الرسائل الملكية تحرجُ مسيري الجامعات الرياضية وسط مطالب بمحاسبة شاملة

ما زالت “النتائج السلبية والكارثية”، التي جناها التمثيل المغربي في أولمبياد باريس 2024، تستأثر بنقاش قوي داخل المجتمع المغربي الذي سخر كل ما هو رقمي ليطالب برحيل جميع مسيري الجامعات الوطنية؛ بمن فيهم عبد السلام أحيزون، رئيس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، على الرغم من أن سفيان البقالي حاز ذهبية 3 آلاف متر موانع، باستثناء فوزي القجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تحصينا لما يعتبره كثيرون “نهضة كروية وطنية”.

وما بدا لافتا أن أصواتا عديدة أشهرت الإشارات الملكية التي جاءت في الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة المنعقدة بالصخيرات سنة 2008، من أجل “إحراج” هؤلاء المسيرين أمام المؤسسة الملكية باعتبار أن مرور كل هذه السنوات على التوصيات مازالت الحصيلة “متدنية”، حسب متتبعين؛ مما جعل المطلب القديم المتصل بمجلس أعلى للرياضة يعود إلى النقاش.

“الرسائل الملكية”

في الرسالة الموجهة إلى المناظرة سالفة الذكر، كان الملك محمد السادس أشار إلى أن انعقاد الملتقى أتى “في ظرفية مطبوعة بانشغال الرأي العام الوطني بما يعترض الرياضات الوطنية، عامة، من تقلبات. تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال؛ وهو ما لا نرضاه لبلدنا، ولا يقبله كل ذي غيرة وطنية. ولا يمكن أن تحجبه، بأي حال من الأحوال، بطولة أو تألق بعض المواهب الفردية”.

ولفت العاهل المغربي إلى أنه “من التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق، أو لأغراض شخصية، إلا من رحم ربي من المسيرين الذين يشهد لهم تاريخ الرياضة ببلادنا بتضحيتهم بالغالي والنفيس من أجلها، جاعلين الفرق والأندية التي يشرفون عليها بمثابة أسرتهم الكبيرة ولاعبيها في منزلة أبنائهم”.

وأكد الملك أن “أسلوب تنظيم الممارسة الرياضية في بلدنا يعتمد على تدخل العديد من الفاعلين مع غياب التنسيق فيما بينهم، فضلا عن أن أغلبهم يمارسون نشاطهم ضمن إطار جمعوي يقوم أساسا على مبدإ العمل التطوعي والهواية، والأدهى والأمر هو أن تحديد المسؤوليات غالبا ما لا يتم بشكل واضح؛ في حين لا تتوفر عناصر الشفافية والنجاعة والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية، ناهيك عن حالة الجمود التي تتسم بها بعض التنظيمات الرياضية وضعف أو انعدام نسبة التجديد الذي تخضع له هيئاتها التسييرية”.

ودعا الملك محمد السادس إلى “وضع نظام عصري وفعال لتنظيم القطاع الرياضي يقوم على إعادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني وتأهيل التنظيمات الرياضية للاحترافية ودمقرطة الهيئات المكلفة بالتسيير”، مشددا على أن “الوضع يتطلب، قبل كل شيء، اتخاذ التدابير المؤسساتية والقانونية الملائمة لمواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة العالمية، ولاسيما متطلبات تطوير الاحترافية”.

“الخلاص الاستراتيجي”

محمد التويجر، إعلامي وباحث في الشأن الرياضي، قال إن “الترتيب الذي حصدناه في أولمبياد باريس 2024 يجعل خلاصنا الوحيد في إحداث المجلس الأعلى للرياضة”، مضيفا أن “هذا المجلس مستقل عن كل ما هو سياسي، ومن شأنه أن يضع استراتيجية وطنية تهم القطاع الرياضي بشكل عام، ويرسم الخطوط العريضة للسياسة العامة الواجب اتباعها، من خلال تولي التنسيق بين مختلف الجامعات التي ستكون خاضعة لوصايتها، في ظل استمرارية اللجنة الأولمبية الوطنية”.

