تصاعد توترات الشرق الأوسط يرهن أسعار المحروقات ونمو الاقتصادات الإقليمية
مُشعلة معها أتُون صراعات جيوسياسية جديدة قد تندلع ليس فقط “إسنادا لجبهة قطاع غزة” بل “انتقاما” لمقتل قادة من المقاومة في دول إيران ولبنان، قفزت أسعار النفط والغاز وما يستتبعه من مشتقات طاقية ومواد بترولية إلى مستويات “قياسية” بعد مرورها بمرحلة استقرار نسبي واضح منذ أشهر الربيع الفائت.
وبينما كان سوق النفط الخام متجها لـ”تسجيل أكبر انخفاض شهري له هذا العام”، متأثرا بتوقعات الطلب الضعيفة من الصين (أكبر دولة مستوردة للنفط)، رفعت واقعة اغتيال إسماعيل هنية أسعار الخام “للمرة الأولى في أربع جلسات”، حسب تحليل لوكالة ‘بلومبرغ’ الاقتصادية لفت أيضا إلى قفزة مماثلة للعقود المستقبلية للغاز بنحو 2.6 في المائةإلى نحو 36 يورو لكل ميغاواط في الساعة، (تداولات الأربعاء) واصفا بأنه “مستوى مرتفع خلال فصل الصيف”.
وطالعت جريدة النهار، ضمن رسوم بيانية تابعتها، اليوم الأربعاء، تقدم سعر عقود خام برنت (تسليم أكتوبر) نحو نطاق 80 دولارا للبرميل، بعد “موجة انخفاض بنسبة 4.1 في المائة” خلال الأيام الثلاثة الماضية، بينما قارب سعر خام “غرب تكساس الوسيط” 76 دولارا.
ومنذ السابع أكتوبر 2023، لم تهدأ ساحات الاقتتال وجبهات الصراع عن “الاشتعال” قبل أن يزيدَها ضربُ إسرائيل لقيادات في حركات “محور المقاومة” في كل من ضاحية بيروت الجنوبية وبالعاصمة الإيرانية “مزيدا من الزيت فوق النار”.
وتذهب تقديرات خبراء ومتابِعين للشؤون الإقليمية إلى أن اتساع دائرة التوترات العسكرية بأبعادها الجيوسياسية صار في حكم “حقيقة واقعة”؛ ما يضع المنطقة فوق “فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة”، خصوصا مع تأكيدات “القسام” و”حزب الله” على أن إمعان إسرائيل في سياسة الاغتيالات والعدوان والإبادة يؤشر إلى أبعاد جديدة للصراع.
وبدا لافتا “قفزة أسعار النفط” أكثر من غيره منذ أبريل الماضي فوريا بمجرد إعلان “حماس” نبأ استهداف مباشر لزعيم مكتبها السياسي؛ مما يزيد منسوب التوترات في منطقة تُنتج حوالي ثلُث خام العالم من هذه المادة الطاقية الحيوية لقطاعات اقتصادية كبرى.
“بعض التقلبات مؤكدة”
أكد عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي مغربي خبير دولي في المجال الطاقي، أن “اغتيال إسماعيل هنية، القائد البارز في حركة حماس، بإيران هو بالفعل حدثٌ مثير للجدل على الساحتين الإقليمية والدولية”، مشددا أنه “من الأكيد ستكون له تأثيرات، سواء مباشرة أو غير مباشرة، وضئيلة أو كبيرة، على مجموعة من المحاور أبرزها جيواقتصادي؛ أي أسعار النفط والشحن بالمنطقة المحيطة بحلفاء إيران ووكلائها.
وتابع ملاوي، في إفادات تحليلية لـ جريدة النهار، “يُتوقع أن تكون للتطورات الأخيرة الميدانية مجموعة من التداعيات على المدى القصير المنظور”، موردا أنه بالتبع لـ”بعض التقلبات في أسعار النفط، خاصة في ظل هذه الأجواء المشحونة. فمِنَ المحتمل أن تشهد أسعار النفط بعض التقلبات والارتفاعات قصيرة الأجل، نظرا لزيادة المخاوف بشأن إمدادات النفط والحركة البحرية في المنطقة”.
“أما بعد ذلك، من المحتمل أو من المنتظر أن يتم تحسين الوضع، اعتبارا أن المنطقة كانت قد عرفت مجموعة من الأحداث المماثلة؛ وبالتالي كانت المآلات كلها محدودة الأثر كما هو معلوم”، لفت الخبير الطاقي.
أما على المستوى الطويل، وفق ملاوي، “هناك مخاوف من تأثير على المتغيرات الجيوسياسية بالمنطقة؛ فقد تعرف مجموعة من التحولات في التحالفات والتوازنات الإقليمية والتي بدورها قد تؤثر على سياسات الإنتاج وتصدير النفط في المنطقة فيما بعد”.
