اتفقت مجموعة من التقارير والتحليلات الاقتصادية الدولية، الصادرة عن مؤسسات مالية واقتصادية وهيئات بنكية عالمية، على استمرار منحى عام نحو “الانخفاض في أسعار النفط والمواد الأولية” خلال الأشهر والسنوات القادمة؛ وهو ما يرتقب أن يحمل أخباراً سارة عن تأثيرات ومنافع إيجابية على اقتصادات الدول المستوردة للنفط، ومنها المغرب؛ إذ ستتقلص فواتيرها الطاقية، ما سيؤثر إيجابًا على توازنات الميزان التجاري مع تقليل تكلفة الاستيراد بما يتيح التحكم في توازنات العجز والتجارة الخارجية.
وردَ هذا في أكثر من تقرير؛ لعل الأبرز جاء بعنوان “نشرة آفاق أسواق السلع الأولية” من مجموعة البنك الدولي، وأفاد بأن “جميع أسعار المواد الأولية العالمية عام 2025 ستستمر في الانخفاض لتصل إلى أدنى مستوى خلال 5 سنوات”.
ولفت البنك الدولي الانتباه إلى أن استمرار عام 2024 شاهداً على الصراع في الشرق الأوسط أفضى إلى “حدوث تقلبات كبيرة في أسعار النفط، بسبب الخوف من الأضرار التي قد تلحق بالبنية التحتية النفطية والغازية للمُنتجين الرئيسيين إذا تفاقَمَ الصراع”، قبل أن يطمئن بأنه “على افتراض عدم حدوث هذا الأمر فإن السعر السنوي لـ[خام برنت] سيصل إلى 73 دولارا عام 2025، وهو أدنى مستوى خلال أربع سنوات، مقابل 80 دولارا للبرميل هذه السنة”.
خفض عبء الواردات
قال نبيل بوابراهيمي، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ابن طفيل، إنه “من المعلوم أن المغرب مازال مستورداً لما قيمته أكثر من 12 مليار دولار من المواد النفطية والطاقية عمومًا”، معتبرا أن “هذه الفاتورة كانت دوماً مرتفعة، خاصة سنة 2022 حيث تجاوزت 15 مليار دولار”، قبل أن يعدّ الانخفاض المتوقع فيها بمثابة “نقطة جد إيجابية لخفض العبء عن واردات الطاقة التي تحتل مرتبة الصدارة، فضلا عن ربح العملة الصعبة”.
ولفت بوابراهيمي الانتباه، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إلى أن “استمرار الانخفاض في السلع الأولية لن يكون إلّا في صالح المغرب، بما يُفيده أساسا في اتجاه ربح رهان تسريع إستراتيجيات الصناعة المغربية التي انخرطت فيها المملكة، وبالمقابل دعم دينامية قطاعات تصديرية مثل السيارات والنسيج والأجهزة المُصنّعة، التي رغم ارتفاع رقم معاملاتها إلا أنها قد لا تعوض الارتهان إلى تقلبات قيمة المواد البترولية في السوق الدولية”.
أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القنيطرة أضاف أن “الاقتصاد المغربي يُعوَّل عليه من أجل تعويض الطاقات ذات الأصل الأحفوري بالطاقات ذات المصدر المتجدد، وفي انتظار ذلك فالارتهان إلى الخارج مستمر في فاتورته الطاقية التي كلما انخفضت عاد ذلك بالعائد الإيجابي عبر مساهمة فعالة في قطاعات إنتاجية تصديرية، تستهلك الطاقة والمواد الأولية الداخلة في مسار التصنيع”.
وأشار المصرح ذاته إلى أن “عدم استمرار المغرب في تكرير البترول عبر المصفاة الوحيدة للمحمدية التي توقفت قبل حوالي عشر سنوات جعل التكاليف الطاقية إضافية، فضلا عن ضغط الواردات الفلاحية من مواد القمح في ظل توالي سنوات الجفاف”، مبرزا أن “التأثير السلبي لضغوطات الواردات على الميزان التجاري سيتخفف في حال تحقق سيناريو انخفاض أسعار المواد الطاقية والأولية وفق السيناريوهات المتوقعة”.
منافع متعددة
دعمَ محمد جدري، باحث وخبير اقتصادي، فكرة “إيجابية الآثار المتوقعة على اقتصاد المغرب في حال تحقق سيناريو انخفاض الأسعار الدولية للمواد الأولية والطاقية”، مبرزا أن ذلك “سيقلص عجز الميزان التجاري ويمنح هوامش للميزانية العامة للبلاد من حيث تخفيف ضغوط الإنفاق”.
وقال جدري، مصرحا لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إن “تقليص المغرب فاتورة الطاقة وجعلها في المتناول، خصوصا أسعار المحروقات، عامل مساهم بشكل مباشر في ضبط مستويات التضخم المحلي وجعله معتدلاً في نطاق المستهدف من السياسات العامة، إذ من المرتقب أن يعود إلى ما كان عليه في السنوات القليلة الماضية”.
كما أشار الخبير ذاته، ضمن التصريح نفسه، إلى أن “تكلفة الإنتاج أساساً ستظل في مستويات مقبولة، لأن أسعار الغازوال والطاقة ستكون في متناول جميع الفاعلين الاقتصاديين”، وهو ما سينعكس على ربح الدولة لتقليص الدعم المالي الذي كانت قد أقرته لمهنيي النقل بعد ارتفاع أسعار المحروقات عالميا.
وخلص المتحدث إلى أن “بقاء أسعار المواد الأولية في مستويات منخفضة لا يمكن إلّا أن يعود بالنفع العميم على جاذبية الاقتصاد المغربي من حيث رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية الموطَّنة، ما يعني تحريك دينامية خلق مناصب الشغل”.