بمجموع 60 رياضيا ورياضية شاركوا في أولمبياد باريس، وتنافسوا في 19 رياضة بين جماعية وفردية، اكتفت الأعناق المغربية بالتزيُّن بميداليتين “يتيمَتيْن” فقط، حيث تُوج البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي بذهبية 3 آلاف متر موانع، في حين عادت البرونزية إلى “أشبال الأطلس” بقيادة الناخب الوطني السكتيوي.
“باستثناء ذهبية البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي، التي كانت متوقعة بالنظر إلى قيمته، وبرونزية منتخب كرة القدم، الذي يرى الخبراء أنه كان مرشحاً لتحقيق الذهب، فالحصيلة العامة (لمشاركة المغرب في أولمبياد باريس 2024) تُعتبر سلبية وكارثية”، بهذه العبارات علقت البطلة الأولمبية السابقة نزهة بدوان، رئيسة الجامعة الملكية المغربية للرياضة للجميع، تزامنا مع حفل اختتام هذا المحفل الرياضي الكوني، مساء الأحد، فيما ساد شعور “شبه عام” بين المغاربة بـ”تواضع الحصيلة الأولمبية”.
حصيلة الرياضة المغربية، خلال مشاركتها في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024، أشعلت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي كما في أوساط خبراء ومتابعين رياضيين تحدثوا إلى جريدة النهار. فيما جاء تصريح بدوان للزملاء في “النهارت” رداً على تصريحات إعلامية اعتبر خلالها حسن فكاك، المدير التقني للجنة الأولمبية، الحصيلة المغربية في الأولمبياد “إيجابية”.
ولم تُخف بدوان استغرابها من “بعض الأشخاص الذين يُريدون إقناع المغاربة بأن هذه الحصيلة إيجابية. المغاربة ليسوا بلداء، والجميع يعرف الرياضة، ويعرف كيف يُعطي تقييما للحصيلة العامة”.
وبعدما استفاق المغاربة من نشوة “فرحة عارمة” بأداء بطولي لـ”أشبال الأطلس”، أثار جدول ميداليات المنتخبات العربية، خصوصا في “أولمبياد باريس 2024″، سؤال الحصيلة المتواضعة جداً للميداليات المغربية عن مدى تحقق أهداف اشتغالات عدد من الجامعات في عدد من الأصناف الرياضية لتحقيق الألقاب وصناعة الأبطال.
“تحصيل حاصل”
من وجهة نظر تقنية- فنية محضة، أكد إدريس عبيس، إطار وطني وخريج معهد تكوين أطر الشبيبة والرياضة، أن “الحصيلة تبقى عادية لأننا عِشْنا تخبّطا في مختلف أصناف الرياضات الأولمبية طيلة السنة الأخيرة. وهذا ليس سوى تحصيل حاصل”.
وتابع عبيس مُفكّكاً تمفصلات الموضوع أن “الإيجابي هو أن تجربة أولمبياد باريس توفر لنا أرقاما ومؤشرات ملموسة لقياس مدى تطور الرياضة المغربية منذ الرسالة الملكية المؤطِّرة عام 2008، وهو ما يُسهم في خلق جو تنافسي أكبر، ووضع المشهد تحت الخبرة التقنية والعلمية اللازمة”، قبل أن يؤكد على “لُزوم العودة إلى الجامعات الرياضية المختصة التي تربطها تعاقدات معيّنة بأهداف محددة مع اللجنة الأولمبية الوطنية”.
وأضاف الخبير الرياضي، في تصريح لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أن “اللجنة الأولمبية ستعمد إلى تقييم النتائج تحت وصاية القطاع الحكومي المعني بالرباط وفقاً لمضامين اتفاقيات إطار تجمع اللجنة بالجامعات الملكية في كل صنف رياضي”، مثيرا الانتباه إلى أن “الجانب السلبي تمثل أيضا في عدم تأهل بعض الرياضيين للمشاركة في باريس خلال النهائيات”، وسجل غياب المغرب عن تخصصات أخرى في ألعاب القوى (رمي الجلة والقرص وأصناف رياضية جديدة…).
