هجرة البنكيين إلى الاستثمار العقاري تجدد الجدل بخصوص “قانون المنعشين”
سجلت الفترة الأخيرة تزايدا في وتيرة استقالات أطر في مجموعات بنكية كبرى، هاجرت إلى الضفة الأخرى للاستثمار في مشاريعها الخاصة، من خلال إحداث صناديق استثماريةFonds D’investissement Real Estate تنشط في اقتناء وتثمين العقارات وإطلاق وبناء المشاريع العقارية في مختلف مناطق المملكة، ما جدد الجدل حول تأخر القانون المنظم لمهنة المنعش العقاري، الذي كان يفترض أن يصدر قبل سنوات، في ظل محاولات لترقيع هذا الفراغ التشريعي بشركات التوظيف العقاريSPI ، التي سجلت تطورا مهما في نشاطها.
وساهمت الأطر البنكية السابقة، مستفيدة من خبرتها ورؤوس أموالها، في تغيير توازن السوق، إذ دخلت في منافسة مباشرة مع المنعشين التقليديين، خصوصا أن هؤلاء المستثمرين الجدد توجهوا إلى المشاريع ذات العائد المرتفع، أحيانا على حساب مشاريع السكن الاجتماعي أو تنمية المناطق القروية، ما تسبب في اختلالات في العرض، وارتفاع أسعار العقارات في المدن الكبرى إلى مستويات قياسية، خصوصا أن الوافدين الجدد على السوق العقارية ركزوا على الاستثمار في العقارات المهنية (المكاتب والمحلات التجارية والأستديوهات…)، المتمركزة في مواقع إستراتيجية.
وبالنسبة إلى منعشين عقاريين تقليديين فـ”البنكيون المنعشون” تورطوا في استثمارات عقارية خاسرة خلال الفترة الماضية، بعدما انخرطوا بشكل مباشر في أشغال البناء والتجهيز بالأوراش، عبر شركات تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر، معتبرين أن قدراتهم على تدبير وتعبئة التمويلات ودراسة وتقييم المخاطر في المشاريع لم تحصنهم ضد مفاجآت القطاع، الذي يستلزم دراية واسعة، وتجربة عملية طويلة داخل الأوراش، مشددين على أن هذا القطاع شأن غيره محكوم بمجموعة من الأعراف والقواعد غير المكتوبة، ويرتكز على السمعة التجارية في السوق والثقة بين أصحاب المشاريع والموردين والمناولين.
استثمار محفوف بالمخاطر
رغم أن الأطر البنكية تتمتع بخبرة مالية قوية إلا أن مجال الاستثمار العقاري في المغرب يتطلب مهارات وخبرات عملية ميدانية، تختلف تماما عن تلك التي تكتسب في العمل البنكي التقليدي، ذلك أن افتقارها إلى الدراية اللازمة بتقييم العقارات، وإدارة المخاطر العقارية، وفهم ديناميات السوق المحلية، يمثل أحد أبرز التحديات التي تقف في طريقها؛ وبالتالي فالبنكيون الذين لم يطوروا مهاراتهم العملية في القطاع العقاري قد يواجهون صعوبة كبيرة في اقتحام هذا المجال وتحقيق النجاح فيه؛ وسيكون عليهم في المقابل تعلم واكتساب الخبرات العملية بشكل مباشر، من خلال التعاون مع منعشين عقاريين ذوي خبرة، أو عبر الدورات التكوينية المتخصصة، التي تركز على المهارات العملية المطلوبة لهذا المجال.
وأوضح مصطفى بن ربيعة، خبير عقاري ومحلل أسواق مالية ببورصة الدار البيضاء، في تصريح لجريدة النهار، أن “خبرة الأطر البنكية السابقة في مجال التمويل العقاري لا توفر لها المناعة الكافية في مواجهة تحديات السوق العقارية بالمغرب، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولا كبيرا، حيث ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ في المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء ومراكش والرباط، مؤكدا أن النمو المتسارع للأسعار يفرض على المستثمرين التوفر على الدراية اللازمة بالعوامل المؤثرة في الأسعار، مثل العرض والطلب، وسياسات الحكومة في قطاع الإسكان، والقدرة الشرائية للمواطنين.
