مساوئ الملكية المشتركة ترفع الإقبال على أوراش “البناء الذاتي” بالمغرب
دخلت السوق العقارية مع بداية الصيف منعطفا جديدا، بتنامي الإقبال على أنشطة “البناء الذاتي” (Autoconstruction)، الذي أصبح يمثل وسيلة للهروب من جحيم الملكية المشتركة، ومشروعا مربحا بمقاييس متعددة. ويتعلق الأمر بموضة جديدة، ما فتئت تنتشر ضواحي المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء، حيث تركز استثمار منعشين عقاريين في تسويق تجزئات سكنية، في شكل باقات خاصة، تتضمن بقعا أرضية مجهزة، تتوفر على تصاميم تسمح ببناء عمارات بعلو يصل إلى أربعة طوابق.
وسجل الطلب على رخص البناء منذ بداية الصيف نموا مهما، إذ كشفت إحصائيات النشاط الخاصة بـ”رخص” Rokhas، المنصة الرقمية الخاصة بطلب واستصدار وثائق التعمير بجهة الدار البيضاء- سطات، عن منح 7129 ترخيص بناء خلال يوليوز الماضي فقط، فيما هيمنت عمالة النواصر على أغلب الرخص الممنوحة خلال الفصل الثاني من السنة الجارية، مدفوعة بتنامي الطلب أيضا على البقع الأرضية لغاية تنفيذ مشاريع “البناء الذاتي”، التي تستفيد من مجموعة من المزايا الجبائية.
ويوفر “البناء الذاتي” للملاك فرصة تحقيق الربح واستغلالا أمثل للعقارات، من خلال إمكانية كراء الشقق والمحلات التجارية، والاستفادة من عائدتها، فيما أثر تطور الطلب على أنشطة بناء العقارات السكنية بشكل سلبي على أسعار مواد البناء، ما تسبب في رفع التكاليف بنسبة وصلت إلى 8 في المائة، حسب مصادر مهنية، اعتبرت أيضا أن كلفة الأشغال الكبرى بهذا النوع من المشاريع أصبحت تتراوح بين 30 و50 في المائة من التكلفة الإجمالية لبناء السكن، علما أن هذه النسبة تتفاوت حسب نوعية السكن، بين العادي والمتوسط والفاخر.
كلفة الوعاء
أصبحت قيمة العقار تمثل بين 50 و60 في المائة من التكلفة الإجمالية للبناء في مشاريع “البناء الذاتي”، حسب حسن بالوكيل، صاحب شركة للبناء بالدار البيضاء، موضحا أن هذه النسبة ترتفع في المناطق القريبة من مراكز المدن، بعد تسجيل ارتفاع حدة المنافسة بين المنعشين على اقتناء الأراضي، الذين تخصص عدد كبير منهم في تجزيء الأراضي وإعادة وبيعها، باعتباره نشاطا جديدا، يحقق أرباحا تتجاوز النشاط التقليدي، المتمثل في اقتناء الأراضي وبناء الوحدات السكنية ثم تسليمها جاهزة، خصوصا في ظل الظرفية الحالية التي عرفت تفاقم فواتير البناء.
وأضاف بالوكيل، في تصريح لجريدة النهار، أن زبائنه من الملاك الجدد، الراغبين في الاستفادة من مشاريع “البناء الذاتي”، يواجهون مشاكل في الحصول على المعلومات الضرورية، التي تسهل عليهم إنجاز جميع المعاملات الإدارية اللازمة، إذ يتعين على المالك بعد اقتناء البقعة الأرضية، وقبل الشروع في أشغال البناء بنفسه، أو تكليف شركة بهذه المهمة، تقديم طلب مرفق بالوثائق اللازمة إلى مصالح الجماعة المحلية، التي يقع مشروع البناء في دائرتها الترابية؛ فيما تقوم لجنة مختصة بدراسة هذا الطلب، داخل أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ وضعه، وذلك قبل إبداء موافقتها ومنح الرخصة التي تبلغ إلى العنوان الشخصي لطالبها، ويتوجب عليه بعد ذلك دفع الرسوم اللازمة والمحددة من طرف الجماعة.
