خبير يستشرف التحولات في قارة إفريقيا مع عودة ترامب إلى رئاسة أمريكا

يرى الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، أن مستقبل النظام العالمي سيعرف في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة تحولات كبيرة، مشيرا إلى أن ذلك سيخلق مشهداً جيوسياسياً معقداً ومتقلبا، وأن “ولاية ترامب الثانية ستشهد موقفاً متردداً من حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ مما سيؤدي إلى فراغ في السلطة في أوروبا”. وأضاف أن “من المُرجح أن يجبر هذا السيناريو الدول الأوروبية على تعزيز آليات الدفاع الخاصة بها، وتعزيز المزيد من الوحدة وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان جيوسياسي أكثر قوة. ونتيجة لذلك يمكن أن تشهد أوروبا عودة نفوذها، وتضع نفسها كثقل موازن لتراجع القيادة العالمية للولايات المتحدة”.

وأوضح الخبير السياسي، في مقال نشر على منصة المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بعنوان “مستقبل إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب حال فوز ترامب”، أن “سياسة ترامب قد تؤدي بالمنطقة الأسيوية إلى تسريع وتيرة الانتشار النووي، ومن الممكن أن يدفع النهج الذي تتبناه إدارته في التعامل مع الالتزامات الأمنية والتجارة دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بل حتى تايوان، إلى تطوير ترساناتها النووية كوسيلة ردع ضد التهديدات الإقليمية، خاصةً من الصين وكوريا الشمالية، ومن شأن هذا التسلح النووي أن يزيد من التوترات ومن خطر نشوب صراعات في المنطقة؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

وبخصوص القارة الإفريقية، سجل الخبير ذاته أن الاتجاهات العالمية تشير إلى تحول نحو عالم متعدد الأقطاب؛ إذ تؤثر الدول القوية المتعددة في الشؤون الدولية، وتحمل هذه التعددية القطبية فرصاً وتحديات لإفريقيا. ويرى أنه بالنسبة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإنها تؤكد أهمية قضايا الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين أن دعم هذه القوى أمر بالغ الأهمية للتنمية المؤسسية، لافتا إلى أنه ينبغي على الدول الإفريقية الاستفادة من هذه العلاقات لتعزيز قدرتها على النمو المستدام ذاتياً بدلاً من الاعتماد بشكل مفرط على المساعدات، كما أن ارتباط الصين بإفريقيا اتسم باستثمارات كبيرة في البنية التحتية، والتعدين، والتصنيع، حيث حفزت هذه الاستثمارات النمو الاقتصادي، لكنها أدت أيضاً إلى مخاوف بشأن الاعتماد على الديون وديناميات السلطة غير المتكافئة، لذلك يجب على الدول الإفريقية أيضاً التركيز على بناء الصناعات المحلية لضمان الاستدامة على المدى الطويل، يضيف حمدي عبد الرحمن.

نص المقال:

على الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يتسم بالبراغماتية وعدم الاتساق في سياساته الخارجية، فإنه يبدو صارماً في السباق الانتخابي لعام 2024 في مواجهة تيار الهيمنة داخل حزبه الجمهوري، الذي يدعو إلى الحفاظ على القيادة الأمريكية للنظام العالمي. لقد أصبح التركيز على جعل الولايات المتحدة أمة عظيمة مرة أخرى مُحفزاً على العودة إلى تيار العزلة في السياسة الخارجية الأمريكية؛ وهو ما يسمح ربما بمزيد من تعدد مراكز القوى في النظام الدولي. وعموماً شهدت السنوات الأخيرة تحولاً في مشهد القوى العالمية نحو عالم أكثر تعددية في الأقطاب. ويحمل هذا الاتجاه آثاراً كبيرة على إفريقيا، القارة التي كثيراً ما تم تهميشها في النظام الدولي. ولإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا من الأهمية بمكان أن نفهم كيف يمكن لهذه التغيرات العالمية أن تؤثر في القارة السمراء، وأن تناور بشكل استراتيجي في هذا المشهد المتحول. لقد كانت إفريقيا، تاريخياً، فاعلاً رئيسياً على الساحة العالمية، على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها. ويعتمد مستقبل القارة على التخطيط المدروس، واتخاذ القرار، والعمل من جانب الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.

