التنافسية والقرب من أوروبا يجذبان الصناعة الدولية للبطاريات نحو المغرب
بخطى ثابتة يسلك المغرب طريق الجدية في ما يتعلق بفتح ترابه أمام الشركات الأجنبية النشيطة في مجال صناعة البطاريات الكهربائية الخاصة بالسيارات، وهو المجال الذي يحاول فرض نفسه كمجال للصناعات المستقبلية، خصوصا مع سعي الدول إلى التقليص من الاعتماد على السيارات المستعملة للغازوال والبنزين بدءا من العقد المقبل.
المغرب كان وقع قبل شهرين اتفاقية استثمارية مع المجموعة الصينية الأوروبية “غوش نهاي تيك”، تقدر بحوالي 12,8 مليار درهم، بهدف إنشاء وحدة صناعية ضخمة بمدينة القنيطرة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، ستوفر 17 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر، بما فيها 2300 منصب شغل للأطر عالية الكفاءة؛ على أن تكون هذه الوحدة الأولى من نوعها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويتواصل الاهتمام الأجنبي بالمغرب كموقع إستراتيجي لإنشاء بنية تحتية لإنتاج البطاريات الكهربائية، إذ جاء على لسان وونجون سوه، رئيس قسم بطاريات السيارات في شركة “إلجي إنيرجي سولوشن” الكورية الجنوبية، في تصريح نقلته “تيسلا راتي”، أن “الشركة تدرس إنشاء ثلاثة مواقع لإنتاج بطاريات السيارات بالعالم، بما يشمل فنلندا وإندونيسيا والمغرب”.
وأكد وونجون سوه أن هذه الدراسات “تأتي تزامنا مع فرض الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية على البطاريات المنتجة من قبل الصين”، مردفا: “إنشاء مصنع بالمغرب سيمكننا من إدراة تكاليف الإنتاج بشكل أفضل والحفاظ على القدرة التنافسية في السوق الأوروبية، فضلا عن خفض تكاليف التصنيع إلى مستويات مماثلة لمنافسينا الصينيين”.
في تفاعله مع الموضوع قال إدريس العيساوي، محلل اقتصادي، إن “غدو المغرب من بين الدول التي تراها الشركات الأجنبية محطة لإنتاج البطاريات الكهربائية يظل مهما ويساهم فيه التموقع الديمغرافي والثقل الاقتصادي الإقليمي والقاري للبلد، وقربه من عدد من الأسواق، بما فيها الأوروبية والإفريقية”.
العيساوي أضاف لجريدة النهار: “إننا لم نعد نتحدث عن المغرب كبلد نتوجه إليه فقط عندما نريد كشركات التقليص من تكاليف الإنتاج، من خلال الظفر بيد عاملة رخيصة، بل صرنا اليوم أمام بحثٍ عن المملكة من قبل الفاعلين الاقتصاديين الدوليين، خصوصا في مجال البطاريات الكهربائية الخاصة بالسيارات، من أجل إنشاء قواعد للإنتاج خاصة بها”.
من هذا المنطلق لفت المحلل ذاته إلى أن “الواقف وراء كل هذه الدينامية هو توفير المغرب عوامل التنافسية لفائدة المستثمرين الأجانب؛ فمن المهم جدا أن نتحدث عن كون المملكة تحظى باهتمامات الشركات الكورية والصينية والجنوب شرق آسيوية ككل”، موردا أنه “من الملاحظ خلال السنوات الأخيرة تهافت الاستثمارات الأجنبية على المغرب في مجال صناعة البطاريات”.
مُستمرا دائما في بسط النقلة النوعية المغربية في مجال صناعة البطاريات الكهربائية ذكر المحلل الاقتصادي سالف الذكر أن “هذا السوق يحظى بتنافسية كبيرة ومتواصلة بين الفاعلين الاقتصاديين الدوليين، على اعتبار أن صناعة البطاريات الكهربائية باتت بمثابة صناعة للمستقبل، خصوصا إذا استحضرنا أن هناك سعيا من الدول من أجل منع السيارات التي تستخدم الدييزل منذ بداية العقد الرابع من المئوية الحالية”.
من جهته قال مهدي فقير، محلل اقتصادي، إن “فتح التراب المغربي من أجل جذب الاستثمارات في ما يخص البطاريات الكهربائية أمر جد إستراتيجي، لكونه يبقى عنصرا من بين عناصر الاهتمام المغربي بمجال تحقيق الانتقال الطاقي”، مضيفا: “الانتقال الطاقي في نهاية المطاف وتوفير وسائله مسألة وجودية، لأنه لا اختيار أمامنا ما دام الاعتماد على الطاقات الأحفورية يقضي على 15 مليار دولار من الرأسمال الوطني من الاعتمادات الأجنبية”.
وأضاف فقير، مُصرّحاً لجريدة النهار، أن “محاولة توفير بيئة اقتصادية ملائمة من أجل جذب الاستثمارات يبقى أمرا ذا أولوية، إذ كلما استضافات البلاد استثمارات أجنبية في مجال الطاقة، بما فيها صناعة البطاريات الكهربائية، ستسفيد في المستقبل القريب”، موردا: “إننا اليوم أمام منظومة من العمليات التي تهدف إلى تطوير الجانب الطاقي بالبلاد”.
وعاد المتحدث ليشير إلى أنه “لربح رهان الانتقال الطاقي من المهم جدا العمل على مختلف الجوانب من أجل تنزيل الإستراتيجية الطاقية التي يبدو أنها لم تعد إستراتيجية طاقية، بل غدت محورا إستراتيجيا تشتغل عليه كل الدول، في وقت كان لدينا قصورٌ في تدبير الانتقال الطاقي في السنوات السابقة، وهو ما يجعلنا أمام اشتغال وطني حاليا من أجل جذب الاستثمارات الدولية في مجال الطاقة النظيفة، وتحديدا البطاريات الكهربائية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News