كلاسيكيات سينمائية عالمية تجد طريقها إلى المشاهد المغربي عبر الشاشات الكبيرة لقاعات عروض مدن مثل طنجة والرباط والدار البيضاء، التي أعلنت في السنتين الأخيرتين عروضا مفتوحة للجمهور الواسع تقترح اكتشاف مُنجز مخرجين من قبيل سيرجيو ليوني ومارتن سكورسيسي وفرانسيس فورد كوبولا، على سبيل المثال لا الحصر.
قيمة كبيرة
قال الناقد السينمائي محمد اشويكة إن “الحركة السينيفيلية في المغرب ومجموعة من النقاد السينمائيين والمهتمين بالشأن السينمائي المغربي كانوا دائما ينادون بعرض الأفلام ذات القيمة الإبداعية؛ لأن استهلاك الصورة بشكل تجاري هدفه الترفيه فقط، يقلل كثيرا من إمكانيات استيعاب المنتوج السينمائي”.
وأضاف مؤلف كتاب “الصورة السينمائية.. مستويات الفهم والتأويل”: “أعتقد أن هذه العودة الآن، ولو أنها محتشمة، لعرض بعض الأفلام ذات البعد الكلاسيكي، أو ذات التوجه الإبداعي، المتعلق بسينما الرؤية الخاصة، أو سينما المؤلف، أو السينما المستقلة، أو حتى السينما التي تنتجها الأستوديوهات وكبار المنتجين السينمائيين العالميين ذات النفس الإبداعي في أمريكا أو في الغرب بصفة عامة، يمكن أن يضيف الكثير للمتلقي المغربي”.
وتابع السيناريست والناقد المغربي: “مثل هذه الأفلام تدعم مسألة الرقي بالذوق، خاصة أن الإنسان اليوم يعيش قصفا متواليا من المحتويات السمعية البصرية ذات الطبيعة الاستهلاكية الفجة التي تعتمد على ضعف المحتوى والاستعراضية وتسليع الجسد”؛ وبالتالي “العودة إلى السينما ذات البعد الإبداعي، يرفع من الذائقة الجماعية والفردية، ويزرع بذور الحس النقدي في صفوف مشاهدي اليوم”.
أهم ما تتيحه مثل هذه العروض الموجهة إلى عموم المتفرجين، بالنسبة للمصرح، هو القدرة على “المقارنة، خاصة أن السينما المغربية اليوم في شقها ‘التجاري’، حتى وإن لم نصل بعد إلى اكتمال دائرة الصناعة والتجارة، تنتج أفلاما ضعيفة المحتوى، وتُضعف الذائقة الجمالية للناس (…) وبالتالي مثل هذه العروض لها قيمة كبيرة، ومن شأنها رفع حس المقارنة لدى المشاهدين لكي يفهموا معنى الفيلم الجيد ومعنى الفيلم الرديء”.
“صحوة مغربية”
وضع الناقد السينمائي سعيد المزواري هذه المبادرة “المهمة جدا” لعدد من قاعات السينما المغربية في إطار “صحوة تعرفها الساحة السينمائية المغربية”، من بين ثمارها “إعادة إحياء القاعات التاريخية، بمبادرات فردية لمالكيها، أو بمبادرات جماعات ومسؤولين محليين”.
هذا الإحياء “أعطانا نوعا من البرمجة الخارجة عن التجاري والسائد والنمطي”؛ فبرمجت قاعاتٌ سينمائية أفلاما “تنتمي إلى سينما المؤلف، وأخرى فيها نوع من الطموح ولو لم تكن داخلة في السائد، وأفلاما تنتمي إلى التراث السينمائي”.
وأردف المصرح مجيبا عن سؤال جريدة النهار: “يغيب عنا مرات أن السينما أساسا هي تاريخ السينما، لا جديدُها دائما؛ مما يعني أن مثل هذه المبادرات، التي أتت موجة مع فصل الصيف، يمكن أن تخلق أو تغذي نوعا من السنيفيليا (الاهتمام بالسينما وتذوقها) التي ندعو إليها جميعا، لا سينيفيليا الاستهلاك الفردي واللجوء إلى قرصنة مفهومة نظرا لقلة العرض”، قبل أن يختم حديثه بقول إن مثل هذه المبادرات “شيء رائع للثقافة السينمائية بالمغرب”.
حاجة إلى الوعي
الناقد السينمائي إدريس القري، من جهته، ولو اعتبر أن “أية مبادرة تُخرج السينما إلى الجمهور العريض بالمغرب جيدة مبدئيا”، فإنه يرى أن “من الواجب أن أية مبادرة حماية الثقافة الوطنية بمراعاة ترويج المنتوج الوطني؛ لأن عرض الكلاسيكيات العالمية دون رجوع إلى الكلاسيكيات المغربية والعربية سيكون تكريسا للعولمة أو الثقافات العابرة وإتاحة لاستمرار غزوها لنا، وهذا أمر صعبُ الأثر في ميدان الصورة”.
وتابع القري: “نحن من البلدان التي لا تُسلح فيها الجماهير العامة بوعي الصورة، ونضيع السينما كنوع من الحوامل للأمن الثقافي، الذي هو أمن يواكب، عالميا، بحث الدول لتحقيق الأمن العسكري والاقتصادي والصحي والطاقي”.
ودعا الناقد السينمائي، في تصريحه لجريدة النهار، إلى “إعادة التفكير بجعل مثل هذه المبادرات منتظمة، ومنتشرة عبر التراب الوطني، حتى تحضر أيضا في الجهات التي ليست بها قاعات سينمائية، وصبيب إنترنت أضعف، ومهرجانات سينمائية أقل، فهي تحتاج أكثر الاستفادة من مثل هذه المبادرات، مع مراعاة حضور السينما المغربية؛ لأنه ولو أن ليس لنا الكثير من الأعمال، لكن لدينا أفلام يمكن تسميتها مضمونا وشكلا كلاسيكيات مغربية”.