“أمن نفطي رهين”
أكمل المتخصص في شؤون الطاقة مستنتجا: “بالتالي، فاستقرار المنطقة والأمن النفطي رهين بما ستؤول إليه الأوضاع السياسية والأوضاع الجيو-استراتيجية المقبلة… وبطبيعة الحال، سيكون لهذا تأثير فيما بعد، سواء على ارتفاع أو استمرار نفس الأسعار بالنسبة للإنتاج واستخراج النفط وعملية التصدير لهذه المواد البترولية والمشتقات”.
أما على الصعيد المغربي (المحلي)، لا يعتقد خبير الطاقة ذاته أن “هذه الأحداث ستُغير أو ستؤثر على الارتفاع، خصوصا بالنسبة للمشتقات النفطية، سواء من البنزين أو الديزل، وكذلك سعر الغاز الطبيعي”، مفسرا بالقول “لأن المغرب كان قد أقر، منذ سنوات، استراتيجية واضحة في هذا الباب تضمَن المخزون الطاقي عن طريق تنويع المصادر؛ وهو ما شهدناه خلال مجموعة من الأحداث التي عرفتها المنطقة سابقا”.
وحسبه، “تقريبا لم يتأثر المغرب بشكل كبير”؛ لأنه “يمكنه تعويض النقص من مناطق أخرى لا تمر عبر مناطق النزاع (مثلا الولايات المتحدة الأمريكية ونيجيريا وروسيا إلى غير ذلك)؛ وهي الدول التي يمكن للمغرب أن يعول عليها في حال إذا كان هناك قطع أو خلخلة في مصادر الإنتاج وقنوات الإمداد والنقل الخاصة بالمواد الطاقية”.
“تصعيد بإسقاطات اقتصادية”
اعتبر بدر الزاهر الأزرق، أستاذ باحث في علوم الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء وخبير اقتصادي، أنه “عقب الأحداث المتتالية والمتسارعة التي شهدتها المنطقة (سواءٌ اغتيال هنية، واغتيال أحد قادة حزب الله ببيروت، وقبلهُما قصف منشآت الحديدة اليمنية، وقصف تل أبيب عبر اختراق الدفاعات الإسرائيلية) فإن الحرب، اليوم، قد أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات”، منبها إلى “تصعيد قد تكون له إسقاطات اقتصادية خطيرة”.
وفي تقدير الأزرق، الذي يركز أبحاثه على منظومة النقل المينائي والبحري، فإن “مسألة اضطراب الملاحة البحرية غدَتْ واقعا، وقد أسهمت قبل ذلك بأشهر في ارتفاع أسعار الشحن البحري.. وهذا الأمر أسهَم في تباطؤ معدلات تراجع التضخم، وبالتالي هو عامل في استمرار الأزمة المرتبطة بالتضخم في مجموعة من الدول التي تعتمد بشكل كبير على مسألة النقل البحري والاقتصاديات الناشئة المعتمدة على استيراد النفط ومشتقاته، ومنها المغرب”.
وتوقع الخبير الاقتصادي مصرحا لجريدة النهار “أن يتطور الأمر بشكل كبير في حالة ما إذا أقدَم الحوثيون على مهاجمة كل السفن العابرة لمضيق باب المندب، وكذا إذا ما أقدمت أيضا إيران على التضييق على تدفقات السفن المحملة بالغاز والمحملة بالبترول القادمة من منطقة الشرق الأوسط”.
وسجل المتحدث ذاته أن “اضطراب سلاسل التوريد المتعلقة بالغاز والبترول قد يؤدي إلى اضطراب أيضا تسليم العقود الآجلة المتعلقة بالبترول، بما يمثل انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي قد يدفع مرة أخرى إلى الدخول في مرحلة تضخمية جديدة ستكون لها عواقب كارثية على الاقتصاد في بعدَيْه الإقليمي والعالمي، خاصة أننا لم نتخلص بعد من كل الآثار المتعلقة بالأزمة التضخمية المرتبطة بالاضطرابات إثر حرب أوكرانيا المستعرة وما زالت آثارها على تزويد بالغاز والبترول والمواد الخام والحبوب حاضرة”.
حذر الباحث الاقتصادي من أن “اندلاع الأزمة بشكل موسع في منطقة الشرق الأوسط قد يفاقم الأوضاع”، خاتما بالقول: “التوقعات عموما إلى الفترة الخريفية، المتأثرة بالمستوى السياسي، وبالتبع المستوى العسكري وكذا على مستوى الاقتصاد العالمي، تبقى توقعات سيئة جدا”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News