سجلت أسعار قطع غيار وأجزاء السيارات ارتفاعا قياسيا، لم يميز بين المستعملة والجديدة منها، إذ تطورت أثمان بيع القطع الخاصة بالطرازات الأكثر شعبية في المغرب بنسبة تراوحت بين 30 و50 في المائة لدى الموزعين، باختلاف درجاتهم، فيما قفزت هذه الأثمان إلى مستويات أعلى بالنسبة إلى القطع الخاصة بالسيارات الآسيوية، التي تعرف شبه احتكار من قبل موزعين بعينهم، خصوصا في الدار البيضاء، حيث تتمركز مقرات كبريات الشركات الموزعة للسيارات قي المملكة.
وأنعشت هذه الزيادة في الأسعار سوق قطع الغيار المقلدة، التي عادت إلى النشاط بشكل مكثف أخيرا، بعدما سجلت تراجعا ملحوظا خلال السنتين اللتين استبقتا 2020، تاريخ تفشي جائحة كورونا، التي أثرت سلبا على سلاسل الإنتاج الخاص بالسيارات وأجزائها وقطع غيارها على مستوى العالم، وفي المغرب أيضا، ما أدى إلى انخفاض في العرض وارتفاع في أسعار المنتجات الموزعة؛ فيما ساهمت هذه الوضعية أيضا في رفع الطلب على “قطع الغيار المكيفة” pièces détachées adaptable، وهي قطع غير أصلية، إلا أنها مصنعة وفق معايير جودة وقياس مصادق عليها.
وفي ظل التضييق على واردات قطع الغيار المستعملة من الخارج، المستوردة في شكل “متلاشيات”، من خلال رفع قيمة الرسوم الجمركية، فسح المجال أمام المنتجات المزورة لتكرس مكانتها في السوق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى واردات القطع الأصلية الجديدة، التي سجلت تكاليف جمركتها زيادة مهمة، في سياق حماية بيئة التصنيع المحلية، التي شهدت توسعا مهما خلال السنوات الأخيرة، إلا أن أغلب إنتاج هذه الوحدات موجه للمصانع الموزعة بين طنجة والقنيطرة، والتصدير، لتظل السوق المحلية فضاء خصبا لرواج القطع المزورة.
أسعار مغرية
تعد قطع الغيار المزورة المشكل الأكبر الذي يواجه سوق قطع غيار السيارات في المغرب، ذلك أنه رغم توسع سوق السيارات الجديدة إلا أن الاتجاه نحو “المنتجات المزورة” ظل هو السائد، بالنظر إلى أثمانها المنخفضة مقارنة مع قطع الغيار الأصلية، إذ يتعدى الفرق في السعر أحيانا النصف. ورغم ذلك، فإن قطع الغيار الأصلية لها بدورها زبائنها الأوفياء، الذين يعتبرون حملها علامة الصانع الأصلي الضمان الوحيد لجودتها، علما أن مستوردي القطع “المكيفة”، أي التي تستجيب للشروط المفروضة من قبل كبار المصنعين، يزودون السوق بحوالي نصف مبيعات قطع الغيار، فيما تتقاسم النسبة المتبقية شبكات التصنيع المحلية، بحوالي 20 في المائة من سوق قطع الغيار، بالإضافة إلى نقط البيع المتحركة، وأصحاب المرائب الخاصة بتسويق وبيع قطع الغيار.
وبهذا الخصوص أوضح مهدي مستعين، موزع قطع غيار سيارات بالدار البيضاء، في تصريح لجريدة النهار، أن تنامي رواج قطع العيار المزورة بأسعار مخفضة يتسبب في ضغط سلبي على موزعي المنتجات الأصلية من حيث حصتهم في السوق وسمعتهم، وهوامش أرباحهم، مؤكدا أهمية العمل على تفعيل إجراءات قانونية لحماية القطع الأصلية المباعة، وتتبع مسارها، مع تكثيف حملات توعية المستهلكين، وتحفيزهم على التعاون مع السلطات لمحاربة التزوير، الذي يشكل خطرا كبيرا على سلامتهم، خصوصا بالنسبة إلى القطع القابلة للاستبدال، مثل أقراص المكابح ومصابيح الإضاءة، والمساحات الأمامية والخلفية وغيرها.
