وسط ما اعتبروها “تحديات متزايدة تتعلق بالبنية التحتية والتمويل والتوزيع” أعرب صُنّاع الأفلام الفلسطينيون المشاركين في مهرجان أجيال السنيمائي 2024، الذي تنظمه مؤسّسة الدوحة للأفلام، عن قلقهم العميق بشأن مستقبل مشاريعهم، بينما عبّروا عن فخرهم بـ”التزام المخرجين الشباب والمخضرمين بمواصلة شغفهم الفني”، وفق ما جاء في بلاغ للمؤسسة.
جاء ذلك في لقاء صحافي أقيم على هامش فعاليات المهرجان، بمشاركة المخرجين محمد بكري ورشيد مشهراوي، والممثل ورئيس لجنة تحكيم “صنع في قطر” لهذا العام صالح بكري، بالإضافة إلى المخرجين الصاعدين محمد المغني وليلى عبّاس.
وحسب البلاغ الذي توصلت به جريدة النهار فإن “صنّاع الأفلام الفلسطينيين أكدوا على أهمية السينما الفلسطينية، ليس فقط لمواجهة المعلومات المضللة، ولكن أيضًا لتعزيز الحوار الصحي وزيادة الوعي حول فلسطين وشعبها”.
وصرّح المخرج محمد بكري، الذي يقدم فيلمه “جنين جنين” لمحة عن تحديات صناعة الأفلام في فلسطين: “لا توجد بنية تحتية لصناعة السينما في فلسطين، لكن هناك أفراداً يبذلون قصارى جهدهم. في كل منطقة جغرافية يتواجد فيها الفلسطينيون هناك نضالات مختلفة، لكننا جميعًا نتشارك أحلام التحرر والاستقلال والكرامة”.
ويعود بكري في “جنين جنين” إلى مخيم جنين للاجئين بعد 20 عاماً من فيلمه الوثائقي الأول “جنين، جنين”، ليربط بين شهادات الناجين من العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة وانعاكسات التأثير المستمر لاجتياح عام 2002.
وأضاف المخرج ذاته، وفق ما نقلته عنه مؤسسة الدوحة في بلاغها: “أحيي المؤسسة في مهرجان أجيال السينمائي، وأثمن جهودها في تنظيم مهرجان بهذه الأهمية وبهذه الطريقة، مع مراعاة ما يحدث لشعبنا في غزة”، مشيرا إلى أن تمويل أفلامه كان بالغ الصعوبة، لكنه قال بفخر: “عندما أنهيت ‘جنين جنين’ نظرت إلى نفسي في المرآة وشعرت بالفخر!”.
من جانبه عبّر المخرج رشيد مشهراوي، الذي حازت أفلامه إشادة واسعة في مهرجانات عالمية، عن تحديات مماثلة، قائلاً إن إنتاج فيلم جديد استغرق منه ثلاث سنوات، حتى بعد الإشادة بأعماله في مهرجان “كان” السينمائي، وزاد: “كل مرة أبدأ العمل على فيلم جديد أشعر وكأنني أعمل على أول فيلم لي. الواقع أنّ كل فيلم يحتاج إلى وقت وجهد وتخطيط أكبر لتحقيقه”.
وأضاف مشهراوي: “من المهم صناعة الأفلام، رغم أنّ السّينما ليست مجرد ضغطة زر لتحقيق تغيير فوري. لكن على الجميع أن يشارك، وأنا أحاول قدر استطاعتي من خلال عملي أن أنقل الرواية الفلسطينية وأفند الرواية الزائفة للاحتلال. العمل السينمائي يجعلني أشعر بأنني لست عاجزاً، بل مشاركاً فعّالاً في تحقيق التغيير”.
وأوضح المخرج ذاته أنّ فيلمه الجديد “أحلام عابرة”، الذي افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأسبوع الماضي، تم تصويره في القدس، وبيت لحم، وحيفا، والضفة الغربية، وفي أنحاء فلسطين، وتابع: “كل هذه الأماكن منفصلة عن بعضها البعض، وكنّا بحاجة إلى طلب تصاريح للتنقل بينها، لكنّنا نجحنا في تحقيق ذلك. وما يلهمني ويحركني هو أن الشباب الفلسطيني، رغم كل هذه التحديات، يواصلون صناعة أفلام رائعة”.
للإشارة فمشهراوي هو مُنسّق مشروع “من المسافة الصفر” (فلسطين)، وهو مجموعة من 22 فيلماً قصيراً أُنتجها صُنّاع أفلام من غزة، وتقدم نظرة عن الحياة اليومية والنضالات والآمال لأفراد يعيشون تحت الحصار، وقال كما ينقل عنه البلاغ: “ما يحدث في غزة يجب أن يُعرض في كل مكان. هذه المجزرة تختلف عن أي شيء حدث من قبل، لأنها تُبث على الهواء مباشرة. يجب ألا نعتاد على ذلك. وما يقتلنا ليس فقط الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضاً الصمت العربي”.
من جانبه قال الممثل صالح بكري إنّه “رغم أن السينما لا تشفي الجراح إلا أنّها تمنح معنى للحياة وتساعد على إزالة غبار العجز”، وزاد: “فكرة المدينة الفلسطينية نفسها تم تدميرها. في الماضي كان الفنانون العظماء يأتون إلى حيفا من جميع أنحاء العالم ليؤدوا عروضهم، أما اليوم فإن جمهوري الطبيعي لا يستطيع حتى دخول قاعة سينما”.
المخرج محمد المغنّي، الذي يعرض فيلمه “برتقالة من يافا” (فلسطين، بولندا، فرنسا)، وهو عن شاب فلسطيني يحاول عبور حاجز إسرائيلي للالتقاء بوالدته، قدّم رؤيته عن السينما، موردا: “قوة السّينما تكمن في أنها تبني جسوراً بيننا وبين العالم، وبين أبناء الشعب الفلسطيني؛ إنها وسيلة للتعبير عما بداخلنا. لكن صناعة السينما في فلسطين صعبة للغاية لأن الظروف تجعلها ترفاً لا يقدر عليه كثيرون”.
أما ليلى عباس، مخرجة فيلم “شكراً لأنك تحلم معنا” (فلسطين، ألمانيا، المملكة العربية السعودية، قطر، مصر)، الذي حصل على دعم من مؤسسة الدوحة للأفلام ويُعرض في مهرجان أجيال السينمائي، فقالت إن “السينما تطرح أسئلة صعبة وتفتح مجالات الحوار”، مضيفة: “صوّرت فيلمي قبل أحداث السابع من أكتوبر. كنت أرغب في الابتعاد عن السياسة، لكن هذا مستحيل في السياق الفلسطيني، لأن ذلك يعني الانفصال عن الواقع. ولم أكن أرغب في أن تحتل إسرائيل قصتي أيضاً”.