في وقت تعد الصناعة التقليدية أحد أهم أعمدة التراث الثقافي المغربي، ورافدا اقتصاديا مهما، يعيش الصناع التقليديون واقعا معقدا بسبب تراجع المهن اليدوية وارتفاع أسعار المواد الأولية، ما يهدد استمرارية هذا القطاع.
ورغم البرامج المعلنة من قبل وزارة السياحة والصناعة التقليدية عبر مؤسسة “دار الصانع” إلا أن الصناع يعتبرون أن ما يُرفع من شعارات الدعم والمواكبة والترويج يبقى بعيدا عن الواقع الميداني.
الصناع التقليديون، الذين يعانون في صمت، يشتكون من غياب إستراتيجيات فعالة تحميهم من تقلبات السوق، حيث أصبحت المواد الأولية باهظة الثمن بشكل يعوق إنتاج الحرف اليدوية، كما يشيرون إلى غياب آليات كافية لتسويق منتجاتهم داخل المغرب وخارجه، فضلا عن المنافسة غير العادلة من المنتجات المستوردة ذات التكلفة المنخفضة والجودة المتدنية.
وتُعد “دار الصانع” الذراع الأساسية للوزارة في ترويج الصناعة التقليدية المغربية ودعم الحرفيين. ووفقا لما هو معروض عبر موقعها الإلكتروني تعمل المؤسسة على دعم الابتكار، وتحسين جاذبية المنتجات التقليدية، وتنظيم المعارض الوطنية والدولية. لكن الصناع التقليديين يؤكدون أن هذه الجهود لا تصل إلى الورشات الصغيرة والحرفيين في المناطق النائية، الذين يواجهون تحديات يومية تهدد مصدر رزقهم.
ويطرح هذا الوضع أسئلة جدية حول مدى نجاح “دار الصانع” في تنفيذ أدوارها الأساسية المتمثلة في توفير الدعم المالي من خلال برامج ملموسة تسهم في تخفيف عبء ارتفاع تكلفة الإنتاج، إضافة إلى التسويق والترويج الذي يتطلب إستراتيجيات تواكب التحولات الرقمية والأسواق العالمية؛ مع التركيز على التكوين والتأهيل لتمكين الجيل الجديد من الصناع التقليديين ومساعدتهم على مواصلة هذا الإرث الثقافي العريق.
وفي ظل هذه التحديات طالب عدد من الصناع التقليديين، في تصريحات لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، بإعادة النظر في السياسات الموجهة للقطاع، مؤكدين أهمية توفير دعم حقيقي يتجاوز الإعلانات والبرامج الورقية، ليصل إلى تفعيل آليات تسويق مبتكرة تدعم المنتجات المغربية في الأسواق العالمية، وتأمين المواد الأولية بأسعار معقولة؛ فضلا عن تنظيم برامج تمويل تشجع الصناع على الحفاظ على استمرارية مهنهم.
وفي هذا الصدد قال عبد العالي قاسي، صانع تقليدي متخصص في صناعة الجلد، إن “الصناعات التقليدية في المغرب تعد جزءا أساسيا من هويتنا الثقافية وتراثنا الوطني”، لافتا إلى أنه يعمل بيديه “حفاظا على هذا الموروث، لأن التخلي عن الصناعات التقليدية الجلدية يشبه الإفلاس الثقافي والاقتصادي للوطن”، وزاد: “إذا لم نهتم بها فإننا نخسر استقلالنا المهني ونترك مجالا لمنتجات مصنوعة في الخارج تحل محل أعمالنا المحلية”.
وأضاف قاسي في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية: “العمل بمواد طبيعية ومحلية مثل الجلد يعكس التزامنا بالأصالة والجودة، ورفضنا الاعتماد على المواد المستوردة”، مردفا: “الصناعات التقليدية ليست مجرد مصدر رزق، بل هي رمز لحياتنا وتراثنا، وإذا أهملناها فإنها تصبح عبئا مكلفا ومهددة بالاندثار”، وزاد موضحا: “هدفنا هو الحفاظ على هذه الحرف اليدوية ودعمها لتظل حية ومتطورة، بما يعكس قيمنا وهويتنا المغربية”.
من جانبه أكد عبد الله أوعابد، صانع تقليدي في مجال الأحذية التقليدية (البلغة)، أن “غالبية الحرفيين في الصناعة التقليدية يعانون العديد من المشاكل المتعلقة أساسا بضعف الإقبال على المنتجات الجلدية أو غيرها، لأن الناس يتوجهون أكثر للصناعة العصرية، نظرا للوقت المحدود الذي يتطلبه المنتج بسعر أرخص، على عكس الصناعة التقليدية التي تتطلب الكثير من الوقت، وذلك بمقابل مادي لا يضاهي المجهودات التي يبذلها الصانع”.
وأشار أوعابد، في حديثه لجريدة النهار، إلى أن “الوضع الحالي يتطلب إعادة تقييم السياسات الموجهة لهذا القطاع الحيوي، مع إيلاء أهمية حقيقية لتمكين الصناع التقليديين من تجاوز الصعوبات، وضمان استمرار هذه الحرف التي تشكل جزءا مهما من التراث الثقافي الوطني”.