وفي هذا السياق، تُعد النمذجة الاستشرافية وتخطيط السيناريوهات، كتلك التي يقوم بها “معهد الدراسات الأمنية” في جنوب إفريقيا، من الأدوات الأساسية التي يمكن أن تساعد إفريقيا على تحديد الفرص والتهديدات المُحتملة والاستجابة لها. إن نمذجة الاستشراف المستقبلي عملية تخطيط استراتيجي تُستخدم لتوقع المستقبل وتشكيله من خلال تحليل الاتجاهات والتطورات المُحتملة، وتتضمن أساليب منهجية متعددة التخصصات لتحديد وتقييم السيناريوهات المستقبلية المُحتملة وآثارها؛ ويكمن هدفها الأسمى في توجيه عملية صنع القرار وصياغة السياسات والتخطيط الاستراتيجي من خلال بحث وجهات النظر طويلة المدى والتحديات والفرص المُحتملة. فهناك تقليد غني في بناء السيناريوهات والاستشراف في إفريقيا، ومن الضروري تسليط الضوء على هذا التقليد والاستفادة منه، ومن خلال هذا التقليد يمكن تحليل تداعيات احتمال إعادة انتخاب ترامب على النظام الدولي ومستقبل إفريقيا في ظل التعددية القطبية.

العزلة الأمريكية وصعود أوروبا

إذا أُعيد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، من المُرجح أن يشهد مستقبل النظام العالمي تحولات كبيرة؛ مما سيخلق مشهداً جيوسياسياً معقداً ومتقلباً. ومن الممكن أن تشهد ولاية ترامب الثانية موقفاً متردداً من حلف شمال الأطلسي “الناتو”؛ مما سيؤدي إلى فراغ في السلطة في أوروبا. ومن المُرجح أن يجبر هذا السيناريو الدول الأوروبية على تعزيز آليات الدفاع الخاصة بها، وتعزيز المزيد من الوحدة وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان جيوسياسي أكثر قوة؛ ونتيجة لذلك يمكن أن تشهد أوروبا عودة نفوذها، وتضع نفسها كثقل موازن لتراجع القيادة العالمية للولايات المتحدة. وفي آسيا قد تؤدي سياسات ترامب إلى تسريع وتيرة الانتشار النووي. ومن الممكن أن يدفع النهج الذي تتبناه إدارته في التعامل مع الالتزامات الأمنية والتجارة دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بل حتى تايوان، إلى تطوير ترساناتها النووية كوسيلة ردع ضد التهديدات الإقليمية، خاصةً من الصين وكوريا الشمالية؛ ومن شأن هذا التسلح النووي أن يزيد من التوترات ومن خطر نشوب صراعات في المنطقة؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

اقتصادياً، من المُرجح أن تؤدي سياسات ترامب الحمائية، بما في ذلك الرسوم الجمركية المرتفعة وضوابط الهجرة الصارمة، إلى انخفاض كبير في قيمة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم. وقد يفيد هذا الانخفاض الاتحاد الأوروبي والصين، اللذين قد يتعاونان لتقديم عملة احتياطية بديلة؛ مما سيزيد من تقليص الهيمنة الاقتصادية الأمريكية؛ ومن شأن الانعزالية الاقتصادية الناجمة عن ذلك أن تدفع الولايات المتحدة نحو موقف أكثر انعزالية، مع التركيز على القضايا الأمنية والاقتصادية في نصف الكرة الغربي؛ وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التدخلات العسكرية في أمريكا اللاتينية في ظل عقيدة تذكرنا بمبدأ “مونرو”. وفي العموم، قد تبشر ولاية ترامب الثانية بعالم أكثر تعددية في الأقطاب، يتسم بعودة أوروبا إلى الظهور، وآسيا النووية، وتراجع الولايات المتحدة؛ وهو ما من شأنه أن يغير بشكل جذري ديناميات القوة العالمية والعلاقات الدولية.

تأثيرات عالمية في إفريقيا

تشير الاتجاهات العالمية إلى التحول نحو عالم متعدد الأقطاب؛ إذ تؤثر الدول القوية المتعددة في الشؤون الدولية، وتحمل هذه التعددية القطبية فرصاً وتحديات لإفريقيا. ولفهم هذه الديناميات بشكل أفضل، يمكن استكشاف أربعة سيناريوهات عالمية مُحتملة: عالم مستدام، وعالم منقسم، وعالم في حالة حرب، وعالم ينمو، على النحو التالي:

1- عالم مستدام: في هذا السيناريو ينجح المجتمع العالمي في تنفيذ السياسات الرامية إلى التخفيف من تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة. وبوسع إفريقيا، بمواردها الطبيعية الهائلة وغالبية سكانها الشباب، أن تقوم بدور مهم في هذا التحول. ومن الممكن كذلك أن يؤدي تحسين الحكم، والتنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والاستثمارات في الطاقة المتجددة إلى معدلات نمو سنوية تبلغ 7.7 بالمئة حتى عام 2043. فعلى سبيل المثال، أظهر التزام إثيوبيا بالطاقة المتجددة بالفعل نتائج واعدة، مع تحقيق قدر كبير من النجاح في استثمارات الطاقة الكهرومائية؛ مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة. ومن شأن هذا النمو في القارة أن يقلل بشكل كبير من الفقر ويحسن مستويات المعيشة لسكانها.

