يبدو أن الصراع الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط يمضي نحو منعطف خطير، مع اشتعال حرب العمليات النوعية بين إسرائيل والجماعات المسلحة المدعومة من قبل إيران.
وشهدت الساعات القليلة الماضية تصعيدا خطيرا مع توجيه إسرائيل ولأول مرة ضربة جوية مباشرة إلى أهداف تابعة لجماعة الحوثيين داخل الأراضي اليمنية، وتحديدا في منطقة الحديدة الساحلية غرب البلاد.
وتوعد الحوثيون برد “حتمي” على “العدوان الوحشي” الإسرائيلي، مشيرين إلى أن الضربة الإسرائيلية استهدفت منشآت مدنية وخزانات للنفط ومحطة للكهرباء.
وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، إن الحوثيين لن يترددوا في ضرب “أهداف حيوية” إسرائيلية، محذرا من أن تل أبيب “لا تزال غير آمنة… مستعدون لحرب طويلة مع العدو حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني”.
وتباينت روايات الإعلام العبري بشأن تفاصيل الضربة الإسرائيلية؛ فبينما ذكرت صحيفة يسرائيل هيوم أن 20 مقاتلة إسرائيلية شاركت في الهجوم على الحديدة وألقت عشرات الأطنان من الذخيرة وتزودت جوا بالوقود، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن عشرات الطائرات شاركت في الهجوم ومن بينها طائرات إف 35، مشيرة إلى أن المقاتلات انطلقت من أكثر من قاعدة عسكرية. وأضافت الصحيفة أن طائرات التزويد بالوقود تدربت على عمليات مشابهة في اليونان.
وجاءت تلك الضربة بعد أقل من 48 ساعة على العملية “النوعية” التي تبناها الحوثيون ونفذت في قلب تل أبيب بواسطة طائرة مسيرة، وأوقعت قتيلا وعددا من المصابين.
وخرج الجيش الإسرائيلي ببيان سريع عقب ضربة الحديدة أوضح فيه أن طائراته الحربية استهدفت أهدافا “لنظام الحوثي الإرهابي في منطقة الحديدة في اليمن. لقد جاءت الغارات ردا على مئات الهجمات ضد دولة إسرائيل، طيلة الأشهر الأخيرة”.
وفي أول تعقيب له على الضربة، قال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن “الهجوم رد مباشر على هجوم المسيرة التي قتلت إسرائيليا وأصابت آخرين. على مدى 8 أشهر مضت، أطلق الحوثيون مئات الصواريخ الباليستية والمسيرات… الحوثيون جزء لا يتجزأ من محور الشر الإيراني، الذي يعمل ضد إسرائيل ويهدد السلام في العالم”.
كما تحدثت وزارة الدفاع الإسرائيلية، عبر منشور على منصة “إكس”، عن الضربة، قائلة إن استهداف ميناء الحديدة تحديدا جاء بسبب “استخدامه في نقل الأسلحة من إيران إلى نظام الحوثي الإرهابي”، مضيفة أن الجيش الإسرائيلي “قادر على العمل في أي مكان يتطلب ذلك، وسيضرب أي قوة تهدد الإسرائيليين”.
وأشارت الوزارة إلى أن مقاتلاتها قطعت مسافة 1800 كيلومتر لتنفيذ مهمتها، التي أطلق عليها “الذراع الطولى”.
وفيما وصف بأنه استعراض للقوة، قال يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، عقب تنفيذ الضربة مباشرة، إن “النار المشتعلة الآن في اليمن يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط… دماء المواطنين الإسرائيليين لها ثمن، ولا تذهب هدرا، هذا ما يعرفونه اليوم في لبنان وغزة واليمن وأيضا في أماكن أخرى. إذا تجرأوا على مهاجمتنا فالنتيجة ستكون نفسها”.
في الأثناء، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول، لم تسمه، توقعه أنه “سيكون هناك تبادل للضربات مع الحوثيين، لكن أهدافنا معدة مسبقا”.
وقال يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي: “سنحاسب كل من يشكل خطرا على مواطنينا… هذا أوان زيادة العقوبات على إيران”.
بينما وصف رئيس الكنيست الإسرائيلي الهجوم على اليمن بأنه “رسالة إلى الشرق الأوسط كله”.
وبينما تباينت ردود الفعل إزاء الضربة الإسرائيلية للحوثيين، نقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية تساؤلات لبعض سكان شمال إسرائيل بشأن سرعة الرد الإسرائيلي على هجوم الحوثيين على تل أبيب، واتهامهم لحكومة نتنياهو بالتمييز بينهم وبين سكان العاصمة وضواحيها، مستشهدين بالعمليات التي يتعرض لها الشمال منذ أشهر عديدة دون “رد حاسم” من قبل إسرائيل، بينما جاء الرد على عملية تل أبيب في أقل من 48 ساعة.
وأثار القصف الإسرائيلي على اليمن ردود فعل دولية واسعة، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن إسرائيل “تصرفت بمفردها دون تدخل عسكري أمريكي”. كما نقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي أن الضربة تم تنسيقها مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمواجهة هجمات الحوثيين.
في غضون ذلك، نقلت وكالة سبأ نت الرسمية اليمنية عن مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية إدانته بأشد العبارات “عدوان الكيان الصهيوني وانتهاكه لسيادة الأراضي اليمنية في مخالفة صريحة لكافة القوانين والأعراف الدولية”.
كما حمل المصدر إسرائيل المسؤولية الكاملة عن “أي تداعيات جراء غاراته الجوية؛ بما في ذلك تعميق الأزمة الإنسانية التي فاقمتها الميليشيات الحوثية بهجماتها الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية”.
وجدد المصدر تحذيره لجماعة الحوثي من “استمرار رهن مصير اليمن وأبناء شعبه والزج بهم في معاركها العبثية خدمة لمصالح النظام الإيراني ومشروعه التوسعي في المنطقة”، كما وجه المصدر اليمني تحذيره إلى إيران وإسرائيل من “أية محاولة لتحويل الأراضي اليمنية، عبر الميليشيات المارقة، إلى ساحة لحروبهما العبثية ومشاريعهما التخريبية في المنطقة”.
وتتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى أتون فوضى وحرب إقليمية كبيرة مع اتساع رقعة الصراع يوما بعد يوم واشتعال الموقف على جبهات عديدة بشكل متزامن، في وقت تواصل فيه إسرائيل حربها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر التي راح ضحيتها نحو 40 ألف فلسطيني، بعد هجوم شنته فصائل فلسطينية وأسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر عشرات آخرين.