تغير سلوك الزبناء يجلب الركود لرواج السيارات المستعملة في “سوق سباتة”
يعيش سوق “سباتة” الشهير للسيارات المستعملة في الدار البيضاء على وقع ركود غير مسبوق، حيث اعتاد هذا الفضاء جذب الزبناء من كل مناطق المغرب مع بداية موسم الصيف الذي يمثل ذروة الطلب على السيارات ويشهد بخلاف مواسم السنة تنوعا وتوسعا في العرض بدخول السيارات المستوردة من الخارج. يتعلق الأمر بتحول في سلوك الزبناء من الأسواق المادية إل الرقمية، وتغير في بنية العرض مع دخول فاعلين جدد أكثر احترافية إلى القطاع، وهم أصحاب “الكراجات” (Les Garagistes).
مواقع الإعلانات المبوبة (Classified) مثل “أفيتو”، وفضاء الإعلانات المبوبة “ماركت بلايص”، الخاص بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أصبحت الوجهة الأولى للراغبين في شراء سيارات مستعملة، حيث تتيح هذه المنصات الاطلاع على عروض مختلفة، مصدرها ملاك أفراد وأصحاب “كراجات” أيضا، في الوقت الذي يتحسس موقع التواصل الصيني “تيك توك” مكانه بين هذين العملاقين، بعدما تحول إلى وسيلة مفضلة لتجارة السيارات “أوكازيون”، لما يوفره من سهولة تحميل مقاطع فيديو تطلع الزبون على كل تفاصيل السيارة وتسمح له بمعاينة أولية، قبل الانتقال إلى التدقيق المباشر والشراء.
أصحاب “الكراجات” وجدوا في “ضمانات” ما بعد البيع والخبرة التقنية قبل البيع وسيلتين لإثارة اهتمام الزبناء في الواقع، بعيدا عن عمليات الشراء عبر المواقع، خصوصا “أفيتو” و”ماركت بلايص” اللذين تحولا إلى مستقر للوسطاء والسماسرة الباحثين عن “الهمزة” في الشراء والبيع وإعادة البيع؛ إلا أن هذه الإكراهات لم تتمكن من كبح الطلب على السيارات المستعملة، التي انتعشت سوقها في المغرب منذ تفشي جائحة كورونا، حين ساهم اضطراب سلاسل إنتاج السيارات بالعالم في تراجع العرض وارتفاع الأسعار لدى الموزعين.
“هميزات” مغرية
تحول سوق “سباتة” للسيارات المستعملة في الدار البيضاء من منصة لعرض السيارات إلى فضاء يحتضن “صالونات تجميل” لهذه الفئة من السيارات، حيث يقصده الوسطاء والسماسرة لغاية إصلاح وصيانة وتزيين سلعهم، قبل الانتقال إلى تسويقها عبر موقع “أفيتو” الذي يستحوذ على سوق إعلانات السيارات “أوكازيون” في المغرب بـ41 ألف إعلان، مقال 13 ألف إعلان في “ماركت بلايص” الذي يتحسس خطواته سريعا في هذا المسار، وسط توقعات بتجاوز الموقع المذكور خلال الفترة المقبلة؛ بفضل سهولة الولوج إليه وعرض السيارات للبيع والتواصل مع المشترين، بخلاف منافسه الذي تحول إلى كراء “متاجر أون لاين” لأصحاب “الكراجات” والتجار.
وبالنسبة إلى محمد حسايني، تاجر سيارات مستعملة، فـ”هميزات” الأنترنيت أصبحت أكثر إغراء للزبناء الذين تحولوا من التوجه إلى الأسواق الشعبية في الدار البيضاء ومدن أخرى نحو مواقع الإعلانات المبوبة، وراكموا خبرة في البحث عن غايتهم، بالاعتماد على ما أصبحت توفره وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات حول الخصائص التقنية للسيارات.
وأوضح حسايني، في تصريح لجريدة النهار، أن زبون سوق السيارات المستعملة بات أكثر وعيا اليوم، ويستطيع من خلال الاطلاع على الإعلان الخاص بالبيع التعرف على هوية البائع، سواء كان مالكا للسيارة أو تاجرا أو ووسيطا، ويقرر مع من سيتعامل، ويتأكد من الثمن من خلال الاطلاع على إعلانات مماثلة تخص السيارة بالطراز والخصائص ذاتها، قبل الانتقال إلى المعاينة المباشرة وإخضاع السيارة لخبرة تقنية محايدة، ثم الشراء في مرحلة لاحقة.