ويمكن للجنة المذكورة، حسب المقاول، أن توافق على الطلب مع وجود تحفظات، موضحا أنه في هذه الحالة تبلغ موافقتها للمعني بالأمر، مع إلزامه بالتقيد بالملاحظات التي أبدتها حول الملف، كما تقوم بالمراقبة أثناء وبعد انتهاء أشغال البناء، قصد التأكد من التزامه بهذه الملاحظات، مشيرا إلى أنه بعد انتهاء أشغال البناء يجب على المعني بالأمر التصريح بذلك، وتقديم طلب إلى مصلحة التصاميم بالجماعة أو بالمقاطعة قصد الحصول على رخصة المطابقة للسكن؛ فيما يسلم هذه الرخصة رئيس مجلس الجماعة أو المقاطعة، وذلك بعد التأكد من أن الأشغال أنجزت كما يجب.
فاتورة باهظة
بالإضافة إلى كلفة الوعاء العقاري يجد الملاك المنخرطون في مشاريع “البناء الذاتي” أنفسهم في مواجهة تحدي تغطية فاتورة الأشغال النهائية (الفينيسيون)، التي يتحدث يونس ملوكي، مهندس معماري في الدار البيضاء، عن تمركزها عائقا أمام استكمال عدد كبير من المشاريع، مشيرا إلى تطور عدد العقارات المعروضة للبيع المعروفة بـ”الكحلة”، أي التي لم يجر استكمال أشغالها النهائية من قبل الملاك، لأسباب مرتبطة بغلاء أسعار المواد الأولية، خصوصا الطلاء والزليج والرخام وغيرها من المنتجات، وذلك بنسبة وصلت إلى 15 في المائة في المتوسط، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليد العاملة.
وأوضح ملوكي، في تصريح لهسبريبس، أن تكلفة تغطية الأسقف بالجبص تبدأ من 50 درهما لكل متر مربع، فيما تنطلق تكلفة طلاء منزل مساحته 300 متر مربع من الداخل والخارج مثلا من 25 ألف درهم، حسب جودة ونوعية الطلاء؛ فيما تتراوح كلفة تغطية الجدران أو الأرضية بالرخام بين 350 درهما و1200 للمتر مربع، حسب نوعية المنتج أيضا، مؤكدا أن كلفة تغطية الأرضية بـ”الزليج” يمكن أن تتراوح بين 120 درهم و600 للمتر مربع، مشيرا إلى ضرورة إعداد دراسة جدوى دقيقة بشأن تكاليف الأشغال النهائية المحتملة عند بناء عقار أو اقتنائه بحالة غير مكتملة، أي بدون “فينيسيون”.
وبالنسبة إلى حالة سناء بجيوي، موظفة، فقد اضطرت إلى وقف أشغال بناء منزلها في منطقة حد السوالم، ضواحي الدار البيضاء، بعدما التهمت تكاليف الأشغال النهائية معظم ميزانيتها التي خصصتها للبناء، موضحة في تصريح لجريدة النهار أن تطور أسعار مواد البناء المفاجئ ساهم بشكل مباشر في رفع تكلفة البناء بحوالي الربع مقارنة مع التكاليف المتوقعة، مشددة على أنها اختارت منذ البداية الإشراف على عملية بناء منزلها بشكل مباشر، دون الحاجة إلى اللجوء إلى خدمات مقاول، توفيرا لمبالغ مالية مهمة، ومنبهة إلى أن عددا من جيرانها في التجزئة واجهوا مشاكل مع المقاولين بسبب مطالبتهم بزيادة في ثمن البناء، وصل بعضها إلى وقف الأشغال واللجوء إلى المحاكم.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News