دعت رابطة المهندسين الاستقلاليين إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وذلك من خلال تعزيز نظام المساعدات المالية المقدمة من طرف الدولة لفائدة صغار مربي الماشية باعتبارهم المزودين الرئيسيين للأسواق الوطنية من اللحوم الحمراء، ودعم استيراد اللحوم المجمدة الحلال من أجل تحسين العرض في السوق الوطنية، مع تعزيز مراقبة الجودة وشروط السلامة الصحية لهذه اللحوم المستوردة، وتشجيع تنويع مصادر اللحوم من اللحوم البيضاء والأسماك والأرانب لتعويض الخصاص المسجل في اللحوم الحمراء، ووضع آليات لضبط الأسعار لضمان استقرارها والحد من تقلباتها الشديدة وضمان دخل عادل للمنتجين مع الحفاظ على أسعار في متناول المستهلكين.
حيث إنه في الواقع، لا يتم تنظيم تحديد أسعار اللحوم الحمراء، بل تخضع فقط لقانون العرض والطلب، ويذهب هامش الربح إلى جيوب المضاربين، خاصة خلال فترات ارتفاع الطلب (عيد الأضحى، شهر رمضان، موسم الأعياد والاحتفالات، إلى غير ذلك)، ونتيجة لذلك، “يمكن للدولة أن تلعب دورا مهما في تقنين وتحديد أسعار اللحوم الحمراء، وإعادة تأهيل أسواق الماشية وتحديد مدارات قريبة للتسويق، لخفض تكاليف النقل والتوزيع كمساهمة في استقرار الأسعار وحفظ الجودة، وتقديم المزيد من الدعم لمهنيي نقل اللحوم بعد زيادة تكاليف الوقود والطاقة، من أجل تقليل تكلفة توزيع اللحوم واستقرار أسعارها، وعقلنة إلغاء الرسوم الجمركية على استيراد الماشية الموجهة للذبح حتى لا يتم إعطاء مزايا ضريبية لكبار المستوردين الذين يحتكرون السوق ويضرون بالمنتجين المحليين”.
وجاء في وثيقة صادرة عن الرابطة أن تحقيق السيادة الغذائية للمغرب، خاصة في مجال إنتاج اللحوم الحمراء، الذي “يمر بأزمة غير مسبوقة، يدعونا إلى وضع استراتيجيات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحديات الراهنة لهذا القطاع مع اتخاذ إجراءات استعجالية وفورية للتخفيف من الزيادات في أسعار اللحوم الحمراء وضمان أثمنة مستقرة ومعقولة تكون في متناول المستهلك، ومن ناحية أخرى، وعلى المدى القصير والمتوسط، يجب وضع قواعد متينة، تهدف لضمان تنمية مستدامة للإنتاج الحيواني من لحوم حمراء وحليب، وأخرى للتدبير والحفاظ على الموارد الطبيعية والتخفيف من تأثير التغيرات المناخية، ومواكبة تأهيل المنتجين ومربي الماشية للاستفادة من تقنيات التكنولوجيا الحديثة.
مع الإشارة إلى أن كل هذه الاقتراحات يجب تكييفها حسب المؤهلات والخصوصيات المحلية ومراعاة مدى تأثيرها على البيئة. كما يجب اتخاذ إجراءات ذات طابع عمودي بإشراك جميع المتدخلين والقطاعات المعنية ووضع الآليات الضرورية لتنزيل هذه الإجراءات”.
وأوصت الرابطة بتبني مقترح من 30 إجراء كأرضية أولية من أجل فتح حوار حقيقي يجمع كافة المتدخلين في القطاع من خلال الندوة الوطنية التي ستنظمها رابطة المهندسين الاستقلاليين في بداية الموسم السياسي الجديد.
