تسارع وتيرة الأوراش الكبرى يدعَم تفسيرات زيادة مبيعات الإسمنت بالمغرب

واصلت عدد من القطاعات الاقتصادية البارزة في المغرب منحاها الإيجابي بإظهار مؤشرات تعافٍ اقتصادي مستمر، كما هو الحال بالنسبة لسوق الإسمنت التي عرفت ارتفاعا ملحوظاً من حيث أرقام الاستهلاك خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024؛ فيما من المتوقع أن يصل إلى 7 بالمائة سنويًا بين عاميْ 2024 و2026، وفقاً لما خلص إليه تقرير “Research report equity”، الصادر منتصف نونبر الجاري عن “مركز التجاري للأبحاث”.

وباستقراء جريدة جريدة النهار بيانات التقرير فإن هذا المنعطف الإيجابي “نقطة تحول حاسمة بعد عقد من الانكماش في سوق الإسمنت بنسبة 1,7 في المائة”. وسلط المركز البحثي نفسه، في تقرير مفصل، الضوء على “أسباب هذا النمو المتفائل، لاسيما التزام الحكومة بإطلاق مشاريع البنية التحتية الكبرى، التي ينبغي أن تكون بمثابة حافز للنشاط في قطاع البناء والأشغال العمومية”.

وإلى جانب بدء تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى فإن السيناريو الذي وضعه خبراء المركز جاء مدعومًا بانتعاش “دينامية قطاع البناء الذاتي l’autoconstruction بعد عدة سنوات من التباطؤ والركود بسبب تعاقب سنوات الجفاف”، وفق تقديرهم.

وترسّخت فكرة أن “استهلاك الإسمنت” مازال مؤشراً على قياس صحة قطاع البناء والأشغال العمومية، مرتفعا بنسبة 8,2 في المائة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 (11,12 مليون طن باحتساب التراكم السنوي)، على عكس “الأداء المتباين” الذي بصم عليه بـ 1.1% و0.2% في النصفين السابقين، وفق بيانات الجمعية المهنية لشركات الإسمنت في المغرب التي طالعت جريدة النهار نسخة منها.

وفي شهر أكتوبر لوحده أبان تطور مبيعات الإسمنت عن زيادة ناهزت 20 في المائة؛ أي بواقع 1 مليون و302 ألف و665 طنا، حسب مصدر البيانات الرسمية.

عوامل مفسرة

في قراءته للموضوع أبرز عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بكلية علوم الاقتصاد بفاس، أن “قطاع البناء في المغرب يمثل ما يفوق 5,5% من الناتج الداخلي الخام، وأزيد من 22% من القيمة المضافة الإجمالية المتعلقة بالقطاع الثانوي في الاقتصاد”، معتبرا أن هذا “الوزن يجعله رافعة من الرافعات الأساسية من أجل تحقيق النمو، وخلق مزيد من فرص الشغل الضرورية للتقليص من نسبة البطالة”.

“الأرقام المتوفرة حديثاً تُشير إلى انتعاش ملحوظ لهذا القطاع عن طريق مؤشر مبيعات الإسمنت المعتمد للتحقق من مسار وتطور القطاع”، يلفت الهيري، في حديثه لجريدة النهار، رابطًا ذلك التطور بـ”عدة عوامل”؛ أبرزها “استمرار المغرب في المشاريع التي انخرط فيها بهدف تحسين وتقوية البنيات التحتية الضرورية لتحقيق أهداف النموذج التنموي؛ خاصا بالذكر البنيات المتعلقة بالطرق والبنيات المتعلقة بالموانئ، وكذا البنيات الضرورية لإنتاج الخدمات العمومية (بناء المستشفيات، والمدارس وغيرها ذات الطابع العمومي).

أما العامل الثاني، حسب المحلل الاقتصادي ذاته، فيُجسده “انخراط المغرب في تقوية بنيته الرياضية الضرورية من أجل احتضان التظاهرات القارية والعالمية في المستقبل القريب (بصدد بناء مجموعة من الملاعب وكذلك تقوية وتجويد الملاعب الموجودة، بما في ذلك البنايات الضرورية المحيطة بالملاعب..)، ما سيؤدي خلال السنتين المقبلتين إلى انتعاش أكبر لمبيعات الإسمنت، وبالتالي نمو لقطاع البناء بالمملكة”.

ثالث العوامل المفسرة “العملية الطموحة المستمرة بعدد من الأقاليم في إطار إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال (بناء المساكن، وتأهيل البنيات التحتية الطرقية…)”، وفق الهيري، الذي أشار إلى “انتعاشة مرتقبة في وتيرة تشييد السكن، سواء من طرف المنعشين العقاريين أو من طرف الأسر للاستعمال الذاتي”، ما سيساهم في استمرار الانتعاش، خصوصا أن القطاع عرف الركود النسبي بعد التقلبات الجيو-إستراتيجية وبعد التضخم الذي عرفته أثمان المواد المرتبطة بالبناء.

كما ربط المتحدث بين “انتعاش قطاع البناء والتوسع المستمر في المناطق الحضرية”، إذ “لا يمكن أن يتم إلا عن طريق استعمال مكثف لمادة الإسمنت وبالتالي استعمال مكثف للخدمات المرتبطة بقطاع البناء”، خاتما بأن “الانتعاشة المتوقعة يمكن أن تتعزز إذا ما بقيت الظرفية الاقتصادية على حالها”.

بلوغ الطاقة الإنتاجية الكاملة

من جهته بسط، أنيس بنجلون، خبير مهني في الإنعاش العقاري والبناء، وجهة نظره في الموضوع، قائلا إن المغرب يتوفر على “مجموع الطاقة الإنتاجية الكاملة لمادة الإسمنت بمختلف فئاتها، التي يمكن أن تصل إلى 24 مليون طن في السنة، إلا أن الإنتاج الحالي من هذه المادة، التي ارتفع استهلاكها بوضوح، لم يصل سوى إلى ما بين 11 و12 مليون طن سنوياً، أي ما يمثل النصف”، واصفا الرقم بـ”المهم” لقياس حيوية القطاع وديناميته.

وتابع بنجلون شارحاً لجريدة جريدة النهار الإلكترونية أن “البيانات المتوفرة عن 10 أشهر من السنة الحالية كانت متوقعة بانتعاش متزايد من فصل لآخر”، مضيفا: “لكن وجبت ملاحظة أن هذا الانتعاش يتجه خاصة لصالح الأوراش الكبرى المتعلقة بالبنيات التحتية الطرقية والرياضية ومشاريع التأهيل التي أطلقتها الحكومة، وليس بسبب أوراش البناء التي تظل بوتيرة عادية، رغم الإقبال الكبير على برنامج دعم السكن”.

وأضاف الخبير في مجال العقارات بالمغرب أن “الطلب الوفير على السكن الرخيص (نظرا للقدرة الشرائية الحالية للأسر المغربية) يستلزم مجهودا حكوميا أكبر قصد السهر على زيادة وتيرة الوحدات ذات السعر المنخفض، رغم استمرار غلاء الأوعية العقارية لمشاريع البناء، فضلا زيادة بعض مواد البناء وإكراهات إدارية مستمرة في بعض الوكالات الحضرية”.

وختم المتحدث ذاته بالقول إن “الزيادة في مؤشر استهلاك الإسمنت لا تعكس بالضرورة زيادة وتيرة البناء بالنسبة لوحدات السكن المدعوم من طرف الدولة، رغم أن عدد تراخيص البناء تبقى مرتفعة مقابل استقرار أو انخفاض عدد الوحدات النهائية التي هي في طور الإنجاز”.

Exit mobile version