كشفت “أليانز ترايد”، الرائد العالي في حلول تأمين القروض، في تقريرها “التوقعات التجارية العالمية 2024″، عن تأثير التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين في تشكيل التجارة العالمية وإعادة تنظيم سلاسل التوريد، ما فتح المجال أمام قوى تجارية جديدة، حيث حدد التقرير 25 مركزا تجاريا من “الجيل القادم”، بينها المغرب الذي احتل المرتبة 20 بفضل بإمكاناته التجارية واتصاله الجيد، في ظل حاجة قائمة إلى تحسين كفاءته اللوجستية.
واحتل المغرب مكانة متميزة في هذا التصنيف الجديد بفضل مجموعة من العوامل الاستراتيجية، إذ أظهرت المملكة أداءً قويا في ثلاثة محاور رئيسية، حسب تقييم “أليانز ترايد”، همت الإمكانيات التجارية (المرتبة 16)، الاتصال (المرتبة 17)، والكفاءة اللوجستية (المرتبة 23)، ما يبرز تقدمها في المنافسة العالمية، فيما اعتبر التقرير الموقع الجغرافي للمغرب ميزة كبيرة، فهو يقع عند تقاطع أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، مما جعله نقطة ارتكاز مثالية للشركات التي تسعى إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها.
واعتبر التقرير الدولي أن ميناء طنجة المتوسط، الذي يعد أحد أكبر الموانئ في إفريقيا، موجه لطموحات المغرب في السوق التجارية العالمية، إذ يجذب تدفقات تجارية دولية ويعزز التكامل الإقليمي، منبها في الساق ذاته إلى وجود تحديات قائمة، ذلك أن الكفاءة اللوجستية، التي تحتل فيها المملكة المرتبة 23، تكشف عن الحاجة إلى تحسين تدبير التدفقات التجارية، خاصة من خلال تبسيط الإجراءات الجمركية وزيادة استخدام التقنيات الرقمية.
سلاسل التوريد
أدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى تجزئة سلاسل التوريد العالمية، ما أجبر الشركات على تنويع شركائها ومساراتها التجارية، فيما خلقت هذه الدينامية فرصة فريدة للمراكز التجارية الناشئة، بما في ذلك المغرب، لتصبح بدائل استراتيجية، علما أن المملكة تستفيد من سلسلة من اتفاقيات التجارة الحرة، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ما سهل وصولها إلى الأسواق الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز دورها في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf) كبوابة رئيسية للاستثمارات في القارة.
وأوضح زكرياء خليل، خبير التجارة الدولية واللوجستيك، أنه “في ظل التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، نشهد إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية بشكل ملحوظ. وهذه الديناميات تفرض على الشركات إعادة النظر في استراتيجياتها التجارية، ما يوفر فرصا جديدة للمراكز التجارية الناشئة، مثل المغرب”، مؤكدا أن المملكة تتوفر على مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة، بما في ذلك تلك الموقعة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ما يسهل وصولها إلى الأسواق الأجنبية ويعزز قدرتها التنافسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن دخولها في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf) سيعزز من مكانتها كبوابة رئيسية للاستثمارات في القارة الإفريقية.
وأضاف خليل، في تصريح لجريدة النهار، أنه “من المتوقع أن تتيح هذه العناصر الاقتصادية للمغرب التمركز بديلا استراتيجيا في سلاسل التوريد العالمية، ما يعزز من دوره كمركز لوجستي وتجارى هام. وفي هذا السياق، فإن الاستثمارات في البنية التحتية وتطوير الكفاءات المحلية ستكون ضرورية لضمان تحقيق هذه الفرص الاقتصادية وتنميتها بشكل مستدام”، مشددا على أهمية تعزيز الشركات المغربية شراكاتها التجارية وتوسيع نطاق تعاونها الدولي للاستفادة القصوى من هذه التحولات، مضيفا: “نحن أمام فرصة مهمة لرفع مستوى التجارة والاستثمار في المغرب وجعله فاعلا رئيسيا في الساحة العالمية”.
استثمارات المستقبل
قدرت “أليانز ترايد” في تقريرها أن المراكز التجارية الناشئة ستحتاج إلى استثمارات تبلغ 120 مليار دولار لتحديث بنيتها التحتية والحفاظ على قدرتها التنافسية، موضحة أنه بالنسبة إلى مغرب، فالأمر يتطلب تعبئة موارد كبيرة من القطاعين العام والخاص لتمويل هذه المشاريع، فيما تشمل المبادرات الطموحة على المستوى العملي، مخطط التنمية الصناعية (PDI) والجهود المبذولة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، مثل مشروع “نور” للطاقة الشمسية في ورزازات. “ومع ذلك، فإن استراتيجية تمويل مستدامة وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية سيكونان ضروريين لتحقيق هذه الطموحات”، حسب التقرير ذاته.
وأكد مراد أوعشا، مستشار مالي خبير في التجارة الدولية، في تصريح لجريدة النهار، أن التحديات الناتجة عن التوترات العالمية في سلاسل التوريد أصبحت تفرض على المغرب تعبئة الموارد اللازمة لضمان تحديث بنيته التحتية وتعزيز تنافسيته، موضحا أن قيمة الاستمارات التي تحتاجها المراكز التجارية الناشئة كما جاء في تقرير “أليانز ترايد”، تعكس الحاجة الماسة لتحديث البنية التحتية، التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد، مشيرا إلى أنه في حالة المغرب، سيتأرجح هذا الاستثمار بين تحسين الموانئ، وتطوير نظم النقل وتعزيز الخدمات اللوجستية.
وشدد أوعشا، في السياق ذاته، على أهمية تعبئة الموارد من القطاعين العام والخاص، حيث يمثل هذا الأمر تحديا كبيرا، يفرض على الحكومة التحرك بشكل فعّال لوضع السياسات المناسبة التي تشجع الاستثمار، منبها من جهة أخرى إلى ضرورة الحرص على أن يكون القطاع الخاص متهيئا للمساهمة في هذه المشاريع، من خلال الشراكات والابتكارات، موضحا أن “تحقيق الطموحات المذكورة يتطلب وجود استراتيجية تمويل مستدامة، إذ ينبغي على المغرب البحث عن أساليب مبتكرة لجذب رؤوس الأموال، مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، والتمويلات الخضراء، فيما يرتقب أن يزيد تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية من فرص الحصول على تمويلات ميسرة.