تزامنا مع الإجهاد المائي غير المسبوق الذي يعيشه المغرب بفعل توالي سنوات الجفاف، والذي يهدد بتخييم شبح العطش على مدن مغربية عديدة، تعالت مناشدات الناشطين البيئيين بوقف تصدير ملايين اللترات من الماء عبر فاكهة البطيخ الأحمر، التي طالما تمت الإشارة إلى زراعتها كـ”أبرز المتهمين” في إنهاك الفرشة المائية، سيّما في مناطق الجنوب الشرقي بالمملكة.
مناسبة هذه المناشدات هي البيانات الحديثة التي أفرج عنها موقع “هوروتو” الإسباني المتخصص في الأنباء الفلاحية بشأن تصدير المغرب 20,31 مليون كيلوغرام من “الدلاح” إلى الجارة الشمالية خلال الفترة ما بين 1 مارس و31 مايو من السنة الجارية، متصدرا بذلك قائمة موردي البطيخ الأحمر إلى إسبانيا بحصة 37,68 في المائة.
وأورد الموقع ذاته أن قيمة مبيعات المغرب من البطيخ الأحمر لإسبانيا، التي تستورد أساسا في محافظتي ألميريا وفالنسيا، بلغت خلال الموسم الحالي 17,5 مليون أورو بمتوسط 0.85 أورو للكيلوغرام الواحد. وفي الوقت الذي يدفع مزارعو ومصدرو البطيخ الأحمر بـ”استحالة البيع بهذا السعر للمستهلك المغربي والكميات المهمة من العملة الصعبة التي يدرها الدلاح على المغرب لتبرير التصدير”، يلح الناشطون البيئيون على “أولوية الأمن المائي”، معتبرين أن هذا “التبرير يخفي وراءه استهتارا بحدة الأزمة المائية التي يعيشها المغرب”، ومنبّهين إلى “استمرار التفاف مزارعين على قرارات السلطات الإقليمية بالحد من المساحات المزروعة من البطيخ الأحمر”.
استهتار بالظرفية
جمال أقشباب، ناشط حقوقي وبيئي، قال إن “هذه الأرقام تكشف الاستهتار المتواصل لمزارعي ومصدري البطيخ الأحمر بالأزمة المائية غير المسبوقة التي يشهدها المغرب بانتقاله من مرحلة الخصاص المائي إلى مرحلة العجز المائي، بفعل اتحاد الجفاف وعوامل متعددة أبرزها استنزاف القطاع الفلاحي لأكثر من 85 في المئة من الموارد السطحية والباطنية سنويا بالنظر إلى تنامي الزراعات التصديرية عميقة الضرر على الفرشة المائية وفي مقدمتها الدلاح”، مؤكدا أن “هذه الأزمة تجعل ضمان الأمن المائي أولى للبلاد من العملة الصعبة التي يدفع المصدرون بأنها ثمرة من ثمار التصدير”.
وأضاف أقشباب، في تصريح لجريدة النهار، أن “تصدير ملايين اللترات من المياه المغربية عبر البطيخ الأحمر يكشف عن إخلال مزارعي ومصدري هذه الفاكهة بواجبهم الوطني في الحفاظ على الأمن المائي للمغاربة، خاصة أن ساكنة المناطق التي تتم فيها زراعة الدلاح تعاني تحديات عميقة في تأمين الماء الصالح للشرب”، مشيرا إلى أن “المستفيد الأكبر من المياه المستنزفة بفعل الدلاح هو المستهلك الأجنبي، إذ وصل ثمن بيع الكيلوغرام الواحد من هذه الفاكهة للمواطن المغربي إلى 7 دراهم”.
