اهتدى مهندسو التصفية الذين تصاعدت وتيرة نشاطهم في محيط المحكمة التجارية بالدار البيضاء، إلى حيلة جديدة لتأمين المصادقة على قرار التصفية القضائية لشركات وإنهاء وجودها المادي، إذ لجؤوا إلى خدمات “التقالة”، وهم محاسبون تخصصوا في توظيف مقاولات نشطة لزيادة مديونية الشركات موضوع طلبات التصفية، من خلال نسج معاملات مالية وتجارية مزورة، وإنتاج ديون بمبالغ ضخمة، مستحقة خلال فترات متقاربة، بما يعزز صعوبات المقاولة وعدم صلاحيتها للاستفادة من مسطرة التسوية القضائية.
وعلمت جريدة النهار من مصادر مطلعة استغلال المحاسبين “التقالة” في صياغة طلبات تصفية قضائية على المقاس، من خلال الحرص على ضمان توقف المقاولات عن الدفع، وتوثيق عدم قدرتها على سداد مبالغ الديون المستحقة عليها، خصوصا المرتبطة بالتسيير وتكاليف التشغيل اليومية، موضحة أنهم يشتغلون على تكوين ملف طلب التصفية بناء على حالات واقعية، وعلى ضوء القرارات والإجراءات المتخذة من قبل القضاة المقررين و”السانديك”، إذ يواكبون توجهاتهم في تقدير الوضعية المالية للشركات.
وكشفت المصادر ذاتها ربط المحاسبين الشركات موضوع طلبات التصفية بعقود جارية، قيد التنفيذ، محملة بعقود وبنود جزائية في حالات الإخلال بالالتزامات، خصوصا الأداء وتوفير التجهيزات والخدمات، مؤكدة أن إعداد الوثائق المحاسبية ركز على سد مجموعة من الثغرات التي من شأنها إثارة الشك بشأن الموارد والنفقات الخاصة بالشركات والسيرورة الزمنية لتراجع نشاطها، في سيناريو محبوك لتدهور المؤشرات المحاسبية لهذه الشركات، مع الحرص على طبيعة نشاطها وظروف السوق الفاعلة فيها.
ويخضع فتح مسطرة التصفية القضائية من حيث المبدأ للسلطة التقديرية للمحكمة، فيما تنص المادة 651 من مدونة التجارة على أنه “تفتح المحكمة مسطرة التصفية القضائية تلقائيا أو بطلب من رئيس المقاولة أو الدائن أو النيابة العامة، إذا تبين لها أن وضعية المقاولة مختلفة بشكل لا رجعة فيه”، فيما يؤدي الحكم القضائي بالتصفية القضائية إلى تخلي المدين بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها، بما فيها تلك التي امتلكها بأي وجه كان، ما دامت التصفية لم تقفل بعد، علما أن “السانديك” هو من يتولى ممارسة حقوق المدين وإقامة الدعاوى بشأن ذمته المالية طيلة فترة التصفية.
وأكدت المصادر نفسها تركيز مهندسي التصفية على سد الباب أمام أي متابعة قضائية من قبل مدينين، خصوصا البنوك، في إطار تمديد مسطرة التصفية القضائية في مواجهة مسيري الشركات، وذلك من خلال تدعيم الدفوعات حول عدم مسؤوليتهم عن تدهور الأوضاع المالية للشركات، وتحصين الأصول العقارية التابعة لهذه الشركات من تبعات التصفية، التي تتيح للدائنين باختلاف درجاتهم تحصيل حقوقهم من المقاولة موضوعة مسطرة التصفية القضائية، مشددة على تحويل ملكية الأصول المذكورة بشكل استباقي إلى شركات أخرى قبل التقدم بملف طلب الاستفادة من مسطرة التصفية القضائية.
يشار إلى أن طلبات فتح مسطرة التسوية والتصفية القضائية المرفوعة إلى المحاكم التجارية بالمملكة سجلت ارتفاعا مهما منذ تفشي جائحة كورونا في 2020، إذ كشفت إحصائيات حديثة عن ارتفاع حالات التصفية القضائية للمقاولات بـ 69 في المائة خلال أربع سنوات، تحت تأثير عوامل عدة، ليقفز عدد المقاولات المفلسة من 12 ألفا و400 مقاولة إلى 14 ألفا و300 مقاولة بين 2022 و2023.