اهتدى منعشون عقاريون إلى حيل جديدة لتبييض مبالغ “النوار”، وتمريرها من رادار مصالح المراقبة الضريبية، التي باتت أكثر تشددا في ما يخص الضريبة على الأرباح العقارية، إذ ألزموا مشترين بتوقيع عقود ثانوية إلى جانب عقد البيع الأساسي، الذي يوثق نقل ملكية العقار، وربطوها بأشغال نهائية إضافية travaux de finition، وتجهيزات تحت الطلب، وكذا خصائص وكماليات أخرى؛ فيما تجاوزت قيمة بعض هذه العقود نسبة 25 في المائة من قيمة العقارات المباعة.
وتعرف ظاهرة “النوار” بأنها حيلة يلجأ إليها بعض المنعشين العقاريين من أجل الحصول على مبالغ مالية نقدية إضافية على مبلغ البيع المصرح به لمصالح إدارة الضرائب. حتى في منتجات السكن المدعومة ومحددة السعر، إذ يتم تحصيل هذه المبالغ من المشترين دون التصريح بها، فيما تكبد هذه الظاهرة خزينة الدولة خسائر مالية مهمة، عبارة عن عائدات عن الضريبة على الأرباح العقارية غير محصلة، رغم آليات المراقبة المرصودة من قبل السلطات في هذا الشأن.
ويتركز هذا الشكل من أشكل التملص الجبائي في عقود بيع منتجات السكن المتوسط والراقي، حيث تكون قيمة البيوعات المنجزة عالية، فيما تعزز الإقبال على العقود الثانوية للالتفاف على أداء مبالغ الضريبة الكاملة، بعد دخول الإجراء الخاص بالرأي المسبق حيز التنفيذ، إذ تنص المادة 234 مكررة أربع مرات من المدونة العامة للضرائب على حق الملزم في التقدم للمديرية العامة للضرائب بطلب يرمي الى معرفة الربح الصافي المفروض عليه الضريبة، ومبلغ الضريبة الواجب دفعه عند تفويت عقار، بما يجنبه أي مراجعة ضريبية مستقبلا.
خارج مظلة التضريب
تمكن منعشون عقاريون من تنشيط خزائنهم المالية بدفعات مهمة من السيولة النقدية المتأتية عن طريق العقود الثانوية الخاصة بالأشغال الإضافية والتجهيزات الخاصة، إذ يجد الزبائن أنفسهم مضطرين إلى توقيع العقود المذكورة وأداء مبالغ إضافية لتجنب تكاليف إصلاح وتهيئة مفتوحة، في ظل طلب متزايد على السكن في السوق، التي استعادت جزءا من حيوتها بعد فترة ركود طويلة، إذ تشير الأرقام الصادرة عن بنك المغرب إلى ارتفاع قيمة قروض السكن إلى 244.9 مليار درهم بنهاية ماي الماضي، بزيادة نسبتها 1.5 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية.
وأوضح يونس عرافي، منعش عقاري، في تصريح لجريدة النهار، أن عقود “النوار” تتجاوز سلبياتها صور التهرب الضريبي إلى تشويه الأسعار في السوق العقارية، بحيث تصبح الأسعار المعلنة غير دقيقة وغير معبرة عن القيمة الحقيقية للعقارات، ما يصعب على المشترين والمستثمرين اتخاذ قرارات واضحة بشأن الشراء، مؤكدا أن المشترين والبائعين الذين يشاركون في هذا النوع من الممارسات يواجهون مخاطر قانونية وعقوبات مالية خلال عمليات المراجعة الضريبية المحتلة بعد كل عملية تفويت عقارية، ومشددا على أهمية العمل على تعزيز الشفافية والنزاهة في السوق، من خلال تبني أساليب جديدة للمراقبة إلى جانب النصوص التشريعية والتنظيمية الحالية، وتوعية الزبائن بأهمية الامتثال للضرائب وفوائد ذلك على معاملاتهم المستقبلية.
وذكر عرافي، في السياق ذاته، بمضامين دراسة سابقة لمجلس المنافسة، تحدثت عن تأثير ظاهرة الأثمان السوداء أو “النوار” في رفع أسعار العقارات وتعزيز المضاربة، وعزت تفشيها في المعاملات العقارية إلى التعقيدات المتعلقة بالجانب الضريبي، الأمر الذي دفع الفاعلين الذاتيين والمعنويين إلى التصريح بأسعار أقل من تلك التي يدفعها الزبائن في الحقيقة، موضحا أنه حسب الدراسة ذاتها فنسبة 90 في المائة من المنعشين يلجؤون إلى هذه الصيغة من المعاملات، وبالتالي فنسبة 75 في المائة من معاملاتهم تظل غير حقيقية، منبها أيضا إلى أن النوع المذكور من الممارسات يمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة بين الأطراف المختلفة في السوق، خصوصا المشترين.
خسارة للبائع والمشتري
يشكل اللجوء إلى “النوار” خسارة بالنسبة إلى البائع والمشتري على حد سواء، لعدة اعتبارات مرتبطة بطول فترة البيع، إذ تصبح عملية تفويت العقار أقل سلاسة، لأنه يتعين على المنعش العقاري العثور على مشتر لديه ما يكفي من السيولة ويقبل بهذه الممارسة أيضا، ما يمثل هدرا للزمن ويؤثر سلبا على الحركية التجارية للمشاريع العقارية، فيما تكون هوامش التفاوض أعلى بكثير عندما يتم دفع جزء من ثمن العقار غير مصرح به للضرائب، وهو المبلغ الذي يُعتقد أنه تم توفيره، إلا أنه غالبا ما يضيع في هوامش التفاوض مع المشترين، الذين يتوقعون تنازلات بالمقابل.
وبالنسبة إلى تصريح أحمد أولحسن، وكيل عقاري في الدار البيضاء، فدور الوكيل والوسيط خلال عملية البيع والشراء هو توجيه النصح إلى الطرفين، خصوصا المنعش العقاري، من خلال تذكيره بخطر التعرض لمراجعة ضريبية وملاحقة قانونية، من شأنهما الإضرار بسمعته التجارية في السوق، موضحا أن المشترين الذين يقبلون دفع جزء من ثمن العقار عبر “النوار” يجب أن يدركوا أن عقارهم سيجري تقييمه بأقل من قيمته الحقيقية، إذ سيتم تسجيله وتحفيظه بسعر أقل من سعر السوق، ما سيؤدي إلى تقدير أقل لقيمته عند البيع مرة أخرى، وبالتالي إلى زيادة الضريبة المستحقة على الأرباح العقارية في هذه العملية، ومشددا على أن قبول أداء مبالغ غير مصرح بها للضرائب يمثل مغامرة غير محسوبة بمدخرات ذاتية، عبارة عن عقار.
ونبه أولحسن، في تصريح لجريدة النهار، إلى أن الوكيل العقاري أصبح ملزما بموجب قرار وزاري بوضع منظومة دائمة لليقظة والمراقبة الداخلية، وفقا للنهج القائم على المخاطر المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بغية تدبير وتخفيف حدة المخاطر المحددة، موضحا أن هذا المعطى يجعله مطالبا بالتصريح بالاشتباه، حتى في حالات محاولة التملص والغش الضريبيين، حيث يظل مسؤولا عن التبليغ عن معاملات نقل الملكية التي يجري تضمينها مبالغ “النوار”، ومشيرا إلى التزام الوكيل بمقتضى القرار المذكور بوجوب “إبلاغ السلطة الحكومية المكلفة بالإسكان بأي معاملة تعتبر غير عادية أو معقدة أو مشبوهة”.