2- عالم منقسم: هنا تتصاعد التوترات العالمية؛ مما قد يؤدي إلى التشرذم وزيادة الحمائية. وبالنسبة لإفريقيا؛ قد يعني هذا السيناريو تباطؤ معدلات النمو بنحو 4.5 بالمئة، وهو ما لن يُترجم بشكل كبير إلى ارتفاع نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي أو الحد من الفقر بسرعة، ومن الممكن أن تصبح القارة السمراء ساحة صراع على النفوذ بين القوى العالمية المتنافسة؛ وهو ما قد يعوق آفاق التنمية فيها. ومن الأمثلة على ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى؛ إذ أدت التدخلات الأجنبية من قِبل روسيا وفرنسا إلى زيادة عدم الاستقرار وإعاقة جهود التنمية.

3- عالم في حالة حرب: ينطوي هذا السيناريو على صراع مسلح مفتوح، ومن المُحتمل أن يشمل مواجهات نووية. وسوف تواجه إفريقيا حالة من عدم الاستقرار الشديد، مع انخفاض معدلات النمو بها إلى نحو 3.3 بالمئة سنوياً. ومن الممكن أن تشهد القارة حركات انفصالية متضاعفة وانتشار العنف على نطاق واسع؛ مما سيؤدي إلى تفاقم الفقر وتقويض جهود التنمية. إن الصراعات الجارية في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية تجسد كيف يمكن لعدم الاستقرار أن يخنق النمو الاقتصادي والتنمية.

4- عالم النمو: في هذا السيناريو يتم إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي على الاستدامة؛ مما قد يؤدي إلى نمو مرتفع، ولكن أيضاً إلى ارتفاع عدم المساواة. وقد تشهد إفريقيا ظهور رابحين وخاسرين؛ إذ تستفيد بعض المناطق والقطاعات، بينما تتخلف مناطق وقطاعات أخرى عن الركب؛ ومن شأن عالم النمو أن يقدم فرصاً للتوسع الاقتصادي السريع، ولكن الافتقار إلى الاستدامة قد يؤدي إلى عواقب سلبية طويلة الأمد. فعلى سبيل المثال شهد الاقتصاد القائم على النفط في نيجيريا نمواً كبيراً، ولكن الفوائد لم يتم توزيعها بالتساوي؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات عدم المساواة والتدهور البيئي.

دور الجهات الخارجية

في عالم متعدد الأقطاب ترتفع أهمية إفريقيا وقيمتها الجيوستراتيجية. فالقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، والجهات الفاعلة الصاعدة مثل الهند والبرازيل وتركيا، أصبحت مهتمة على نحو متزايد بموارد إفريقيا وأسواقها ودعمها السياسي. ويتعين على الدول الإفريقية أن تدرس موقفها من هذه العلاقات بعناية لتعظيم فوائدها وتقليل المخاطر المُحتملة. لقد اتسم ارتباط الصين بإفريقيا باستثمارات كبيرة في البنية التحتية، والتعدين، والتصنيع. وفي حين حفزت هذه الاستثمارات النمو الاقتصادي، فقد أدت أيضاً إلى مخاوف بشأن الاعتماد على الديون وديناميات السلطة غير المتكافئة. فعلى سبيل المثال قامت “مبادرة الحزام والطريق الصينية” بتمويل العديد من مشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا، مثل السكك الحديدية في كينيا. ومع ذلك، فإن عبء الديون الثقيل المرتبط بهذه المشروعات أثار المخاوف بشأن الاستدامة المالية طويلة الأجل للبلدان الإفريقية. ويتعين على إفريقيا أن تتفاوض على شروط أفضل، وأن تضمن توافق الاستثمارات الصينية مع أهدافها التنموية طويلة الأجل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإنها تؤكد أهمية قضايا الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي حين أن دعم هذه القوى أمر بالغ الأهمية للتنمية المؤسسية، ينبغي للدول الإفريقية الاستفادة من هذه العلاقات لتعزيز قدرتها على النمو المستدام ذاتياً بدلاً من الاعتماد بشكل مفرط على المساعدات. على سبيل المثال أتاح قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) إمكانية وصول السلع الإفريقية إلى أسواق الولايات المتحدة؛ مما عزز النمو الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك يجب على الدول الإفريقية أيضاً التركيز على بناء الصناعات المحلية لضمان الاستدامة على المدى الطويل.

