احتمال تدخل حلف “الناتو” في المحيطين الهادئ والهندي يهدد النظام العالمي
منذ أن حدد حلف شمال الأطلسي (ناتو) الصين بأنها تمثل “تحديا ممنهجا” في مفهومه الاستراتيجي عام 2022، يسعى لإقامة علاقات استراتيجية وعملياتية مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، التي تعرف مجتمعة بشركائه الأربعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويري المحلل الأمريكي جيفري ريفز، وهو زميل بارز في واشنطن في معهد السلام والدبلوماسية أستاذ مشارك في كلية الحرب البحرية الأمريكية، في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أن “الناتو” يبرر توسعه داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأنه أمر جوهري للحفاظ على النظام العالمي القائم على قواعد.
وقال ريفز إن احتمال إقامة نظام أمني من الناتو والشركاء الأربعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مشكلة صعبة للغاية. وبعيدا عن كونه يخدم كقوة استقرار، فإن من المؤكد تقريبا أن تؤدي أي شراكة أمنية رسمية بين الناتو والدول الأربع إلى تفاقم توترات أمنية إقليمية بدون طرح الوسائل لخفض هذه التوترات.
ومن المرجح أن يقوض أي نظام أمني بين الناتو والدول الأربع أمن المنطقة، ويؤدي إلى تصعيد التوترات بين الدول التي تدير حاليا مخاوفها الأمنية من خلال الحوار وضبط النفس. ومن المرجح أن تعتبر دول آسيوية، بما في ذلك تلك التي تربطها علاقات وثيقة بأوروبا والولايات المتحدة، أي هيكل أمني رسمي بين “الناتو” والشركاء الأربعة استفزازا غربيا أكبر وليس تحالفا دفاعيا.
وجوهر هذا الاستفزاز هو التركيز الأخير لـ”الناتو” على الصين ونيته المعلنة للتصدي لسياسات “الإكراه والطموحات المعلنة لبكين” من أجل حماية “مصالح وأمن وقيم” الدول الأعضاء في الحلف. ورغم أنه ربما يتساءل البعض إنْ كانت طموحات الصين في آسيا تهدد المصالح المشتركة عبر الأطلسي، فإن وجهة نظر بكين واضحة تماما.
فقد أعلنت القيادة الصينية مرارا أنها تعتبر توسيع “الناتو” داخل آسيا تهديدا مباشرا، وتوعدت بالرد على نحو متناسب. وتنتقد الصين بشكل روتيني عقلية “المواجهة من حقبة الحرب الباردة” من جانب “الناتو” وتدعم أي رد عسكري في حالة أي محاولة من جانبه والشركاء الأربعة لفرض نظام أمني جديد في آسيا.
وكجزء من هذا الرد، الذي سوف يتضمن إعادة هيكلة القوة الصينية، من المؤكد تقريبا أن يتسبب أي اتفاق بين الناتو والشركاء الأربعة في سباق تسلح إقليمي.
وأضاف ريفز أن الصين لن تكون وحدها في النظر إلى توسع “الناتو” في منطقة آسيا والهادئ على أنه تهديد وجودي. وعلى سبيل المثال، سوف تعتبر كوريا الشمالية وروسيا أي شراكة بين “الناتو” والدول الأربع تحديا أمنيا كبيرا جديدا بقيادة الغرب، سوف ترد عليه بيونغ يانغ وموسكو عسكريا.
وسوف تزيد كوريا الشمالية من تطوير قدرتها النووية، وتعتبر ذلك بشكل صحيح العنصر الأساسي لاستراتيجيتها الخاصة بالردع. من جانبها، سوف تستثمر روسيا المزيد في أسطولها بالمحيط الهادئ الذي يضم غواصاتها الأكثر تقدما وتعمل بالطاقة النووية ومزودة بالصواريخ الباليستية.
الأمر الخطير هو أنه من المرجح أن تعزز أي شراكة بين “الناتو” والدول الأربع التعاون العسكري بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية. ويظهر هذا التعاون، وهو نتيجة ثانوية لدعم “الناتو” لأوكرانيا، بالفعل إشارات على تأثيرات سلبية طويلة الأجل على أمن آسيا. وسوف يمتد مثل هذا التعاون إلى منطقة القطب الشمالي حيث تتمتع روسيا بمزايا عملياتية وإقليمية بشكل كبير على الدول الأعضاء في “الناتو”.
وبينما ربما يستبعد المحللون العسكريون الغربيون مخاوف هذه الدول الاستبدادية بوصفها عديمة الصلة، من الملاحظ أن الكثير من بقية آسيا لا يوافق على ذلك.
وبينما تعرب دول منطقة آسيا والهادئ عن قلقها بشأن الاستقرار الإقليمي، فإنها، مثل الصين وروسيا، تعتبر التدخل الغربي، بما في ذلك “الناتو”، مصدرا لزعزعة الاستقرار.
وتعارض دول جنوب شرق آسيا، على سبيل الماثل، بشكل كبير أي وجود موسع لـ”الناتو” في آسيا لأن هذا سوف يعقد الحوارات الأمنية والدفاعية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالأمن البحري في بحر الصين الجنوبي.
ومن المحتمل أن تعارض بشدة دول مثل ماليزيا وإندونيسيا أي دور أكثر نشاطا للجيوش الأوروبية والأمريكية في جنوب شرق آسيا، خوفا من زيادة التوترات والانقسامات بين الدول الأعضاء في آسيان. ولا يوجد تقريبا أي طلب بين دول جنوب شرق آسيا لتدخل “الناتو” في الشؤون الأمنية الآسيوية.
وبصرف النظر عن هذه العراقيل الاستراتيجية، فإن الفوائد المحتملة لتوسع “الناتو” في آسيا غير واضحة. وتفتقر الدول الأعضاء في الناتو إلى الموارد للتأثير على ميزان القوة في آسيا والهادئ، وهي حتى تعاني في التصدي للعدوان الروسي في أوروبا.
ولن يردع تدخل “الناتو” في البؤر الساخنة الإقليمية مثل شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، دولا إقليمية مثل الصين أو كوريا الشمالية، وكلتاهما قوتان نوويتان ولديهما جيوش أكبر من أي دولة بـ”الناتو” عدا الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، تفتقر الدول الأوروبية الأعضاء في “الناتو” إلى القواعد الصناعية الدفاعية الجاهزة الضرورية لإظهار القوة خارج نطاقها الإقليمي والحفاظ عليها بفعالية.
وعلى الصعيد السياسي، فإن “الناتو” في مفترق طرق، بعدما قضى العامين الماضيين يدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا دون نجاح. وبدأ الدعم العام للحلف يضعف في دول أعضاء رئيسية مثل فرنسا وألمانيا.
وتشكل العودة المحتملة للحكم من جانب الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أشار إلى أنه سوف يعيد النظر في مشاركة الولايات المتحدة في “الناتو”، التهديد الفوري بشكل كبير بالنسبة للحلف.
واختتم ريفيز تقريره بالقول إنه يتعين على قيادة “الناتو” أن تترك الأمن الآسيوي للدول الآسيوية ألتي تعد أكثر دراية بالتحديات الإقليمية وأكثر عزما على التوصل إلى نتائج من خلال المفاوضات بالنسبة للتحديات الأمنية العالقة في المنطقة.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News