ودعت إلى تنمية مستدامة للإنتاج الحيواني من لحوم حمراء وحليب، من خلال تنظيم المنتجين داخل تجمعات مهنية فعالة ومستدامة من أجل تأطير أفضل لفائدة الكسابة الصغار بغية تحسين الإنتاجية وظروف التسويق وإحداث تجمعات جديدة لمربي الأغنام والماعز غير المنخرطين في برامج تحسين النسل، والرفع من نسبة عرض الماشية أمام لجان الانتقاء والوشم إلى 60 في المائة من إجمالي القطعان التي يتم تأطيرها في برامج تحسين النسل، علاوة على وضع برنامج تأطير واستشارة جديد للإشراف والتوجيه وتقديم المشورة للمنتجين والرفع من مهاراتهم التقنية في ما يخص أفضل الممارسات في تربية الماشية بهدف تحسين الإنتاجية والدخل، فضلا عن تقوية برامج التحسين الوراثي وتطوير السلالات المحلية التي أبانت عن قدرة عالية في مواجهة ظروف التنشئة الصعبة (الأغنام والأبقار والماعز والإبل)، وإعادة إطلاق برنامج تحديد ترقيم الماشية، وتطوير قطعان الحليب الصغيرة حول مراكز التجميع، ودعم صناعات الحليب المجفف خلال فترات الإنتاج الوافر لمادة الحليب، ورفع مستويات الدعم المقدم من طرف الدولة لإنتاج أنثى العجول واستيرادها من أجل إعادة تكوين القطيع الحيواني الوطني، ومنع ذبح الإناث دون سن الخامسة على مدى فترة لا تقل عن خمس سنوات، ووضع برامج منتظمة للتلقيح والعلاج لمنع انتشار الأمراض ومكافحتها، والحد من الخسائر والتكاليف المرتبطة بها، وتقديم خدمات بيطرية متنقلة لتأطير جميع المربين، بما في ذلك المناطق النائية، لضمان صحة جيدة للقطعان، مع إنشاء هياكل جديدة متخصصة في التدبير الجيد للمجازر والقطع مع طرق التسيير القديمة للجماعات الترابية، وتشجيع الاستثمار الخاص في مراحل الذبح والتحويل عبر برامج خاصة لدعم وتحفيز هذه الاستثمارات من أجل تطوير إنتاج اللحوم الحمراء بالمغرب، وتعزيز قدرة المصنعين على تثمين المنتجات الحيوانية، خاصة إنتاج الحليب المجفف ودعمه، وتشجيع جمع إنتاج الحليب خلال فترة الإنتاج العالية من أجل المساهمة في الحفاظ على قطعان الأبقار، ووضع برامج خاصة لقطاع الإبل في المناطق الجنوبية، والماعز في المناطق الجبلية من أجل المساهمة في تحسين العرض الوطني من اللحوم الحمراء.
كما اقترحت الرابطة إجراءات تدبير الموارد الطبيعية للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، وإجراءات تأهيل مربي الماشية لاستعمال التكنولوجيات الحديثة، فضلا عن الإجراءات العمودية.
وعزت الرابطة الإكراهات التي تواجه قطاع اللحوم الحمراء إلى توالي سنوات الجفاف، الذي أسفر عن محدودية حجم الضيعات الفلاحية، حيث إن 85 في المائة من منتجي قطاع اللحوم الحمراء من صغار الفلاحين، كما أدى إلى ارتفاع تكلفة أعلاف الماشية حيث تمثل نسبا ما بين 60 في المائة إلى 70 في المائة من تكلفة إنتاج اللحوم الحمراء في المغرب. “مع العلم أن جزءا كبيرا من هذه الأعلاف يتم استيرادها من الخارج، كما أن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج لها ارتباط وثيق بتقلبات السوق الدولية، ما يؤثر بشكل مباشر على سعر اللحوم الحمراء في السوق الوطنية”، وضعف قدرة الحصول على القروض البنكية ودعم الدولة من طرف فئة صغار ومتوسطي مربي الماشية يحد من قدرتهم على الاستثمار واستعمال التكنولوجيات والممارسات الحديثة في مجال الإنتاج الحيواني، وهيمنة كثرة الوسطاء في أنظمة التسويق حيث يستفيدون من نسب كبيرة من القيمة المضافة للإنتاج الحيواني.
وأوردت رابطة المهندسين الاستقلاليين أن هذه الإكراهات لم تساعد على النهوض وإقلاع الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء وضمان تزويد السوق الوطنية رغم استيراد الأبقار والأغنام. ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار، حيث وصل ثمن الجملة في الأيام الأخيرة إلى مستويات تراوحت ما بين 85 و100 درهم للكيلوغرام الواحد من لحوم الأبقار وما بين 90 إلى 120 درهم للكيلوغرام الواحد من لحوم الأغنام، وقد ساهم هذا الارتفاع في انتشار الشعور بانعدام الأمن الغذائي.”ويعزى هذا الارتفاع في الأسعار بشكل رئيسي إلى الزيادة المذهلة في أسعار علف المواشي، التي وصلت الآن إلى ما يقرب 88 في المائة وانخفاض أعداد الماشية بنسبة 50 في المائة تقريبا على مدى السنوات العشرين الماضية، حيث انتقلنا من 6.2 مليون رأس في عام 2000 إلى أقل من 3.2 مليون رأس في عام 2020 وفقدان 150 ألف رأس من الأبقار الحلوب بين عامي 2020 و2022، وبالتالي وقع الضغط على ذبح الأصناف الأخرى من الماشية وخاصة الأغنام والماعز لتعويض الخصاص من اللحوم. في حين أن الطلب المحلي على اللحوم الحمراء ينمو بشكل سريع، فقد ارتفع من 11 كلغ / للفرد في السنة في عام 2008 إلى 17 كلغ / للفرد في السنة في عام 2018، وهو ما يفسر محدودية التصدير، زيادة على أن تكلفة الإنتاج الوطنية تظل مرتفعة بالمقارنة مع المنافسة الدولية”.