من جهة أخرى، تقدم دول مثل الهند والبرازيل وأعضاء مجموعة “بريكس” شراكات بديلة يمكن أن تساعد على تنويع الارتباطات الاقتصادية والسياسية لإفريقيا. ومن الممكن أن توفر هذه العلاقات فرصاً جديدة للتجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال أسهمت استثمارات الهند في قطاع الرعاية الصحية في إفريقيا، مثل إنشاء مصانع الأدوية، في تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وخلق فرص العمل.

فاعلية المؤسسات الإقليمية

من أجل الوقوف على أرض صلبة في عالم متعدد الأقطاب يتعين على الدول الإفريقية أن تعمل على تعزيز مؤسساتها الإقليمية والقارية. وهنا يتعين على الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية القيام بأدوار مؤثرة في تعزيز التكامل الاقتصادي والسلام والأمن. وغالباً ما تواجه هذه المؤسسات تحديات تتعلق بالإرادة السياسية والقدرة والتمويل. وتحدد أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 إطاراً استراتيجياً لتنمية القارة. ويتعين على الدول الإفريقية أن تلتزم بهذه الأجندة، وأن تضمن حصول الاتحاد الإفريقي على الموارد والسلطة اللازمة لتنفيذ سياساته بفعالية. ويشمل ذلك معالجة قضايا الحكم وحقوق الإنسان وحل النزاعات. إن تدخل الاتحاد الإفريقي في حل الصراع السوداني يشكل شهادة على دوره المُحتمل في الحفاظ على السلام والاستقرار في جميع أنحاء القارة.

في المقابل، تُعد المجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومجموعة شرق إفريقيا، ذات أهمية بالغة بالنسبة للتكامل والتعاون الإقليميين، ومن الممكن أن يؤدي تعزيز هذه التجمعات إلى تعزيز قوة التفاوض الجماعي التي تتمتع بها إفريقيا على الساحة العالمية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والنمو داخل الأقاليم الإفريقية. إن الوساطة الناجحة التي قامت بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في الأزمة السياسية في غامبيا عام 2017 تسلط الضوء على أهمية التعاون الإقليمي في معالجة التحديات السياسية والأمنية.

الحكم الرشيد والعمل الجماعي

إن نجاح إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب يتوقف على القيادة الفعالة والعمل الجماعي. ويتعين على الزعماء الأفارقة أن يتبنوا رؤية استراتيجية طويلة الأمد لبلدانهم وللقارة ككل. ويشمل ذلك تعزيز الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة. إن القيادة القوية ذات الرؤية الحكيمة تشكل ضرورة أساسية لدفع عجلة التنمية وضمان حماية مصالح إفريقيا في المفاوضات العالمية. ويجب على القادة إعطاء الأولوية لرفاهية مواطنيهم على المكاسب الشخصية أو السياسية، والعمل على تحقيق النمو المستدام والشامل. على سبيل المثال كان لرئيس رواندا، بول كاغامي، الفضل في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية من خلال قيادته ورؤيته الاستراتيجية. كما يتعين على الدول الإفريقية أن تتحد لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق الأهداف المشتركة، ويشمل ذلك تعزيز التجارة البينية الإفريقية، والاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، ومعالجة تغير المناخ.

ومن خلال التحدث بصوت واحد تستطيع إفريقيا تعظيم نفوذها في المحافل والمفاوضات الدولية. ويُعد نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في تعزيز التجارة البينية الإفريقية مثالاً على فوائد العمل الجماعي.

ختاماً، إن مستقبل إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب محفوف بالتحديات، لكنه غني أيضاً بالفرص. ويتعين على القارة أن تواجه هذا المشهد المُعقد ببصيرة استراتيجية، وأن تستفيد من نقاط قوتها ومواردها الفريدة. فمن خلال تعزيز المؤسسات الإقليمية والقارية القوية، والشراكات التعاونية مع القوى العالمية، وإعطاء الأولوية للحكم الرشيد والعمل الجماعي، تستطيع إفريقيا أن ترسم الطريق نحو التنمية المستدامة والشاملة. ويتمثل السبيل إلى إطلاق العنان لإمكانات إفريقيا في قدرتها على التكيف مع التغيرات العالمية، مع الحفاظ على وفائها برؤيتها طويلة الأجل لتحقيق الرخاء والنمو. وتُظهِر الأمثلة من دول مثل إثيوبيا ونيجيريا وكينيا ورواندا أن إفريقيا قادرة بالفعل على الازدهار في عالم متعدد الأقطاب بالاستعانة بالفكر الاستراتيجي والقيادة الواعية.

Exit mobile version