علّق اقتصاديون على نقطة تدبير النفقات التي كانت ضمن المذكرة التوجيهية التي بعث بها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إلى الوزراء حول إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، حاثا إياهم جميعا على ضرورة التقيد بإعداد مقترحات حسب الأولويات المحددة، مع الالتزام بضبط النفقات، وفقا لتوجيهات عديدة؛ منها العمل على الاستعمال الأمثل للموارد البشرية المتاحة، خاصة من خلال التكوين والتوزيع المتوازن على المستويين المركزي والجهوي.
وفيما يرتبط بنفقات التسيير، دعا أخنوش إلى وجوب الحرص على التدبير الأمثل لهذه النفقات؛ من خلال ترشيد استعمال المياه وتقليص نفقات استهلاك الكهرباء، عبر الحرص على استعمال الطاقات المتجددة، إلى جانب عقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات.
وفي السياق ذاته، شدد رئيس السلطة التنفيذية على عدم مراكمة المتأخرات وإعطاء الأولوية لتصفيتها، خاصة تلك المتعلقة بالماء والكهرباء، والتقليص لأقصى حد من نفقات النقل والتنقل داخل المملكة وخارجها ونفقات الاستقبال والفندقة وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات وكذا نفقات الدراسات.
“تصور راهني”
عمر الكتاني، الخبير والمحلل الاقتصادي، عدّ الحديث عن ترشيد النفقات العمومية “تجسيدا راهنيا لما نحتاجه كسياسة عمومية في مجمل القطاعات التي كانت تتجاهل الظرفية وتتصرف بنوع من الأريحية وبنوع من التبذير”.
وأضاف الخبير والمحلل الاقتصادي، في تصريح لجريدة النهار، أن هذه الخطوة “إجراء ضروري لمحاربة الريع الذي كان ينتعش في بعض المناصب العمومية وبعض التعويضات غير المستحقة التي كانت تتم كمحاباة، فهذا التصور الجديد يفترض أن يقطع عليها الطريق”.
وشدد الكتاني على أن “هذه التوجيهات يجب أن تكون مدعمة بنَفَس استراتيجي لضبط التوازنات وتحقيق هوامش مهمة تسعف في تعزيز الميزانية العمومية؛ من خلال ضبط التعاطي مع ترشيد الاستثمار العمومي وترشيد النفقات، ومن ثم استهلاك مؤسسات الدولة؛ لنعرف أن هذا التدبير ينطلق من أسس تسعف في تقييمه وتقويمه، لكونه محوريا في تقليص عجز الميزانية وتحقيق نسبة نمو معتبرة”.
وأبرز المتحدث عينه أن “الدولة لا شك في أن لديها تصورا لهذا الموضوع؛ لكنه يتعين أن ينطلق من توصيات ومقترحات خارج النسق الرسمي”، لافتا إلى أن “قوة التنفيذ تمثل بدورها عنصرا محوريا في هذه الاستراتيجية؛ فالإرادة السياسية لوحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى تنفيذ وتتبع”، مؤكدا أن “الحكومة عليها، باعتبارها الجهة التي أصدرت المذكرة، أن ترصد عملية تفعيل التوجيهات ضمن جميع القطاعات الحكومية”.
وأشار الخبير والمحلل الاقتصادي سالف الذكر إلى أن “الدولة بخوضها هذه الخطوة تبرهن على أنها بدأت تشعر بأن الأمور أصبحت بالفعل جدية، وأنه لم يعد هناك بد من الخضوع لتوصيات كانت مرفوعة منذ وقت طويل تنبه إلى أن تكاليف سفريات بعض المسؤولين الحكوميين منهكة بالفعل للموازنة العامة”، لافتا إلى “عدم ملاءمة هذه السياسات المالية المعتمدة قطاعيا مع وضعية اقتصادية صعبة صارت رهانات تفعيل الدولة الاجتماعية مرفوعة على أعلى مستوى”.
“نفقات للاستغناء عنها”
المهدي لحلو، باحث في الاقتصاد وأستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، قال إن “الحديث عن عقلنة وترشيد النفقات هو خطاب متكرر؛ ولكنه كل سنة يتخذ زاوية ما ليراهن عليها”.
وأوضح لحلو، في تصريح لجريدة النهار، أن “هذه السنة كان الحديث عن الماء بالنظر إلى وضعية الندرة التي نعيشها على مستوى الموارد المائية على الصعيد الوطني والتي كانت لها تداعيات كثيرة على مستوى تدبير القطاع الاقتصادي الوطني وتسببت في متاعب مالية كثيرة بالنسبة للميزانية العامة”.
ونبه الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد إلى أن “التعهد بهذا الترشيد يطرح أسئلة كثيرة على مستوى التفعيل، خصوصا أنه سمعنا مرة أنه سيكون هناك تعاطٍ تقشفي من ناحية استخدام السيارات العمومية؛ وهو ما لم يتم، بحكم أننا مازلنا نرصد هذه السيارات متوفرة بكثرة في جميع المدن المغربية بكل كلفتها”.
وشدد المتحدث على أن “الوضعية الحالية لا تسمح باستمرار وضعية النفقات الحالية لكونها منهكة للدولة، ولا أدل على ذلك مساهمة المغرب في الألعاب الأولمبية بباريس، التي هي ميزانية ثقيلة مرصودة ولكن بدون تأثير حقيقي؛ وهذا ينسحب على قطاعات كثيرة، ولكن الشيء بالشيء يذكر”.
ولم يبخس لحلو هذه المسألة أهميتها العمومية؛ لكنه ألح على مسألة الجدية والحزم في التفعيل، خصوصا أنه هذه المرة التركيز ينصب على الطاقات المتجددة وأساسا على الموارد المائية التي تستدعي أن يجتهد الفاعل الرسمي في اللجوء المكثف إلى الموارد غير الاعتيادية من قبيل المياه العادمة المعالجة، وكذلك استعمال مياه الأمطار وضمان عدم ضياعها ومراقبة التجهيزات التي تستعمل المياه داخل الإدارات”، منبها إلى أن “هناك تراخيا يخلق تكاليف منهكة للدولة، التي تعد أحد أكبر المستهلكين للطاقة والمياه والنفقات التي يمكن الاستغناء عنها”.