هيكلة القطاع
“البرنامج الأولمبي في المغرب ليس وليد اليوم، بل يمتد على أربع سنوات ويخضع لمباريات إقصائية تتطلب استعدادات مكثفة ومبكرة”، يورد عبيس، متسائلا عن ضرورة وضع الفترة بين أولمبياديْ طوكيو وباريس تحت مجهر التقييم الدقيق، “خاصة أنه برنامج تسهر عليه اللجنة ليخضع لتقييم ومتابعة كل سنة”.
كما أبرز أن “الحديث عن توفير الظروف لرياضيي المغرب يجب أن يخضع لتصور علمي واضح بما يثير مطلب إنشاء مختبر علمي أولمبي يسهر على تأهيل كوادر رياضية وتقنية مختصة في كل صنف للتنافس، كما يحفز رغبة الرياضي في نيل الألقاب”.
وشدد الإطار الرياضي الوطني على ضرورة “تحيين الجانب التشريعي”، و”تخصيص الرياضة بقطاع مستقل في الهيكلة الحكومية لوضعها كأولوية، وعدم تهميشها ضمن الهندسات الحكومية الأخيرة”، لافتا إلى أن “صناعة الأبطال لها المادة الخام التي هي المواهب”.
وختم عبيس موصيا بأهمية “توفر صانعي ومُقيّمي السياسات الرياضية على آليات مواكبة وتوقع واستشراف مستقبل الرياضات الأولمبية التي تتطور نحو أصناف جديدة تستدمج التقليدي فيما هو تكنولوجي”.
“إعداد البطل الأولمبي”
من جهته، سجل عادل العلوي، وهو صحافي رياضي غطّى الألعاب الأولمبية للمرة الثالثة، أنّ “الغلة كانت متواضعة والحصيلة غير منتظرة بالنظر إلى المشاركة النوعية للرياضيين الـ60 في 19 نوعاً”، مضيفا “كنا نمني النفس بأن تكون الحصيلة أكبر، لكن ما تأتى يمكن القول إنه جاء بمجهود فردي”.
وتابع الإعلامي الرياضي، في تواصل مع جريدة جريدة النهار، متحدثا من باريس عشية اختتام الألعاب، “بغض النظر عن كرة القدم، التي هي منظومة متوازنة وشغّالة بالشكل اللازم، فإن قياس مدى تطور الرياضة لدينا لا يمكن أن يكون بإنجازات فردية لبعض الأبطال، وإنما يجب التساؤل لماذا لا نستمر في حصد النتائج الإيجابية أو لماذا لم نَحصدها؟”.
وفي تقدير العلوي، فإن “داء العطب الأساسي هو المنظومة التقنية التي لا تشتغل بشكل لازم بمُدراء تقنيين ليسوا في مستوى الأبطال، ولا في المستوى الدولي الذي يؤهّلهم ليكونوا مشرفين على التأطير التقني للأبطال”، وتأسف لكون “كثيرً من الأبطال راحُوا ضحية الكوتشينغ غير اللائق لبعض المدراء التقنيين”.
“ربما ألعاب باريس أبانت بأننا لسْنا أمة رياضية، بل شغوفين بالرياضة”، يقول الصحافي الرياضي المتابع، قبل أن يضيف “ما يتعين فعله الآن هو، أولا، صياغة مشروع إعداد البطل الأولمبي، وإعادة صياغة سياسة الرياضة المدرسية والجامعية، وجعلها في ارتباط ضمن مشروع وطني رياضي متكامل”.
“هذا مطلب أساسي ومستعجَل بإمكاننا أجرأته لنضَع إطارا ونَمْذجة خاصة بإعداد البطل الأولمبي”، يختم المتحدث.