إصلاح المؤسسات العمومية .. المغرب يربح ثقة البنك الدولي لرفع نجاعة الأداء

بعد شهر ونيّف على مصادقة المجلس الوزاري (فاتح يونيو 2024)، تحت رئاسة الملك محمد السادس، على “التوجهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة”، مرّت المملكة المغربية إلى السرعة القصوى، التي تَسبق ترسيخ ركائز إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، والرامية، على وجه الخصوص، إلى “إعادة تشكيل المحفظة العمومية وتحسين أدائها وحكامتها”، مع “تعزيز مساهمة القطاع الخاص” في المجهود الاستثماري الإجمالي.

أبرز خطوات هذا المرور تمثلت في اتفاق وُقّع بالرباط، بحر الأسبوع، من أجل الحصول على “تمويل بقيمة 350 مليون دولار” سيضُخّها البنك الدولي في “برنامج دعم تنفيذ إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المغربية”.

الاتفاق الذي وقّعته وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، والمدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بمجموعة البنك الدولي، جيسكو هنتشل، يروم تمويل “البرنامج القائم على النتائج”، والعاكس لالتزامات المغرب الطموحة في مجال إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية بشكل خاص.

كما أنه برنامج يدعم، حسب المعلن عنه في بلاغ لوزارة المالية، “تعزيز الوظائف المساهماتية للدولة وإطار حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية”، و”إعادة تشكيل المحفظة العمومية وتعزيز الحياد التنافسي”، بالإضافة إلى “تحسين تتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، بما في ذلك ما يتعلق بالتأثيرات المناخية”.

التنفيذ سيمتد على مدى خمس سنوات، وقد عُهِد به إلى الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية (ANGSPE)، ومديرية المنشآت العامة والخوصصة، بتنسيق مع كافة الفاعلين المعنيين.

رهان “رفع النجاعة”

محمد الرهج، الخبير المالي وأستاذ علوم الاقتصاد والتدبير، أوضح أن “هذا التوقيع يأتي ليرسّخ عملية مرافَقة/ مصاحَبة خبراء البنك الدولي للمغرب في إطار ورش إصلاحي كبير، استراتيجي الأبعاد والدلالات”، مسجلا أن “قيمة التمويل المعلنة تناهز 3,5 مليارات درهم لإعادة إصلاح منظومة المؤسسات والمقاولات العمومية، وفق ما كان الملك قد نادى به في خطاب شهير عن الموضوع سنة 2018”.

ووضع الرهج، في إفادات بسَطها للجريدة الإلكترونية جريدة النهار، هذا التمويل في سياق “تسهيل دوران عجلة أوراش كبرى تطلّب بدء أشغالها مراجعة هيكلة مؤسسات عمومية حاسمة في المنظومة الاقتصادية المغربية” وفق “منظور ثلاثي”.

وتابع قائلا إن “المنظور الجديد يهم، أولا، مؤسسات عمومية يلزَمها “التصفية القانونية” لأن ميزانيتها تبقى في خسارة، مما يضطر الدولة إلى التدخّل بتقديم مساعدات”.

الفئة الثانية هي “مجموعة مقاولات استراتيجية للدولة يجب أن تبقى في محفظة عمومية للاستثمار عبر مساعدتها بنظام جديد تسيير وتدبير للوصول إلى الأهداف المنتظَرة، خاصة عبر استلهام “نموذج التدبير الخاص”، مع تغيير مفاهيم عملية تهم الافتحاص والتدقيق لمشاريع استثمارية”. أما الثالثة ، يتابع الرهج، فتعني “المؤسسات العمومية التي لها طابع تجاري محض ويجب خوْصَصَتُها لأن الدولة تهتم هنا بكل ما هو استراتيجي وربحي لميزانية الدولة، خاصة في ظل نهج الليبرالية كنموذج اقتصادي، مما قد يرفع تنافسية الخدمات في ظل حرية الأسعار”.

