مقبرة الغفران بالدار البيضاء.. هنالك شيء ليس على ما يرام

في مقبرة الغفران، بالدار البيضاء، يكاد الموتى يصرخون من هول ما يقع على حواف قبورهم. فالمكان موحش للغاية، وبلا نظافة، وبلا هدوء يحترم حزن المكلومين بوفاة القريب والبعيد، وبلا طقوس تجل الموت، الذي سيدرك الجميع، حتى أولئك الذين حولوا المقبرة إلى “أصل تجاري” يتكسبون منه، دون أي اعتبار لحرمة الموتى، ومشاعر الأحياء.

يحتاج من يزور ميتا في قبره إلى الهدوء. فهو يريد أن يخلو بنفسه وبمن مات. ويرغب في أن يفتح باب السماء إلى رب كريم، حتى يخلص في الدعاء، والمناجاة، ويستشعر أنه قريب من ربه القريب، وأن دعاءه مستجاب. ثم يكفكف دمعه بتؤدة، ويلقي نظرة أخيرة، ليست نهائية، ثم يعود أدراجه، بخطوات حانية، تعيده إلى حياته، ولا تزعج من خلفهم وراء ظهره تحت التراب.
غير أن هذا مستحيل في مقبرة الغفران بالدار البيضاء. فالداخلون إليها، لأجل زيارة موتاهم، يشعرون بالانزعاج من البداية، وهم يتجاوزون تلك البوابة التي بلا معنى. ثم تبدأ المشاهد البئيسة للاستجداء، بالتسول القسري، من فئات متعددة، ضمنها أطفال، يا حسرة. ويتزايد مستوى الإزعاج عندما يتصيدهم بعض قناصي الحزن والألم، ممن يفرضون على الزائرين والزائرات، بملحاحية الطلب، أو بسيف الحياء، وربما بقوة اللفظ والحضور الجسدي، أحيانا، “خدمة” صب الماء على القبر، وغسله، وقراءة القرآن أيضا.
يتبخر الهدوء، ويطير الشعور بالاطمئنان، ويتشتت الذهن، فتضيع روحانية اللحظة، ويصبح الدعاء محفوفا بالأسى والأسف، ويتغلب التفكير في المغادرة على التفكير في الوصل مع الله. ويا لها من لحظات مثيرة للاشمئزاز، حينما يصبح أعز طلب لدى زائر للمقبرة أن يتركه “متسول ملح” أو “فقي ديال بزز” أو “خادم قسري” لنفسه ومن مات. وحينما تدور في الذهن أسئلة “اين المسؤولون مما يقع؟”، و”ألن ينتهي هذا البؤس يوما ما”؟ و”هل سيكون الوضع على ما هو عليه في الزيارة المقبلة أيضا؟”.
هنالك شيء ما ليس على ما يرام في مقبرة الغفران. ويمكن التأكد بالملموس من زيارة بسيطة، في أي لحظة، بحيث ستطالعك الأزبال، والأوساخ، فضلا عن الإزعاج الذي لا ينتهي من كل ناحية. وستخرج بقناعة واحدة، وهي أنك محظوظ وأنت تغادر “بالصحة والسلامة”، فيما بقي هنالك أناس آخرون، في قبورهم، يعانون الأمرين، جراء ما يقع على مرمى منهم، أو على لحودهم، أو فيها. ومن يدري؟

 

يونس الخراشي

 

Exit mobile version