زيدان: الجماعات الدينية لا تحتفي أبداً بالعقل .. و”طوفان الأقصى” فعل “كراهية”
قال الكاتب والروائي المصري يوسف زيدان إن الكراهية كانت مشكلة موجودة في أزمنة جد مبكرة في التاريخ الإنساني، وكانت في بدايتها “محكومة بالغريزة وحب الاستحواذ”، مضيفاً أن “محركات الكراهية تبدأ مع الإعلاء الوهمي للذات، فكل مجموعة إنسانية مهما صغرت أو كبرت لا بد أن تتمحور حول ذاتها قليلا، وهذا حاضر في جميع مجتمعاتنا”.
ولفت زيدان، في محاضرته المعنونة بـ”كوامن الكراهية ومحركاتها، صيحة تحذير”، التي ألقاها خلال الدورة الـ18 لمهرجان “ثويزا” الثقافي بطنجة، إلى كون “كل مجموعة تعلي من ذاتها إعلاء لا يشترط فيه أن تكون له مصدقات في الواقع هو إعلاء وهمي للذات، وهذا مستمر حتى هذه اللحظة، وقد ظهر مع هتلر في ألمانيا”.
وتابع الكاتب المصري قائلا: “هذا الاستعلاء يظل في النهاية، سواء كانت الجماعة متخلفة أو متطورة، وهميا لأنه يجعل من مجموعة بشرية معينة خصائص تتفوق على المجموعات الأخرى، وهذه مغالطة يمكن الرد عليها بحجة بسيطة تتمثل في أن شخصا من كل جماعة سيتبنى الآراء نفسها التي ولد داخلها، مثلما هو الأمر في الديانات”، مسجلا أنه “في العقائد، مثلا، العبراني المؤمن باليهودية يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه، والمسلم أيضا، وهكذا”.
وأبرز أن “الإعلاء الوهمي للذات هو الحامل الأكبر والمغذي لعاطفة الكراهية”، معتبرا في هذا السياق أن “الكراهية والحب ليسا نقيضين، فكلاهما يتحرك في مادة العاطفة، وقد نجد حبيبا يقتل حبيبته لأنها خاتنه. هذا فعل كراهية، لكن هذا الانقلاب السريع من شعور إلى آخر يتم في لحظة، مما يعني أنهما وجهان لعملة واحدة: العاطفة”.
واسترسل قائلا: “الشعوب عندما تعلي من ذاتها لا تفكر وإنما تستسلم لهذه المشاعر؛ وقد حاولت الحضارات الأولى في سياق حفاظها على المجتمع الإنساني أن ترسي قواعد ليست نسبية اسمها الأخلاق، ثم أتت قوانين كشريعة حمورابي لمعاقبة الشخص الذي يخرج عن المنظومة الأخلاقية التي تستند إلى العقل، وهي آلية فعالة لضبط العاطفة وترويض الغريزة”. قبل أن يضيف “لولا ذلك لكان البشر انطلقوا في كل واد يهيمون في غياب ضابط أخلاقي حضاري إنساني في مقابل البشري”.
وعدّ يوسف زيدان الكراهية “خطيرة” لأننا “لا نشعر بها”، مشيرا إلى “تسللها إلى نفوس الأفراد والجماعات، وهي مدعومة بما لا حصر له من تصورات عن العالم وعن الله”. وأضاف “من هذا المنطلق يرى المسيحي ببساطة أن البشارة جاءت له والآخرون على ضلال، ويرى المسلمون أنهم أفضل من غيرهم، وحتى داخل الملة الواحدة نجد هذا الأمر، ولنأخذ السنة والشيعة كمثال”.
وفي المسار نفسه، أكد المحاضر أن “المذهب الديني والمعتقد محرّك رهيب للكراهية، قد يكون قاتلا لحد أن يصل بالشخص إلى الرغبة في الإفناء التام للمختلف عنه”، مبرزا أن التعليل الذي يقدم هنا هو “الله اختارني”، مبرزا أن “هذه حجة وهمية، فلو الله اختاره ليكون هندوسيا، هل سيقتل المسلمين مثلا؟”.
هذا يكشف، وفق زيدان، أن “السياسة تستعمل الدين، والخطير أنها تستثمر أيضا ذلك الإعلاء سالف الذكر ليقتل كل طرف المختلف عنه دينيا”، مضيفا أن “كل هذا تغذية عنيفة للعاطفة المسماة كراهية. وكل المشكل يتجسد في أن هذا الشعور يحرّك السلوك لكون هذه الآفة تسكن الوعي والدماغ. المتعصب لو احتكم إلى العقل والعلم والمنطق سيجد أنه هو والآخرون الذين يكرههم يوجد بينهم اختلاف بسيط هو أنه ولد في أسرة وجماعة مختلفة”.
وتابع قائلا: “العقل والعلم والمنطق تعدّ ضوابط للعاطفة، ولهذا نجد الجماعات الدينية لا تحتفي أبداً بالعقل والعقلانية، وتصب اهتمامها على العاطفة وتهتم أساسا بما يسمى في التراث الإسلامي بالرقائق”، مشيرا إلى أن “الأحاسيس يتم استثمارها للتجييش، ويُخشى على التابعين من التفكير العقلاني، ولكن المصيبة أن هذا النهج يؤدي إلى الصراعات والاقتتال”.
وبخصوص علاقة العنف الإسرائيلي في غزة، قال زيدان إن التصرف العبري “الأهوج” لا “يجعلنا نرى ما حدث في 7 أكتوبر مع أنه (طوفان الأقصى) فعل كراهية مثلما كان الرد الإسرائيلي فعل كراهية”. وأضاف “لقد بقيت سنوات طويلة أدعو إلى الخروج من مأساة المنطقة وهذا الصراع العربي العبراني، ولكن بعد “7 أكتوبر” قررت ألا أتحدث في هذه المشكلة لأنني لا أريد أن أحبط الناس، ولكن المشكلة لن تُحل، وسيظل الناس يموتون وستستمر المعاناة. وحتى القاتل يموت فيه الإدراك لأن الله التوراتي لم يخبره في الوعد الإلهي أن هناك غيره يسكن المنطقة الممتدة من جنوب العراق إلى شمال مصر”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News