مازالت تداعيات النتائج الأولمبية الفاشلة لمعظم الأصناف الرياضية تُرخي بمزيد من الظلال على النقاش العمومي بالمغرب وتفاعلاته، خاصة أن معظم التشكيلات الحزبية المكونة للغرفة البرلمانية الأولى سارعت إلى استدعاء وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بعد النتائج الهزيلة لمعظم الرياضيين المغاربة الذي عادوا بحصيلة هزيلة جدا من باريس، في وقتٍ نادى “حُماة المال العام” بتفعيل أداة الافتحاص وتدقيق مالية الجامعات ودَعمها العمومي.
وفي طلب مشترك، تتوفر جريدة جريدة النهار على نسخته، بادرت أحزاب الأغلبية البرلمانية، بدورها، إلى مراسلة رئيس اللجنة النيابية المختصة، مطالبة بحضور الوزير الوصي على قطاع الرياضة.
وينضاف ذلك إلى طلبات مماثلة أرسلتها، بشكل فردي، فرق ومجموعة المعارضة النيابية، كتابيًا، لعقد اجتماع “مستعجل” للجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، ورئيس اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية، مُتمسكة بأهمية استدعاء رؤساء الجامعات الرياضية المشاركة في أولمبياد باريس إلى مقر البرلمان.
وأورد طلب الأغلبية، الممهور من فريق التجمع الوطني للأحرار، وفريق الأصالة والمعاصرة، والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية (أحزاب الائتلاف الحكومي الحالي)، إضافة إلى الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي: “طبقاً لأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي لمجلسنا الموقر يشرفنا أن نطلب منكم عقد اجتماع للجنة بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قصد تدارس حصيلة المشاركة المغربية في أولمبياد باريس 2024، في إطار العلاقة التي تربط الوزارة بالجامعات الرياضية المشاركة في هذه الدورة، ومعرفة أوجه صرف الدعم المالي العمومي الموجّه لها وكيفية تدبيره في ظل الحصيلة الضعيفة والباهتة التي بصمت عليها الجامعات الرياضية المشاركة”.
وتابع الطلب، المُودَعُ أمس الثلاثاء 13 غشت الجاري، بأن حصيلة أولمبياد 2024 “كانت دون المستوى المنتظَر والمأمول، الأمر الذي يتطلب تقييم هذه العلاقة من مختلف جوانبها، والوقوف عند مكامن الخلل وأوجه التقصير التي رافقت المشاركة المغربية في هذه الدورة، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وبحسب مصدر مسؤول من أحزاب الأغلبية البرلمانية تحدث إلى جريدة النهار فإن “طلب عقد اجتماع اللجنة المعنية جاء بتوافق وتنسيق بين الفرق النيابية الأربعة المذكورة”، مشددا على أن “المساءلة البرلمانية الرقابية هنا تكون للقطاع الحكومي الوصي على تدبير الرياضة، في علاقته بصرف الدعم للجامعات الرياضية المشاركة، وليست لرؤساء أو مسؤولي الجامعات، بحكم أنها في حكم القانون جمعيات رياضية تخضع للظهير المُنظم للجمعيات ومعتبرة في حُكمه”.
“افتحاص مالي شامل”
تداعيات الإخفاق الأولمبي الباريسي، الذي راكمتْه جامعاتٌ عادت بـ”صفر ميدالية”، وأخرى فشلت في التأهل للمشاركة في الأدوار النهائية، تجاوزت أسوار المؤسسة التشريعية بدورها الرقابي الدستوري القوي، لتصل إلى مطالِبَ مدنية صريحة بتفعيل “الافتحاص المالي”، بل بلغت حد المطالبة بـ”فتح أبحاث قضائية معمقة عن أوجه صرف وتدبير أموال الدعم العمومي للجامعات الرياضية”.
في هذا الصدد أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن “رؤساء الجامعات الرياضية يتحمّلون مسؤولية الإخفاق المتكرر لرياضاتنا؛ وهذا تحصيل حاصل لا يختلف عليه اثنان”، منبها إلى أنه “وُضعت أموال كثيرة تحت تصرفهم دون أن يكون لها أثر على النتائج”.
وتابع الغلوسي، ضمن “تدوينة” مطولة نشرها في حسابه الرسمي على موقع “فيسبوك”: “مِن غير المقبول اليوم أن تقتصر معركة مكافحة الفساد على المنتخبين وحدهم، بل يجب أن تشمل كل المسؤولين العموميين دون استثناء، بما يشمل المجال الرياضي”، مردفا: “لا نريد أن تَقتصر المحاسبة فقط على أسئلة روتينية مكرورة في جلسات البرلمان دون معنى”.
“نريد أن يُجرى افتحاص شامل لأموال هذه الجامعات وتحديد مجال صرفها بدقة، والمستندات المؤيّدة لذلك. لا نريد فقط أن يتنحى مسؤولو هذه الجامعات الذين خَلَدوا في مناصبهم ويتقاضون أجورا وتعويضات والاستفادة من امتيازات لا حصر لها دون نتيجة تذكر”، تورد “التدوينة” ذاتها.
أبعد من ذلك ذهب “حُماة المال العام” بالمغرب إلى إرادتهم أن تتمّ “محاسبة مسؤولي جامعات الرياضة وأن يفتح بحث قضائي واسع ومعمق لتحديد ملابسات وظروف حصول كل هذه الإخفاقات التي أصبحت قدرا محتوما”، داعين رئاسة النيابة العامة إلى أن تتفاعل مع مطالب المجتمع الهادفة إلى محاسبة مسؤولي هذه الجامعات.
وبحسب الغلوسي فإن “تُفاعل النيابة العامة مع هذه المطالب يقتضي إسناد البحث القضائي إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لإجراء كل التحريات والأبحاث الضرورية حول مجال صرف الأموال المخصصة للجامعات الرياضية الوطنية، مع إجراء بحث اجتماعي خاص بمسؤولي هذه الجامعات لتحديد مسارهم الاجتماعي وما يتوفرون عليه من أموال وممتلكات وكيف تأتّى لهم تكوينها والحجز عليها إنْ اقتضت الضرورة ذلك، وفتح مسطرة الاشتباه في غسل الأموال في مواجهتهم”، مؤكدا وفق تعبيره أن ذلك “طريقُ تحقيق العدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة”.