أكدت حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الأربعاء، وجود “فشل لا لبس فيه” في المنظمومة الاستخباراتية للحرس الثوري الإيراني، خاصة أنها تنضاف إلى سجل حافل من الهجمات الإسرائيلية في العمق الإيراني، وفق قراءات محللين.
وفيما استبعد محللون تحدثوا لجريدة النهار فرضية “تورط” إيران في عملية الاغتيال بعدم توفير الحماية المطلوبة لهنية، رغم تصريح قادة الدولة العبرية منذ بداية الصراع بأن زعماء حماس في الخارج على رأس المطلوبين، قال آخرون إن هذه الفرضية التي طرحت بكثرة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي تظل حاضرة، وإن “بنسبة ضئيلة”، بالنظر إلى أن مثل هذه الحادثة “لا تقع حتى في الدول الضعيفة”.
وقبل قتل هنية في العاصمة الإيرانية كانت إسرائيل اغتالت العالم النووي البارز محسن فخره زاده عام 2020، بواسطة سلاح رشاش قام عملاء الموساد بتجميعه بالقرب من منزله ضواحي طهران.
ووفقا لصحيفة “نيويرك تايمز” فقد شهدت السنة ذاتها اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد، وكنيته أبو محمد المصري، حينما أطق النار عليه عميلان إسرائيليان كانا يستقلان دراجة نارية.
وفي أبريل 2021 استهدفت منشأة نطنز النووية بعبوة ناسفة تم تهريبها وتفجيرها عن بعد من قبل عملاء إسرائييلين، وفقا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين حينها.
“فشل لا لبس فيه”
في تعليقه على حادثة اغتيال هنية قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، “إن هذا الاغتيال فشل واختراق استخباراتي لا لبس فيه، يؤشر على عجز المنظومة الاستخباراتية للحرس الثوري، التي كانت المسؤولة الأولى عن حماية الوفد الفلسطيني في الإقامة التابعة له، وهو ما يهشم صورة هذا التنظيم المحوري في الجمهورية الإسلامية”.
وأضاف مكاوي في تصريح لجريدة النهار أن “هذا الفشل ليس الأول من نوعه؛ فإسرائيل سبق أن نفذت مجموعة من الاغتيالات في حق شخصيات مهمة بالنسبة لنظام الإيراني، في عمق البلاد، آخرها تلك التي استهدفت العالم النووي البارز محسن فخري زاده سنة 2020، فضلا عن ضرب منشآت نووية حساسة بالمدن الإيرانية”، معتبرا أن “كل هذه العمليات تعكس نجاح إسرائيل في التوفر على بنك أهداف إيرانية؛ عبر تجنيد العديد من الجواسيس لصالح جهاز الموساد”.
واستبعد الخبير في الشؤون العسكرية أن “يكون إسماعيل هنية ضحية تواطؤ أو رغبة إيرانية في تقديمه ثمنا لخفض التصعيد بين طهران وتل أبيب؛ فالرجل سبق أن زار إيران غير مرة منذ 7 أكتوبر، فضلا عن كونه خسارة كبرى لإيران في ظل الاشتعال الذي تعرفه المنطقة؛ إذ كان حلقة الوصل بين النظام الإيراني وحركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة، ولاعبا أساسيا في ضبط إيقاع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلة التي ستؤثر نتيجتها بصيغة أو بأخرى في التوتر الإيراني الإسرائيلي”.
وتوقع المتحدث عينه أن “يكون الرد الإيراني على إسرائيل قوّيا مقارنة بعملية الوعد الصادق التي نفذتها طهران ردا على استهداف سفارتها في دمشق؛ فهذه المرة يتعلق الأمر بترميم الهيبة الإيرانية أمام الرأي العام الداخلي وأمام الرأي العام الإسلامي بشكل عام”، مشيرا من جهة أخرى إلى أن “الإسرائيلين يستعدون لكافة الحسابات، بما في ذلك محاولة النظام الإيراني تشتيت دم هنية بالإيعاز إلى فصائل محور المقاومة بالتصعيد”.
“تزعزع الصورة”
بنطلحة الدكالي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، قال إن “القراءة الراجحة في عملية اغتيال إسماعيل هنية هي وجود فشل استخباراتي وأمني إيراني؛ بالنظر إلى أن العملية نفذت بدقة، بحيث أصابت الطابق الثاني للمبنى الذي كان يؤوي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ومرافقه، وكذا لكون المنطقة التي يقع فيها المبنى محروسة بشكل كثيف من طرف الحرس الثوري الإيراني، ومحاطة بكل وسائل الحماية الممكنة”.
وأكد الدكالي في تصريحه لجريدة النهار أن “الواقعة التي انضمت إلى سجل حافل من الاغتيالات الإسرائيلية لشخصيات في طهران تدل على أن العمق الإيراني أصبح مستباحا بشكل كبير من طرف المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، بامتلاكهما خزانا مهما من الجواسيس داخل إيران، إلى حد أن الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد صرّح سنة 2021 بأن أعلى مسؤول لمكافحة التجسس في وزارة الاستخبارات الايرانية كان بدوره عميلا لإسرائيل”، وأضاف: “كل هذا يزعزع صورة الدولة القوية أمنيا واستخباراتيا وعسكريا التي حاولت إيران تجذيرها في المخيال الشعبي الإيراني”.
ولم يستبعد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش “فرضية وجود تواطؤ إيراني في مقتل هنية؛ إذ إن حدوثه في منطقة تستقبل ضيوفا من المستوى العالي أمر لا يقع حتى في دول ضعيفة، وهو تواطؤ ربما تسعى إيران من خلاله إلى كسب رهانات جيو-إستراتيجية وسياسية”، مستدركا بأنه “في ظل غياب معطيات دقيقة حول ما إذا كان الاستهداف تم من داخل العمق الإيراني أو من دولة أخرى تبقى حظوظ هذه الفرضية ضئيلة”.
وعن مدى أثر الضربات الإيرانية التي أوعز المرشد الإيراني بتنفيذها ردا على اغتيال هنية في طهران، وتوابعها المحتملة، قال الدكالي: “مادامت إسرائيل أقدمت على هذه العملية فإنها اتخذت الاحتياطات اللازمة للتعامل مع الرد الإيراني، وتحجيم خسائره”، مستبعدا أن “تفضي التوترات بين الجانبين إلى حرب شاملة، وإنما قد تندلع الحرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، مع تزايد الهجمات بين الحوثيين والإسرائيليين”.