تعيش مدينة مراكش، منذ أزيد من أسبوع، على إيقاع موجة حرارة تتجاوز أحيانا 41 درجة، مما يجعل سكان هذه المدينة وزوارها يغيرون عاداتهم من أجل إيجاد الوسيلة الملائمة لتلطيف الجو والتخفيف من أثر الحرارة، من خلال اللجوء إلى الفضاءات الخضراء ليلا بحثا عن الهواء “البارد” والخضرة المنعشة، والمسابح العمومية أو الخاصة في النهار، من أجل الترويح عن أنفسهم والاستمتاع بأجواء رطبة، تمكن أجسامهم من استعادة الحيوية والطاقة المطلوبة.
وإذا كان سكان المدينة الحمراء اعتادوا على مثل هذه الحرارة في فصل الصيف، وخبروا التعامل معها بعدم الخروج وقت الظهيرة، وتجنب تعرض أبدانهم لأشعة الشمس الحارقة، وشرب الماء الكافي وإتاحة الفرصة للأطفال واليافعين للذهاب إلى المسابح، فضلا عن قضاء أوقات بين أحضان الطبيعة في الفضاءات التي تتوفر عليها المدينة وضواحيها، خاصة خلال الفترة المسائية، فإن زوار مراكش، الذين استغلوا عطلة فصل الصيف لزيارة هذه المدينة الساحرة التي تعتبر وجهة سياحية بامتياز، يجدون أنفسهم وسط طقس حار غير معتاد بالنسبة إليهم، مما يدفعهم إلى تقليل خرجاتهم في النهار والاستمتاع بمياه مسابح الفنادق التي يقيمون بها، أو المسابح الخاصة التي توفر لهم كل الوسائل للترويح عن النفس والاستمتاع بأوقاتهم، واكتشاف خبايا مراكش ليلا، حيث الجو المعتدل والشوارع مملوءة بالمارة والمقاهي تستقبل روادها.
ولم تستطع درجات الحرارة المرتفعة أن تنزع من المراكشيين روح الدعابة التي عرفوا بها في أوساط المغاربة، وسيرا على نهج الطرافة التي تميز الشخصية المراكشية، لجأ بعضهم إلى ابتكار أساليب طريفة لمواجهة موجة الحرارة التي تجتاح مختلف فضاءات المدينة، وإتاحة الفرصة أمام أجسادهم المنهكة لاقتناص “تبريدة”غير مكلفة، حيث أصبحت بعض السواقي والنافورات فضاءات قابلة لاحتضان عشرات الأجساد، حيث الارتماء في حضن مياهها المنسابة.
وكلما ارتفعت درجة الحرارة بمدينة مراكش، تصبح النافورات العمومية الموزعة بمختلف شوارع مدينة مراكش، فضاءات قابلة لاحتضان عشرات أجساد الشباب والأطفال والارتماء في حضن مياهها المنسابة، أغلبهم يختار أن يرتمي داخلها بملابسه حتى يتسنى له الفرار عندما تحل دورية لعناصر الأمن بعين المكان.
ويتشكل أغلب الذين يلجأون للنافورات من أجل السباحة خلال فصل الصيف، من أطفال الأحياء الشعبية أو من أطفال الشوارع والمشردين، الذين لايجدون ملاذا لهم من حرارة فصل الصيف الحارقة، إلا اللجوء إلى السباحة بنافورات توجد بالشوارع الرئيسية وسط مدينة مراكش.
ومع غروب شمس كل يوم وطيلة ساعات الليل، تكون مدينة مراكش أكثر حيوية بفضل سحرها وألوانها ونفحات أزهار النباتات، عكس الأجواء في النهار، التي تتميز بحركة محدودة بسبب الحرارة المرتفعة التي تعرفها، وهو ما يجعل هذه الوجهة السياحية العالمية محطة إعجاب زوارها سواء المغاربة أو الأجانب.