وفي السياق ذاته اعتبر مراد آيت أو لحسن، موزع قطع غيار سيارات آسيوية بالدار البيضاء، أن الأسعار المنخفضة عامل حاسم في جذب الزبائن إلى قطع الغيار المزورة، موضحا أن السيارات الأمريكية والآسيوية قليلة الحضور في السوق المغربية مقارنة مع السيارات الأوروبية، إذ أصبحت المستقطب الأول لمروجي المنتجات المزورة، بحكم أن أسعار القطع الأصلية مرتفعة بشكل كبير، بعلاقة مع محدودية العرض في السوق وتباطؤ وتيرة الاستيراد، ومشددا في تصريح لجريدة النهار على ضرورة تكثيف المراقبة من قبل السلطات على منافذ دخول القطع المزورة إلى السوق الداخلية؛ كما أكد أن المعطيات الرائجة تشير إلى ارتباط ترويجها بشبكات متخصصة في التهريب.
“سلامتنا”
إذا كان العنصر البشري مسؤولا عن 80 في المائة من حوادث السير فإن 20 في المائة المتبقية مرتبطة بشكل كبير بقطع الغيار المزورة، التي تؤثر على متانة المركبات وأدائها، وبالتالي سلامة مستعمليها، إذ تشير الإحصائيات الرسمية المتوفرة إلى أنه ما بين 20 في المائة و30 من قطاع الغيار المستعملة في السيارات بالمغرب مزورة. وحسب بنية العرض في السوق فإنه إلى جانب قطع الغيار المصنعة محليا تشكل قطع الغيار المستوردة النسبة الأكبر من القطع المنتشرة في السوق المحلية، لتصل إلى 90 في المائة، فيما ترتفع هذه النسبة بالنسبة إلى قطع الغيار الخاصة بالسيارات الآسيوية.
وكشف وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، عن تهديد رواج قطع الغيار المقلدة سلامة السائقين ومستعملي الطرق بشكل عام، موردا أن الجامعة عملت مع الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا” منذ سنوات طويلة على ملف قطع الغيار المزورة، واستقرت على مشروع لإحداث شارة “سلامتنا”، التي تتيح تمييز القطع الأصلية في السوق وحماية المستهلكين من التزوير، قبل أن تتبنى هذا النظام وزارة الصناعة والتجارة، بصفتها الوصي على المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، الشريك في المشروع منذ البداية؛ مع إقحام المستوردين والموزعين والمصنعين المحليين، منبها إلى أن هذا المشروع تعثر في النهاية، ولم يكتب لهذه الشارة الخروج إلى الوجود حتى الآن.
وأضاف وديع، في تصريح لجريدة النهار، أن الهدف من المشروع هو حماية المستهلكين من التضليل في السوق، من خلال إيهامهم بمنتجات أصلية، في حين أنها مزورة، ولا تستجيب للمعايير المفروضة من قبل الصانع الحقيقي، مؤكدا في السياق ذاته أن غاية الجامعة وشركائها كان منح شارة “سلامتنا” للمقاولات المتدخلة في مسار توزيع قطع الغيار، منذ تسويقها وحتى استهلاكها النهائي. بحيث تطبق هذه الشارة على المصنعين والمستوردين والموردين والموزعين والباعة بالجملة والتقسيط المسوقين لأجزاء السيارات أو قطع الغيار الموجهة لأي نوع آخر من العربات، معتبرا أن هذه المنظومة كانت ستعزز تنظيم التوزيع بسوق قطع الغيار، ومحاربة التزييف بشكل أكثر فعالية، وتأمين سلامة المستهلك، من خلال تمكينه من تحديد المقاولات المسوِّقة لقطع الغيار الأصلية.