موافقته”، مشددا على تضمن المشروع ضرورة توثيق التحويل كتابة، إذ يشترط توقيع عقد التحويل بين المحول والمشتري بشكل رسمي، وتضمنه تفاصيل دقيقة، مثل هوية الأطراف، وتاريخ التحويل، والمبلغ الذي يتعين دفعه من قبل المشتري، بالإضافة إلى قائمة مفصلة بالديون المحولة، معتبرا هذه الإجراءات ضمانة للشفافية وحماية الأطراف المعنية من أي نزاع قانوني مستقبلي.
وتوضح المادة 12 ضمان قدرة المدين على السداد، مؤكدة أنه استثناء من أحكام المادة 204 من مدونة التجارة، التي تنص على أن المحول لدين متعثر يكون ضامنا لقدرة المدين على السداد حتى حدود ثمن التحويل، حيث تنص على إلغاء هذا الضمان في حال تحويل الديون المتعثرة في السوق الثانوية، بما يتيح إزالة أي التزام غير ظاهر في الميزانية للبنوك المحولة. أما فيما يتعلق بنقل الملحقات والضمانات (الرهن)، فيمتد تحويل الدين تلقائيا إلى جميع الملحقات (الضمانات، الكفالات، الرهون، الضمانات…)، علما أنه اعتبارا لكون الضمانات والملحقات المنقولة مع الدين المتعثر حقوقا حقيقية، لا يشترط أن تكون في شكل رسمي، حيث تنتقل الملحقات المرتبطة بالدين (الضمانات، الكفالات، الرهون) تلقائيا دون حاجة لإجراءات، ما لم يتم النص على خلاف ذلك في عقد القرض المحول، بينما في الحالة التي تكون فيها الضمانات والملحقات المنقولة مع الدين المتعثر حقوقا حقيقية (مثل الرهن)، ينص المشروع على إلغاء اشتراط الشكل الرسمي، واستمرار الإجراءات الإعلانية أمام الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News