الاستفادة من عوائد المساهمات

وأبرز الخبير المالي في هذا الصدد أن “ميزانية الدولة السنوية يجب أن تضمَن عوائد أسهُم ومساهمات هذه المقاولات العمومية التجارية (قطاعات الاتصالات والنقل مثلا)”، منبّها إلى أن “الإصلاح هنا استدعتْه ضرورة حتمية لأنه مقابل كل 3 دراهم تخرج من الميزانية العامة فإن العائد لا يتجاوز درهما واحدًا”.
وأضاف أن “إعادة هيكلة المؤسسات العمومية بالمغرب ستجعل الوكالة الوطنية المكلفة بالبرنامج التنفيذي تَنتفِع كثيرا من خبرة البنك الدولي عبر مكاتب كبرى للتدبير لتقييم وتصحيح الوضع القائم منذ سنوات”، منوهاً بجعل المهمة في يد “وكالة وطنية تعد فاعلا اقتصاديًا مستقلا ستقوم في إطار صلاحياتها بتسيير وتدبير وتقييم مساهمات الدولة (شراء أو بيع الأسهم أيضا)”.

وتابع قائلا إن “استدماج تقنيات جديدة للافتحاص والتدبير مَبني على النتائج والنجاعة التدبيرية مع منح مدى زمني كافٍ (5 سنوات) يرفع البرنامج إلى مرتبة النجاعة المرجُوة”، مناديا بضرورة “إحصاء وتوطين المقاولات المعنية بشكل دقيق قبل مباشرة الإصلاح”.

“إعادة تعريف أدوار الدولة”

من جانبه، لفت بدر الزاهر الأزرق، الأستاذ الباحث في الاقتصاد وقانون الأعمال، إلى أن “المملكة المغربية ضاعَفت خلال السنوات الأخيرة جهودها على مستوى إعادة تعريف أدوار الدولة وفتح المجال أكثر فأكثر أمام الفاعلين الخواص، مغاربة وأجانب”.

هذه التوجهات التي مضت فيها الدولة المغربية، وفق تصريح الأزرق لجريدة جريدة النهار، “عَززت ثقة مجموعة من الشركاء الأجنبية، خاصة مجتمع المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) لأن أحد أبرز ما كان يُؤاخذ على المملكة هو طريقة تدبير الشأن الاقتصادي في المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي التدخل القوي للدولة بمختلف مؤسساتها وبِنياتها في الاقتصاد ليس فقط على مستوى التدبير الاستراتيجي، وإنما أيضا على مستوى الاستغلال من خلال مجموعة من المؤسسات والمقاولات العمومية”.

وتابع قائلا: “كان هذا الأمر شِبه احتكار بالنسبة للفاعل العمومي، الذي كان فعلا يؤثر على نمو المقاولات المغربية وفي الوقت نفسه يضع مجموعة من العوائق أمام المستثمرين الأجانب”، قبل أن يضيف أنه “منذ سنوات الثمانينيات إلى حدود اليوم كانت هناك مجموعة من الإجراءات ابتداء من الخوصصة ومرورا بتحرير الخدمات ومجموعة من القطاعات الاقتصادية التي كانت تابعة للحكومة، وصولا اليوم إلى مرحلة جديدة من خلال التوجه نحو إنشاء مقاولات فيها مساهمات للحكومة على مستوى رأس المال، ورأسمالها مفتوح أيضا على مساهمات الخواص في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص”.

تعزيز الثقة الدولية

وأبرز الخبير الاقتصادي ذاته أن “تبنّي مقاربة الشراكة، مع فتح مختلف القطاعات أمام الخواص للطاقات المتجددة للصناعات للخدمات المينائية أو غيرها عزَّزَ فعليا منسوب ثقة المؤسسات المالية الدولية، وجعلَها تلعب دورا كبيرًا في تسهيل الولوج إلى مجموعة من التمويلات الاستثمارية التي تظل المملكة المغربية اليوم بحاجة إليها، خاصة أنها بحاجة إلى قروض ومِنح من أجل إخراج مجموعة من الأوراش وإنجاحها (إصلاح الصحة ومنظومة الحماية الاجتماعية..)”.

وأشار إلى أن “المغرب يظل في الوقت نفسه ملتزماً بمجموعة من الاستحقاقات المرتبطة بتنظيم كأس العالم وبطولة كأس إفريقيا وغيرهما. وهي مشاريع استثمارية ضخمة انطلقت في قطاع البنيات التحتية، مما سيجعل الميزانية العامة للدولة بحاجة إلى رؤوس أموال أجنبية وشراكات مع المؤسسات المالية الدولية”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى