أثار قرار مجلس النواب الليبي في بنغازي سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس واعتبار حكومة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية في البلاد، إضافة إلى سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي وإلحاقها برئاسة مجلس النواب، جدلا كبيرا داخل الساحة الليبية وسط اتهامات لمجلس عقيلة صالح بنقض الاتفاقيات السياسية الموقعة بين الفرقاء الليبيين؛ على غرار اتفاق الصخيرات، الذي يُلزم مجلس النواب باستشارة المجلس الأعلى للدولة في اتخاذ القرارات وإصدار المراسيم.
وفي وقت دافع فيه أعضاء مجلس النواب عن هذه القرارات، اعتبر إبراهيم أبوشعالة، عضو المجلس الأعلى للدولة، في تصريحات صحافية، أن “مجلسي النواب والدولة شريكان حسب نص اتفاق الصخيرات، ولا يجوز لأي جسم سحب الصلاحيات من الآخر”، مسجلا أن “خطوات بدء قبول مرشحين لتشكيل حكومة جديدة دون التشاور مع مجلس الدولة أمر غير مدروس، وقد بينت التجارب أن هذه الخطوات الفردية لن تنجح”.
من جهتهما، عبر كل من محمد تكالة وخالد المشري، اللذين يتنازعان حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة، عن رفضهما لخطوات المجلس الذي يترأسه عقيلة صالح، التي تتزامن مع تحركات عسكرية لقوات شرق ليبيا تحت قيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، في اتجاه غرب البلاد، وسط مخاوف من تصاعد الخلافات وعودة سيناريو الحرب السابقة التي نشبت إبان محاولات السيطرة على طرابلس في العام 2019.
في هذا الإطار، قال عادل عبد الكافي، عقيد ومستشار عسكري ليبي سابق، ضمن تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، إن “مجلس النواب لا يمتلك صلاحيات إنهاء مهام حكومة عبد الحميد الدبيبة، ولا سحب قيادة الجيش من المجلس الرئاسي؛ لأن هذين الجسمين أتيا بموجب اتفاقية جنيف التي تم برعاية أممية.. وبالتالي، فإن الأمم المتحدة وحدها من تمتلك هذه الصلاحيات”.
وأضاف عبد الكافي أن “مجلس النواب في بنغازي ما زال يضع العراقيل أمام تجاوز حالة الانقسام السياسي في البلاد ويصدر قرارات مخالفة لجميع الاتفاقات السياسية حتى تلك التي تجمعه بالمجلس الأعلى للدولة، خاصة اتفاق الصخيرات الذي يلزمه باستشارة هذا الأخير في اتخاذ القرارات والمراسيم؛ وهو ما لم يحترمه مجلس عقيلة صالح، الذي سبق أن أصدر موازنة عامة دون استشارة أو توافق مع مجلس الدولة”.
وأشار المستشار العسكري الليبي السابق إلى أن “كل هذه القرارات العبثية الأخيرة تعزز الانقسام، وتعيق عملية الذهاب إلى الانتخابات. كما تعيق عملية توحيد الجيش الليبي في ظل استمرار تحركات قوات خليفة حفتر في اتجاه المناطق الغربية، خاصة حوض غدامس وتحالفه مع الفيلق الروسي الإفريقي من أجل توسيع سيطرته على الأراضي الليبية وتقوية موقعه التفاوضي”.
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال مصطفى رحاب، باحث في الشأن السياسي الليبي، إن “عقيلة صالح لا يملك سلطة إلغاء مهام المجلس الرئاسي، لا وفقا للإعلان الدستوري ولا وفقا لما اتفق عليه في الصخيرات ولا في جنيف أو تونس”، معتبرا أن “ما قام به غير قانوني، وإنما هو مجرد محاولة لقطع الطريق أمام أي اتفاق يؤدي إلى انتخابات تنهي وجوده من المشهد السياسي”.
وسجل الباحث في الشأن السياسي الليبي أن “صالح إنما ينفذ أوامر تملى عليه ولا يملك سلطة رفضها”، مبينا أن “القرارات الأخيرة لا تسند على أي أساس قانوني، خاصة أن الإعلان الدستوري لسنة 2011 جرى تعديله بما يتماشى والاتفاقات التي توصل إليها الليبيون في اتفاق الصخيرات والاتفاقات اللاحقة والتي كان من نتيجتها وجود المجلس الرئاسي الحالي بكامل صلاحياته؛ بما فيها قيادة الجيش”.
وانتقد المصرح لجريدة جريدة النهار “اتخاذ هكذا خطوات دون النظر إلى ما قد يترتب عليها من نتائج في الوقت الذي يتطلع فيه الشعب الليبي إلى إنهاء الصراع بين الأجسام السياسية المتشبثة بالسلطة بالرغم من تجاوزت مدد شرعيتها من أمد بعيد”، مبرزا أنه “حتى لو افترضنا أنه يملك سلطة إلغاء المجلس الرئاسي والحكومة فإنه لا يستطيع فعل ذلك منفردا؛ بل يجب أن يتم بالتوافق مع مجلس الدولة.. وعموما، فهو حق أريد به باطل”.