تقرير يدقق في أسباب إقبال الشركات الإسبانية على الاستثمارات بالمغرب

مستفيدة من قربها من القارة الأوروبية وتوفيرها تكاليف تشغيلية منخفضة وحوافز ضريبية وبيئة تنظيمية للاستثمار هي الأكثر أمانا في شمال إفريقيا، تستمر المملكة المغربية في تكريس نفسها وجهة جذابة للاستثمارات الأوروبية، إذ شهدت الآونة الأخيرة “هجرة صناعية كبيرة” للشركات الإسبانية إلى المغرب، سعيا منها للتكيف مع السياسات الأوروبية والاستفادة من الآفاق الواعدة للاستثمار، وفق ما ذكرت مؤسسة “فيتش سولوشن”.

وكشفت المؤسسة ذاتها، في تقرير حديث، عن قيام أكثر من 360 شركة إسبانية بنقل عملياتها الإنتاجية إلى المغرب، في سياق حرص الشركات الأوروبية على تقريب سلاسل توريدها وتعزيز مرونتها ضد الاضطرابات العالمية المستقبلية، تفاديا لتكرار التحديات التي فرضتها جائحة “كوفيد-19″ على سلاسل الإمداد العالمية.

وأشار التقرير ذاته إلى أن الشركات الإسبانية المذكورة، التي تنشط في قطاعات متنوعة كالمنسوجات والأحذية والأغذية والمشروبات، لجأت إلى استراتيجيات متنوعة لإعادة التوطين في المغرب ،”فبينما قامت بعض الشركات بنقل عملياتها الإنتاجية بالكامل، اختارت أخرى إنشاء فروع تابعة لها أو الدخول في شراكات مع شركات مغربية”.

وأوضح أن الرغبة في توطين سلاسل التوريد، وزيادة مرونتها ضد الاضطرابات العالمية المستقبلية، والاستفادة من الإجراءات الجمركية المبسطة، تظل الدوافع الرئيسية للتحوّل الصناعي من إسبانيا إلى المغرب. وأضاف “من المتوقع أن توفّر الشركات الإسبانية ما يصل إلى 100 مليون يورو في الرسوم الجمركية بعد إلغاء المغرب الرسوم على 70 في المئة من واردات الزراعة والصيد”، لافتا إلى أن 10 في المئة من الشركات التي تقوم بإعادة التوطين تشتغل في قطاع الأغذية الزراعية على غرار “إيبرو فودز” و”بورجس”.

موردا أسباب التطور السريع لصناعة النسيج بالمغرب، أبرز التقرير “الحاجة الملحة المتصاعدة لبناء سلاسل إمداد قادرة على الصمود أمام الصدمات والمخاطر الجيوسياسية، وتوفير المغرب تكاليف تنافسية، خصوصًا في الصناعات كثيفة العمالة، كما عززت الإصلاحات التنظيمية الأخيرة جاذبية أسواق هذه الصناعة”، مشيرا إلى ارتفاع صادرات الملابس والأحذية المغربية من 3.5 ملايين دولار أمريكي عام 2014 إلى 4.0 ملايين دولار أمريكي في 2023، فيما قفزت صادرات القطاع إلى إسبانيا بمعدل نمو سنوي قدره 6.5 في المئة خلال العقد الأخير، إذ انتقلت “من 1.6 مليون دولار أمريكي سنة 2014 إلى 2.4 مليون دولار أمريكي سنة 2023، وهو ما يدعم الطرح القائل بأن المغرب أصبح ذا أهمية متزايدة بالنسبة لشركات الأزياء التي تبحث عن إعادة توطين سلاسل إمدادها”.

ولفت التقرير ذاته إلى لجوء دول شمال إفريقيا إلى إجراءات مختلفة للنهوض بصناعة النسيج، إذ “بينما تتفاوض تونس على اتفاقية تجارة حرة كاملة مع الاتحاد الأوروبي”، يعمل المغرب على حشد الدعم للشركات المحلية العاملة في القطاع، وهو ما تجلى في توقيع الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة، في دجنبر 2021، اتفاقية مع المركز الهولندي لترويج الواردات من البلدان النامية بهدف دعم 35 شركة نسيج في المغرب في إطار برنامج مدته خمس سنوات.

ومن بين الفاعلين الكبار في مجال الأزياء الذين اختاروا نقل عملياتهم الإنتاجية إلى المملكة شركة “إنديتكس” الإسبانية، التي توظف 95 ألف شخص مغربي بشكل غير مباشر، والتي أكدت أن “الانتقال إلى المغرب مكنها من الاستجابة للطلب والتكيف مع المعايير الاجتماعية والبيئية الجديدة بسرعة وكفاءة، فضلا عن مراعاته أهمية القرب في استراتيجية سلسلة الإمداد الخاصة بالشركة”، يضيف التقرير ذاته.

ووضعت “فيتش سولوشن” هجرة الشركات الإسبانية صوب المغرب في سياق عام يتسّم “بتعزيز إسبانيا موقعها كشريك تجاري رئيسي للمغرب، متجاوزة كلًا من فرنسا والصين من حيث الصادرات والواردات، إذ بلغت الصادرات الإسبانية عام 2021 إلى الدولة الواقعة في شمال أفريقيا 9.8 مليارات دولار أمريكي، مما يؤكد الروابط الاقتصادية المتنامية بين البلدين”، مبرزة أن نقل العمليات الإنتاجية إلى المغرب لم يعد حكرا على الشركات الإسبانية لأن “شركات أوروبية أخرى بدأت تدرك أيضًا فوائد الانتقال إلى شمال إفريقيا؛ فقد قامت كل من شركة “رينو” الفرنسية المصنعة للسيارات وشركة “ستيلانتس” الهولندية بإنشاء مصانع لها في البلاد، مما يعزز مكانة المغرب كوجهة جذابة للاستثمار الصناعي الأوروبي”.

وبخصوص أهم ما جعل المغرب في بؤرة اهتمام عمالقة أوروبا في مجال الأزياء، أشار التقرير إلى “الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب، الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وتسارع وتيرة تطوير البنية التحتية اللوجستية لدعم التصدير خلال العقد الماضي”، إضافة إلى “تمتع المغرب بتصنيفات مرتفعة نسبيًا في مجال المخاطر اللوجستية، وتوفيره بيئة تنظيمية هي الأكثر أمانًا في شمال إفريقيا بالنسبة للمستثمرين”.

وعددّ التقرير نفسه العوائد الاقتصادية المرتقبة لانتقال الشركات الإسبانية والأوروبية إلى شمال إفريقيا وإلى المملكة تحديدا، بالنسبة لإسبانيا والمغرب، مؤكدا أن تزايد وتيرة التوطين سيؤدي إلى تحسين دخل الأسر ورفع الطلب على الأزياء وتحسين تنافسية المنتوج المحلي، فيما ستستفيد العلامات التجارية العالمية في مجال الملابس والأحذية من تقلص تكاليف الإنتاج والتوزيع، ومن الزخم الذي تعرفه السياحة بالمغرب، مع توقع نمو سنوي لعدد السياح الأوروبيين الذين يزورون المملكة قدره 6.1 في المئة ليصل إلى 19,6 مليون سائح عام 2023، وفقا لـ”فيتش سولوشن”.

Exit mobile version