من جهة أخرى، تحولت الحدائق والفضاءات الخضراء، التي تعتبر جزءا من هوية مدينة مراكش، إلى أماكن يقصدها المراكشيون وزائرو المدينة الحمراء من مختلف الفئات العمرية، للاستراحة والترويح عن النفس والاستمتاع بالنسمات العليلة، أو الالتقاء بالأصدقاء والأقارب أو قضاء فترة معينة بين أحضان الطبيعة، حيث تسعى بعض المجموعات الى الاستمتاع بممارسة الألعاب الورقية، في حين تحرص فئات أخرى على اصطحاب آلات موسيقية معها لقضاء جزء من وقتها وسط الطبيعة عبر الغناء والرقص وأحيانا أداء أغاني من التراث المراكشي محلية ذات طابع شعبي المعروفة بـ”التقيتيقات”.
وفي الوقت الذي يفضل عدد من المراكشيين القيام بنزهة في الليل للتخفيف من أثر الحرارة، باختيار أحد الفضاءات الخضراء المتمثلة أساسا في جنبات شارع محمد السادس المكسوة بالعشب الأخضر وبالفضاءات المجاورة لحدائق المنارة وغابة الشباب، والمساحة الخضراء الموجودة بحي الشرف و”واحة الحسن الثاني” بحي سيدي يوسف بن علي، وغيرها من الفضاءات، يلجأ آخرون إلى إعداد برنامج للترويح عن النفس، يبتدئ منذ الساعات الأولى من الصباح، باختيار قضاء اليوم وسط منتزهات طبيعية ضواحي مدينة مراكش من قبيل منطقة أوريكا، وإمليل، وأربعاء تغدوين، ومنطقة ويركان بإقليم الحوز.
ويرى بعض مرتادي هذه الفضاءات الخضراء أن التقاءهم بالأصدقاء وسط الطبيعة، يشكل مناسبة لاسترجاع الذاكرة وإحياء تقليد متوارث لدى المراكشيين، يطلق عليه “النزاهة”، وهي عبارة عن تنقل مجموعة من الأصدقاء إلى إحدى الحدائق العمومية أو الفضاءات الخضراء للترويح عن النفس، وأكل الوجبة المحلية المفضلة “الطنجية”.
وأوضحوا في تصريحات متفرقة لـ”الصحراء المغربية”، أن الإقبال على هذه الأماكن، التي تتوفر في مجملها على كل المقومات التي يحتاجها المواطن كالإنارة والأمن، يشكل إحدى الخصوصيات التي تميز المدينة الحمراء عن باقي المدن الأخرى، لاسيما في فصل الصيف، وفرصة للترويح عن النفس والاستجمام والالتقاء بالأصدقاء والأقارب في أجواء حميمية، مؤكدين ضرورة تحسيس السكان بأهمية الحدائق والفضاءات الخضراء، وحثهم على المساهمة في نظافتها، واحترام المغروسات الموجودة بها، وذلك من خلال تبني سلوك متحضر ومسؤول.
وفي هذا الإطار، أشارعبد الفتاح، رب أسرة مكونة من 4 أفراد، إلى أن الفضاءات الخضراء أصبحت الملجأ الوحيد للأسر التي لا تتوفر على الإمكانيات المالية للقيام برحلة إلى منتزهات طبيعية ضواحي مراكش، بحثا عن نسمات هواء نقية وباردة، للتخفيف من أثر الحرارة والاستمتاع بالطبيعة الخلابة لهذه الفضاءات.
من جانبه، أكد خالد ولد الرامي، رئيس جمعية سبعة رجال لفن الملحون، أن اللجوء إلى الحدائق والفضاءات الخضراء من ضمن العادات التي دأبت عليها منذ زمن بعيد عدد من الأسر المراكشية، حيث اعتادت هذه الأسر القيام نهاية كل أسبوع أو أيام العطل بما يطلق عليه “النزاهة “، مشيرا إلى أن مدينة مراكش معروفة في أوساط المغاربة بالحرارة في فصل الصيف والبرد في فصل الشتاء، وجوها صحي ويحظى بالإعجاب من طرف الأجانب.