أقلق الارتفاع المتزايد للديون معلقة الأداء إلى 94.8 مليار درهم خلال سنة واحدة فقط بنك المغرب، حيث سجلت زيادة نسبتها 6.7 في المائة مقارنة بالسنة ما قبل الماضية، وفق معطيات واردة في تقرير الإشراف البنكي الصادر عن بنك المغرب مؤخرا، فيما قفزت نسبة المخاطر الناتجة عن هذه الديون من 8.4 في المائة إلى 8.5، وهو ما يمثل مؤشرا مقلقا بالنظر إلى الظرفية الاقتصادية الحالية.
وحسب مستوى المخاطر، انخفضت الديون ما قبل المشكوك فيها بنسبة 5.6 في المائة إلى 6.2 مليارات درهم، في حين زادت الديون المشكوك في تحصيلها بشكل كبير بنسبة 5.2 في المائة إلى 8.9 مليارات درهم، بينما ارتفعت الديون المتعثرة، أي الديون التي من غير المحتمل أن يتمكن المدين من الوفاء بها مستقبلا، بنسبة 8 في المائة إلى 79.7 مليار درهم، مع تسجيل تقلص حصة الديون المشكوك في تحصيلها من إجمالي هذه الديون بنقطة واحدة إلى 7 في المائة، بينما تطورت حصة الديون المتعثرة ضمن إجمالي القروض معلقة الأداء إلى 84 في المائة. وحافظت حصة الديون المشكوك في تحصيلها على نسبة 9 في المائة.
وجاءت المعطيات الواردة في التقرير المشار إليه لتؤكد مضامين التقرير المشترك الصادر عن بنك المغرب والبنك الدولي حول تقييم المخاطر المناخية في القطاع البنكي المغربي، والذي كشف عن تمركز المخاطر الائتمانية في نطاق جغرافي ضيق، ذلك أن أكثر من 60 في المائة من إجمالي القروض متمركزة في الدار البيضاء، فيما تستأثر العاصمة الاقتصادية والرباط ومراكش معا بـ77 في المائة من إجمالي القروض. وعلى العكس من ذلك تتركز نسبة 3.5 في المائة فقط من القروض في 50 منطقة أصغر حجما.
أرباح الديون المتعثرة
وفي الوقت الذي يتزايد قلق بنك المغرب بشأن ارتفاع مستوى القروض معلقة الأداء لدى البنوك، التي باتت تناهز 95 مليار درهم، أي ما نسبته 8.7 في المائة من إجمالي القروض الموزعة، انتعشت مجالات تجارية موازية استفادت من هذا الوضع. ويتعلق الأمر بنشاط التمويل بالفواتير أو التخصيم “الفاكتورينغ”، وكذا التحصيل عبر وكالات ومكاتب خاصة، حيث تزايد الإقبال عليها من قبل البنوك وشركات القروض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المستثمرين، رغم الجدل القانوني الذي يرافق هذا النوع من الأنشطة، خصوصا ما يتعلق بحماية المستهلك ومخاطر خرق معطياته الشخصية.
وبالنسبة إلى إسماعيل إدريسي قيطوني، محلل اقتصادي ومستشار للأعمال، تلعب أنشطة التخصيم والتحصيل الخاصة دورا حيويا في تدبير الديون المتعثرة واستعادة قيمتها في النظام المالي. وأوضح أن تزايد هذه الديون بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة رفع الحاجة إلى استراتيجيات فعالة لتحصيل واسترداد الديون معلقة الأداء، مشددا على تأثير ارتفاع معدل الفائدة في تكلفة التخصيم والتحصيل، حيث تزيد تكلفة الاقتراض والتعامل مع الديون. ونبه إلى أنه خلال فترات النمو الاقتصادي تجد الشركات سهولة كبرى في استرداد الديون مقارنة بفترات الركود، فيما يؤثر التضخم على القيمة الحقيقية للديون المستردة، مما قد يقلل فعالية التحصيل.
وأضاف إدريسي قيطوني، في تصريح لجريدة النهار، أن تطوير التحصيل ينطلق من وضع سياسات واضحة وفعالة لتحصيل الديون، مع التركيز على التقنيات الحديثة في تتبع الديون، إضافة إلى تحسين تدبير المخاطر، من خلال تعزيز نظم إدارة مخاطر تحديد الديون محتملة التعثر وتطبيق إجراءات استباقية، مؤكدا ضرورة التقيد باللجوء إلى الإجراءات القانونية عند الضرورة لضمان استرداد الديون. وأشار إلى أهمية التخصيم والتحصيل الخاص كأدوات فعالة لتدبير الديون المتعثرة، رغم أن ذلك يتطلب توزانا فعالا بين الفوائد والتكاليف، من خلال تبني استراتيجيات متكاملة، مما يمكن الشركات من تحسين سيولتها وتقليل مخاطر الديون، ويساهم في استقرار النظام المالي ونمو الاقتصاد.
أهمية “السوق الثانوية”
جدد نمو الديون المتعثرة الجدل حول موعد إخراج مشروع القانون الخاص بالسوق الثانوية للقروض معلقة الأداء إلى حيز الوجود، حيث ما زال يراوح مكانه في أروقة الأمانة العامة للحكومة، بعدما أشرفت لجنة ضمت في عضويتها بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة والتجارة وجهات أخرى، وكذا الشركة المالية الدولية والبنك الدولي بصفة استشارية. وسيجيز الإطار التشريعي للبنوك تفويت القروض معلقة الأداء بذمة الزبناء إلى أطراف ثالثة. ويتعلق الأمر بخطوة غير مسبوقة في مسار تنظيم سوق الديون المتعثرة بالمغرب.
وأوضحت وصال منظور، متخصصة في الهندسة المالية والمعاملات البنكية، في تصريح لجريدة النهار، أن مشروع إحداث سوق ثانوية للديون المتعثرة واجه مجموعة من نقط الخلاف والتصورات المتناقضة في الطريق إلى وضع تصور مبني على قواعد قانونية وجبائية وتنظيمية صارمة، تسمح بإحداث فضاء ملائم لتثمين القروض معلقة الأداء، والتخفيف من حدة تأثيرها السلبي على محفظة البنوك، من خلال تفويتها إلى المستثمرين المهتمين، مما سينعكس إيجابا على قدرة المؤسسات الائتمانية على تمويل الاقتصاد، مضيفة أن الإشارات الواردة عن البنك المركزي تشير إلى إيلاء أهمية بالغة لحماية مصالح الزبائن ومعطياتهم الخاصة، من خلال التنصيص على مجموعة من الضمانات القانونية في هذا الصدد.
واعتبرت منظور أن السوق الثانوية للديون المتعثرة أداة مالية هامة في تدبير المخاطر المالية وتعزيز الاستقرار المالي، مبرزة أن هذه السوق ستمكن البنوك والمؤسسات المالية من بيع ديونها المتعثرة لمستثمرين أو شركات تحصيل مختصة، مما سيساعدها على تحسين ميزانياتها وإدارة مخاطرها بشكل أكثر فعالية. وأشارت إلى أن تجارب دولية أكدت أهمية هذه السوق في ظل تزايد حجم الديون المتعثرة، خصوصا من خلال دورها في التقليل من المخاطر الائتمانية التي تواجهها البنوك، مما يسمح لها بالتركيز على إدارة محفظتها الائتمانية بشكل أكثر فعالية، بالإضافة إلى السماح للمستثمرين في السوق الثانوية بتنويع محفظة استثماراتهم عن طريق شراء الديون المتعثرة، مما يقلص المخاطر المرتبطة بالديون الفردية.