التوترات السياسة تُعمق هشاشة الاندماج الاقتصادي بين البلدان المغاربية
انعكس توالي محطات توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المغرب والجزائر منذ صيف 2021 ومع تونس منذ صيف 2022 بشكل مباشر وسيء على الشق الاقتصادي، إذ إن ضُعف المبادلات التجارية الخارجية للمغرب مع دول المنطقة المغاربية يعمق هشاشة الاندماج الاقتصادي بالمنطقة “الأقل اندماجا” ضمن التكتلات الاقتصادية العالمية.
ولم تَسلَم المنطقة المغاربية برمتها من تداعيات التوتر السياسي المستمر “مغاربيا (خاصة حول ملف الصحراء المغربية)” على نسبة وقيمة التجارة البينية بين البلدان المغاربية في العام المنصرم، بشكل كشفت عنه الأرقام المتضمنة في “التقرير السنوي للتجارة الخارجية للمغرب 2023” (صادر عن مكتب الصرف، حديثا).
لم يُمثل التعامل التجاري مع الجارة الشرقية للمملكة المغربية سوى 0.1 في المائة من مجموع تطور الواردات المغربية من قارة إفريقيا، خلال 2023. وأكدت معطيات مكتب الصرف أن واردات الرباط من الجزائر انخفضت بـ”ناقص 1044 مليون درهم”؛ ما مثل نسبة تغير ناقص 61,6 في المائة بين العاميْن 2022 و2023.
بدورها، مثلت الصادرات المغربية إلى الجزائر سوى 0,2 في المائة (بانخفاض 152 مليون درهم، وبمعدل تغير بلغ ناقص 18,9 في المائة مقارنة بين سنتي 2022 و2023).
كما انخفضت التعاملات التجارية البينية بين الرباط وتونس إثر التوتر الدبلوماسي المغربي مع هذا البلد المغاربي، في عهد الرئيس قيس سعيد الذي سبق أن استقبل زعيم انفصاليي البوليساريو في “قمة تيكاد” صيف 2022؛ فقد كشفت الأرقام الرسمية المغربية تراجع واردات المغرب من هذا البلد المغاربي بـ218 مليون درهم (ناقص 6.9 في المائة نسبة تغير سنوي بين 2022 و2023). أما صادرات المملكة إلى تونس فحققت زائد 156 مليون درهم برسم 2023، ما يعني زيادة سنوية لنسبة التغير بحوالي 13 في المائة.
بالنسبة لكل من موريتانيا وليبيا، استقرأت جريدة جريدة النهار ضمن الأرقام الرسمية لمكتب الصرف “معطيات إيجابية موسومة بالارتفاع السنوي لمؤشرات المبادلات التجارية في الاتجاهين استيرادا وتصديرا؛ وهو مؤشر على “استقرار نسبي أو تحسن في العلاقات بين الرباط وطرابلس وكذا مع نواكشوط” خلال العام الماضي.
“تجارة ضعيفة”
تعليقا على هذه الأرقام، أكد عبد الرزاق الهيري، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة فاس، أن “التجارة البينية في اقتصادات الدول المغاربية الخمس تبقى ضعيفة بالمقارنة مع مجمل الصادرات والواردات من إفريقيا وفي اتجاه دُولها”.
واستدل الخبير الاقتصادي ذاته، في إفادات لجريدة جريدة النهار، أن “الواردات المغربية من دول الاتحاد المغاربي تمثل أقل من 0,7 في المائة؛ في حين أن الصادرات المغربية للدول المغاربية لا تتجاوز نسبة 1.5 في المائة”.
هذه الأرقام والنسب الواردة في تقرير سنوي لمؤسسة رسمية مغربية، حسب الهيري، هي “مؤشر إلى ضعف الاندماج والتكامل التجاري الذي يرتبط بدوره بهشاشة الاندماج الاقتصادي ضمن التكتل المذكور، وضُعف مؤشراته بشكل عام سواء من الناحية التجارية أو الإنتاجية، وكذلك من حيث السياسات الماكرو اقتصادية والبنيات والتجهيزات التحتية الأساسية لقيام تبادل تجاري قوي ومستدام وضمان حركية السلع كما الأشخاص”.
“نتيجة التوترات الدبلوماسية”
حسب عبد الرزاق الهيري، فإن “هذا الواقع ليس إلا نتيجة للتوتر في العلاقات الدبلوماسية؛ لأن العلاقات بين الدول يحكمُها، أولا، إطار دبلوماسي وسياسيٍ؛ كلما كان إيجابيا تكون العلاقات التجارية مرشحة للتطور والارتفاع”.
وتابع مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بجامعة فاس شارحا: “ضُعف العلاقات التجارية المغاربية فيما يخص صادرات وواردات السلع هو محصلة لفراغ في الاندماج الإنتاجي، لأن تطوير الأخير رهين بتبادل المواد الأولية وتهم المبادلات سلاسل الإنتاج أي مشاركة جميع الدول المعنية في إنتاج سلعة معينة”.
ولفت المحلل الاقتصادي الانتباه إلى أن “دول اتحاد المغرب العربي تتسم بتكامل اقتصادي متعدد الأوجه والتشابه في مجموعة من القطاعات؛ ما يجب أن يُستثمر لصالح اقتصادات هذه الدول ولما يعود بالنفع والرفاه على شعوبها”.
وبينما شدد الهيري على أن “المغرب متشبث بالاندماج المغاربي، والأمل معلق على إرادة باقي الدول لضمان تكامل وتغليب صوت العقل والحكمة”، جدد التنبيه إلى حقيقة دالة ومؤلمة هي أن “اتحاد المغرب العربي هو تكتل اقتصادي من بين الأقل اندماجا بالمقارنة مع تكتلات اقتصادية أخرى عرفت نجاحات كبيرة”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News