وتابع قائلا: “القرارات العاملية، التي اتخذت من أجل الحد من المساحات المزروعة من البطيخ الأحمر، لم تعط أكلها حتى الآن، إذ لا يزال العديد من المزارعون في منطقة زاكورة، على سبيل المثال، يلجؤون إلى أساليب احتيالية للالتفاف على قرار عامل الإقليم القاضي بتحديد المساحة المسموح بزراعتها لكل فلاح من البطيخ الأحمر في هكتار كحد أقصى، لافتا إلى أن “مطلب الناشطين البيئيين هو الحد من هذه الزراعة نهائيا لأن إنتاج هذا الهكتار الواحد فقط سيكلف في المتوسط ثمانية آلاف لتر من الماء”.
وأشار الناشط الحقوقي والبيئي عينه إلى أنه “رغم امتلاك العديد من الدول في شمال أوروبا فائضا من المخزون المائي، فإنها تمتنع عن زراعة البطيخ الأحمر لأنها تستشرف الخطورة البالغة لهذه الفاكهة على أمنها المائي”، مضيفا “كان أحرى بالمغرب، الذي يعيش أزمة مائية حرجة، اتخاذ مثل هذا التوجه في كل أقاليم البلاد بدءا بالموسم القادم، وتشجيع الفلاحين بمناطق زراعة الدلاح على الاتجاه نحو زراعات بديلة غير خطرة على الأمن المائي وكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي كزراعة الحبوب والقطاني”.
أسعار وتصور
رفض إبراهيم الزين، مزارع بإقليم زاكورة، الدعوة إلى وقف تصدير البطيخ الأحمر قائلا: “لا يمكننا الاستغناء بتاتا عن تصدير هذه الفاكهة إلى الأسواق الأوروبية لأن السعر الذي يباع به الكيلوغرام الواحد الموجه إلى هذه الأسواق يظل محفزا، إذ وصل هذه السنة إلى 7 دراهم، مقابل درهم إلى درهمين يباع به الكيلوغرام الواحد في السوق المغربية “، لافتا إلى أن “تصدير البطيخ الأحمر الذي تنتجه المنطقة بلغ ذروته هذه السنة خلال الأسابيع الأولى من أبريل، فيما انخفضت وتيرة هذا التصدير تدريجيا في الأسابيع المتبقية من الموسم بسبب الفيروسات المكتشفة في الدلاح المغربي، مما أدى إلى خسارة باهظة للفلاحين”.
وأضاف الزين، في تصريح لجريدة النهار، أن “الذين يرفضون تصدير البطيخ الأحمر ينطلقون في الغالب من تصور خاطئ يعتبر أن زراعته أكثر استنزافا للفرشة المائية من غيرها من الزراعات الأخرى، في حين يؤكد مهندسون زراعيون وفلاحون ذوو خبرة أن زراعة خمسة هكتارات من البطيخ الأحمر، على سبيل المثال، قد تستهلك من المياه أقل بكثير مما قد تستهلكه زراعة هكتار واحد من الجزر”، لافتا إلى أن “حقول البرسيم التي تسقى طول السنة أكثر استهلاكا من ضيعات البطيخ الأحمر”.
وتابع قائلا: “اللجان المكلفة بالتتبع والرصد الميداني لتطبيق قرار عامل إقليم زاكورة تحديد هكتار كحد أقصى لزراعة البطيخ بنوعيه الأحمر والأصفر بالنسبة لكل مزارع ومنع هذه الزراعة ببعض المناطق، سجلت في ثلاث زيارات تفقدية لضيعات المنطقة منذ بداية الموسم وجود التزام واسع من قبل المزارعين بالامتثال لمقتضيات هذا القرار”.
ولم ينف المزارع ذاته ما أورده أقشباب بخصوص استغلال بعض الفلاحين استحالة مراقبة كافة الضيعات من قبل اللجان المحلية بحكم شساعة المساحات المزروعة للتحايل على القرار العاملي، مشيرا إلى أنهم “يلجؤون إلى زراعة هكتار في كل منطقة، أي في نقط متفرقة، أو الزراعة في أراض مملوكة لأحد الأقرباء أو فلاحين آخرين، وهذه الممارسة تفاقم أزمة الفرشة المائية بالمنطقة، وتكرس ربط أزمة المياه في زاكورة بزراعة البطيخ الأحمر حصريا”.