وأضاف بن ربيعة أن “الاستثمار العقاري محفوف بمجموعة من المخاطر، ذلك أنه إلى جانب تقلبات السوق تشمل المخاطر الأخرى للمستثمرين العقاريين في المغرب المشاكل القانونية المتعلقة بالملكية، والتأخير في تسليم المشاريع بسبب مشكلات لوجستية أو مالية، إضافة إلى التحديات البيئية التي قد تطرأ على المشاريع السكنية أو التجارية”، مشددا على أن “الأطر البنكية السابقة الوافدة على قطاع الإنعاش العقاري يفتقر أغلبها إلى المعرفة القانونية، من خلال الإلمام بالقوانين المنظمة للتعمير، وكذلك اللوائح البيئية المتعلقة بالبناء المستدام، التي أصبحت أكثر أهمية خلال السنوات الأخيرة”، وموردا أن “الاستثمار العقاري في المغرب يحمل فرصا كبيرة، لكنه في الوقت ذاته يتطلب معرفة متعمقة بالسوق المحلية وتطبيق المهارات العملية”.
قانون منظم للمهنة
يشير تزايد انتقال الأطر البنكية نحو الاستثمار العقاري إلى دينامية جديدة في القطاع، تعكس تطلعات هذه الفئة إلى استغلال خبراتها في تدبير المخاطر والتمويل لتحقيق عوائد استثمارية مربحة. ومع ذلك فإن هذا التحول يسلط الضوء على فجوة تنظيمية خطيرة، تتمثل في غياب قانون شامل ومحدد ينظم مهنة المنعش العقاري، ما يثير عدة إشكاليات تتعلق بالشفافية، وحماية المستهلك، واستدامة السوق العقاري. وبالتالي فإن تأخر إصدار القانون المنظم للمنعش العقاري يكشف عن إغفال واضح لضرورة ضبط مهنة إستراتيجية تؤثر على الاقتصاد الوطني ومصالح شريحة واسعة من المواطنين.
وأفاد نبيل فشتالي، إطار بنكي متخصص في تدبير المخاطر الائتمانية، بأنه “رغم التطور الملحوظ في نشاط شركات التوظيف العقاري (SPI) كحل ترقيعي مؤقت فإن مبادرات تنظيم مهنة الإنعاش العقاري لا يمكن أن تكون بدلا عن إطار قانوني شامل يضع معايير واضحة لممارسة المهنة، ويضمن ضبط العلاقة بين الأطراف المختلفة، من مستثمرين ومستهلكين وسلطات تنظيمية”، مؤكدا أن “الحاجة إلى قانون منظم للمهنة أصبحت ملحة، خاصة في ظل تزايد المبادرات الاستثمارية في القطاع، التي تفتقر في بعض الأحيان إلى الضوابط المهنية والأخلاقية”، ومنبها إلى “وجوب تحديد هذا القانون تحديدا دقيقا معايير الكفاءة المهنية، وضوابط الشفافية المالية، وآليات الرقابة على المشاريع، بما يضمن حماية حقوق المشترين وجودة المشاريع”.
وأورد فشتالي، في تصريح لجريدة النهار، أن “غياب قانون منظم لمهنة المنعش العقاري يعرض السوق لمخاطر متعددة، بينها التلاعب بالأسعار، والتفاوت في جودة المشاريع العقارية، إضافة إلى تزايد حالات النزاعات بين المستثمرين والمستهلكين”، مردفا بأن “إطارا قانونيا واضحا ومنظما لن يعزز فقط الثقة في السوق، بل سيعمل على جذب استثمارات أجنبية، ويدعم استقرار القطاع على المدى البعيد”، ومشيرا إلى أن “السلطات العمومية مدعوة إلى تسريع إصدار هذا القانون، مع إشراك كافة الفاعلين في القطاع، من بنوك ومنعشين عقاريين ومؤسسات رقابية، من أجل ضمان وضع إطار تشريعي متكامل يواكب تطورات السوق ويعزز الاستدامة الاقتصادية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News