وأضاف التويجر، في تصريح لجريدة جريدة النهار، أن “المجلس الأعلى لا يعوض هذه اللجنة؛ ولكن يعوض منصب الوزير. وهذا هو الحل لتجنب الخيبات في تظاهرات أولمبية مستقبلية”، معتبرا أن هذا التوجه يمثل رغبة لدى جميع المهتمين في المغرب بالشأن الرياضي، كما أنه حلم حقيقي.. الجميع ينتظر أن يتم تطبيقه بعيدا عن المنطق الحزبي، وأن يكون له ارتباط مباشر بالملك، ويكون على شاكلة مجالس عليا موجودة”.

وأوضح المتحدث سالف الذكر، الذي يتقاطع طولا مع إحداث مؤسسة عليا مستقلة وصية على الرياضة، أن “هذه المؤسسة ستشتغل وفق عقدة أهداف مع الجامعات بخصوص السقف الممكن تحقيقه من طرف كل جامعة، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة انطلاقا من الحصيلة بشكل حاسم وحازم؛ لأن ما تحقق في باريس ليس إنجازا كبيرا”، مشيرا إلى أن “هذه الهيئة ستكرس الحكامة والخبرة، بما أن العديد من المهتمين سبق أن أكدوا أن الدعم المادي الذي منحه الملك للجنة الوطنية الأولمبية المغربية كان صعبا التعامل معه بحكم الخبرة تحديدا”.

وأكد الباحث في الشأن الرياضي أنه قبل المرور إلى عملية الإحداث المؤسساتية، فنحن اليوم “نحتاج إلى مناظرة وطنية تهم القطاع الرياضي بما أن هناك تراكما وهناك تركة تستدعي النقاش”، معتبرا “أننا تجاوزنا الآن أزيد من عقد على آخر مناظرة حدثت بالصخيرات سنة 2008، والرسالة الملكية حينها كانت واضحة حين رفعت السقف ورسمت المعالم التي يتعين أن تسير وفقها الرياضة الوطنية بشكل عام؛ لكن مسؤولين قضوا عقودا في مناصبهم بلا حصيلة حقيقية”.

“سياسات عمومية”

عزيز بلبودالي، إعلامي وكاتب في الشأن الرياضي، قال إن “مطلب المجلس الأعلى للرياضة لا يمكن أن يختلف معه أي أحد، بعد هذا التيه الذي يعيشه القطاع الذي يتم التعامل معه كلقيط وكل مرة يتم إلحاقه بقطاع وزاري معين”، معتبرا أن “الوزير شكيب بنموسى وجد صعوبة كبيرة في تدبير ملف التعليم، فكيف سيستطيع أن يهتم بقطاعين مهمين معا: التربية الوطنية والرياضة؟”، مشددا على “الحاجة إلى الفصل بينهما بالتراضي بشكل مستعجل”.

وأوضح بلبودالي، في تصريح لجريدة النهار، أنه “قبل المرور إلى عملية إحداث المجلس الأعلى للرياضة ونعيد إحياء هذه التجربة لا بد أن تفكر الحكومة في وضع سياسة عمومية تهم القطاع الرياضي والقيام بعملية تحديث شاملة للمجالس التي تسير هذه الجامعات لنضمن الحكامة التي تحدث عنها الملك في رسالته الموجهة إلى المشاركين في مناظرة الصخيرات.. فنحن نحتاج أن نجيب عن أسئلة ماذا نريد من الرياضة؟ فهي لم تعد مجالا للترفيه فقط، بل صارت قطاعا حيويا واستراتيجيا تراهن عليه الدول”.

ودعا المتحدث إلى “إجراء عملية محاسبة شاملة على هامش النتائج الكارثية لأولمبياد باريس، ووضع السياسة المذكورة ثم بعد ذلك إحداث هيئة عليا للرياضة”، منبها إلى “ضرورة عدم الإحداث من أجل الإحداث وتأثيث المشهد المؤسساتي ببلدنا، بلا فعالية، مثلما يحدث مع مؤسسات كثيرة؛ بل يجب أن نراهن أولا على أن تضمن هذه المؤسسة تحقيق التنمية الشاملة انطلاقا من مدخل الرياضة. ومن ثم، سنضمن مؤسسة عليا قوية لا علاقة لها بوصاية أي توقيع سياسي في جبة حقيبة وزارية”.

Exit mobile version