من جهته، شدد نور الدين العبيس، تاجر سيارات مستعملة، في تصريح لجريدة النهار، على تغير سلوك الزبناء منذ تفشي جائحة كورونا، حيث أصبحوا متطلبين وأكثر تشددا فيما يخص حالة السيارات المرغوب شراؤها، في مواجهة الارتفاع الكبير في الأسعار.
وأكد العبيس أن الزبون يراهن على الاستثمار في علامات تجارية وطرازات معينة في السوق لقاء المبلغ الذي يدفعه عند الشراء، منبها في السياق ذاته إلى أن السيارات الشخصية الصغيرة ذات محركات تعمل بـ”الغازوال” أو البنزين” تظل الأكثر طلبا وتحافظ على قيمتها السوقية لفترات طويلة.
وأشار التاجر عينه إلى مساهمة الإقبال على الشراء عبر الإعلانات المبوبة في تحويل أصحاب “الكراجات”، مثلا، إلى تجار بالجملة يوزعون السيارات على صغار التجار والوسطاء الذين يصرفون منتوجاتهم عبر المنصات الرقمية المختلفة.
قطاع غير مهيكل
في ظل غياب أية إحصائيات رسمية أو غير رسمية حول رقم معاملات سوق السيارات المستعملة في المغرب، أشارت الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا” إلى رصد 700 ألف عملية نقل ملكية سيارة سنويا؛ ما يؤشر على رواج مالي ضخم خارج مظلة الهيكلة والتضريب، ويحيل على نمو متواصل لهذه السوق التي أغرت موزعي السيارات الجديدة بالاستثمار فيها.
وهكذا، أصبحت مجموعات تعرض على زبنائها إمكانية استبدال سياراتهم القديمة بأخرى جديدة، مع أداء الفارق، قبل أن تعيد بيعها في فضاءات تابعة لها، مخصصة لهذا الغرض، بل وتتاجر في سياراتها المؤجرة بعقود طويلة الأمد “ليزينغ”، مستغلة هي الأخرى منصات الإعلانات المبوبة ومواقع التواصل الاجتماعي لتسويق سياراتها.
وأوضح عمر بيوض، خبير محاسب، أن أصحاب “الكراجات”، الذين تناسلوا خلال السنوات الأخيرة مثل الفطر في أحياء الدار البيضاء، لا ينتظمون في مقاولات هيكلة ويحققون أرباحا مهمة، دون أن يؤدوا عنها الواجبات الضريبية، على غرار موزعي السيارات الجديدة.
وأوضح بيوض أن بعض هذه الفضاءات تخصص في التجارة بالسيارات الراقية، التي يتجاوز سعر بعضها مليوني درهم، وزاغ نحو عمليات تبييض أموال وتمرير رشاوى ومعاملات مشبوهة أخرى، باعتبار غياب إطار مهيكل يتيح لمصالح الرقابة المالية والجبائية تتبع كل عملية بيع أو شراء، مشددا على أن هذه العمليات تجري في أغلب الأحيان نقدا أو بواسطة شيكات تصرف على دفعات؛ ما يعزز الشكوك بشأنها.
وأضاف الخبير المحاسب، في تصريح لجريدة النهار، أن بعض أصحاب “الكراجات” وحتى التجار الفرادى الذين ينشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا يتوفرون على أساطيل من السيارات المستعملة المركونة في الشارع أو مستودعات مؤجرة ويحققون أرقام معاملات تتجاوز في بعض الأحيان ثلاثة ملايين درهم.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذا الرواج المالي يظل خارج مظلة التضريب، ويستدعي تدخل مصالح المراقبة الضريبية، من أجل تحديد هوية الملزمين وإشعارهم بمعاملاتهم ومبالغ الضريبة المستحقة بذمتهم باعتبارهم يزاولون نشاطا تجاريا خارج ضوابط القانون، منبها إلى أن سوق السيارات المستعملة يمثل فرصة لتوسيع الوعاء الجبائي من خلال مشروع قانون المالية 2025، بالنظر إلى حاجة الخزينة الملحة إلى موارد إضافية خلال الفترة المقبلة.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News