خفض بنك المغرب معدل الفائدة الرئيسي بـ0.25 نقطة، ليتراجع من 3 في المائة إلى 2.75، في قرار مفاجئ للمجلس الإداري للبنك المركزي، يستهدف تحفيز الاقتصاد الوطني وكبح ارتفاع أسعار الاستهلاك، وبدرجة أولى إنعاش القدرة الشرائية للمغاربة التي تواجه اليوم ضغوطات غير مسبوقة؛ ما يطرح التساؤل حول فعالية “معدل الفائدة” كإحدى أدوات السياسة النقدية في تحسين القدرات المالية للأسر؟
وكشفت تقارير رسمية عن مؤشرات سلبية بشأن الوضعية المالية للأسر المغربية، حيث أظهرت الإحصائيات النقدية الصادرة عن بنك المغرب مثلا تفاقم مديونيتها لفائدة البنوك بزائد 2.5 في المائة متم ماي الماضي، لتصل إلى حوالي 395 مليار درهم، تمثل القروض الاستهلاكية فيها مبلغ 58.3 مليارات درهم؛ ما يحيل على توجه متسارع للاقتراض من أجل تمويل الاستهلاك، بعد تضرر القدرة الشرائية لهذه الأسر التي صرحت نسبة لا تتجاوز 1.8 في المائة بقدرتها على ادخار جزء من مداخيلها، فيما استنزفت نسبة 42.3 في المائة مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض خلال أول فصول السنة الجارية، وفق أحدث مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط.
وحسب آراء خبراء اقتصاديين، فإن خفض معدل الفائدة الرئيسي جاء مرافقا لتراجع معدل التضخم؛ إلا أن هذا المعدل الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 يونيو الماضي، لم يكن له تأثير فعليا على أسعار المنتجات في الأسواق ولم يساهم في زيادة الأجور، خصوصا في القطاع الخاص.. وبالتالي فهذه الخطوة، من وجهة نظرهم، لا يمكنها دعم القدرة الشرائية للأسر، ليظل السبيل الوحيد إلى ذلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمساعدة الأسر المتضررة، خصوصا من خلال السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ وعلى رأسها الدعم الاجتماعي المباشر والدعم المباشر للسكن وغيرها من البرامج.
معادلة صعبة
جاء خفض معدل الفائدة الرئيسي من قبل بنك المغرب بعد فترة طويلة من الاستقرار النقدي مع معدلات فائدة ثابتة، حيث يتماشى هذا التحرك، الذي قلص معدل الفائدة إلى 2.75 في المائة، مع الانخفاض الأخير في التضخم، الذي يقدر الآن بـ1.5 في المائة للسنة الجارية؛ فيما تهدف هذه الخطوة إلى تسهيل الائتمان وتشجيع الاستثمار الضروري لتعزيز الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا، مع المحافظة على توازنات الميزانية العامة. يتعلق الأمر بمعادلة صعبة تتطلب الموائمة بين إكراهات السياسة النقدية ومتطلبات السياسة الاحترازية.
وأوضح سعيد أزواوي، خبير في الاقتصاد التطبيقي، أن الشائع بين العموم هو ربط القدرة الشرائية بالدخل (خاصة الأجر)؛ غير أنه من الناحية العملية فهذه القدرة تشير إلى كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بواسطة الدخل.
وأكد الخبير ذاته أن الاقتصاديين يميزون أيضا بين الدخل الاسمي (كمية الوحدات النقدية) وبين الدخل الحقيقي (القدرة الشرائية)؛ ما يعني أن زيادة الدخل الاسمي لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين القدرة الشرائية، وهذا ما يمسى بـ”الوهم النقدي”، حيث يعتمد الأمر بشكل أساسي على سلوك الأسعار ومعدل التضخم، وبالتالي يرتبط تطور القدرة الشرائية بشكل وثيق بالفارق بين زيادة الدخل الاسمي وارتفاع الأسعار، حيث عندما تزيد الأسعار تنخفض القدرة الشرائية.
واعتبر أزواوي، في تصريح لجريدة النهار، أن اندفاع الأسر نحو السلع الاستهلاكية مدعوم بالمدخرات الكبيرة التي تراكمت على مدى سنوات، مشددا في المقابل على أن العرض في الأسواق لم يظهر مرونة كافية لاستيعاب تأثيرات التضخم؛ ما يزيد الحاجة إلى وقت أطول وموارد أكثر، حتى تعود سلاسل الإنتاج والتوريد إلى وتيرتها قبل الأزمة.
وأشار المتحدث عينه إلى أن الحكومة مطالبة حاليا بمواصلة دعم القدرة الشرائية للأسر وتحسين وسائل الاستهداف عند توزيع الدعم، بما يضمن توزانا على مستوى تأثير زيادات الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة في الفئات المجتمعية المختلفة.
كبح التضخم
بالنسبة إلى رشيد قصور، خبير اقتصادي متخصص في المالية العمومية، فالمغرب شأنه شأن عدد كبير من الدول عجز أمام التضخم وتراجع القدرة الشرائية، موضحا أنه من الصعب كبح التضخم عندما يكون ناجماً عن الآليات الاقتصادية والجيوسياسية الدولية.
وشدد الخبير الاقتصادي المتخصص في المالية العمومية، في تصريح لجريدة النهار، على أن آلية رفع سعر الفائدة الرئيسي أثبتت عدم جدواها خلال الفترة الماضية، خصوصا أنها تتعارض مع متطلبات الانتعاش الاقتصادي.
في المقابل، نبه المتحدث إلى قصور الإجراءات الحكومية في تخفيف تأثير التضخم على القدرة الشرائية للأسر؛ بما في ذلك تدابير مواجهة آثار الجفاف، ودعم القطاعات الأكثر تأثرا بالأزمة، مثل نقل الأشخاص والبضائع، في ظل استحالة لجوء الحكومة إلى خطوات، من قبيل تقليص الضرائب على المحروقات، بسبب مخاطر اختلال التوازنات المالية.
وقال قصور إن “الحكومة مطالبة بتبني طرق أخرى لتخفيف آثار التضخم على القدرة الشرائية، من خلال تطوير الخدمات العمومية، خصوصا من حيث الكمية والجودة، حيث يتم استهلاك هذه الخدمات بشكل جماعي، ويجري تمويلها من الميزانية العامة، وهي بمثابة المقابل للضرائب الإلزامية المفروضة على الأسر والشركات”، موضحا أن توفير مدارس ومستشفيات عمومية تتماشى مع تطلعات المواطنين سيخفف عنهم عبئا ماليا ثقيلا ويسمح لهم بتغطية النفقات اليومية للطعام والملابس والسكن، وحتى الترفيه والثقافة، بشكل أفضل، مشددا على أن التعليم والصحة يمثلان في المغرب ضرائب إلزامية إضافية غير مباشرة على الأسر.
وتابع الخبير في المالية العمومية أن “الحكومة مطالبة، أيضا، بحماية حرية المنافسة؛ من خلال تحسين الجودة وتخفيض الأسعار، حيث إنها مفيدة لتطور القدرة الشرائية للأسر. كما يتعين عليها التصرف بحزم ضد العوائق التي تعترض حرية المنافسة، خصوصا تلك التي تتضمن تواطؤ الشركات في تحديد الأسعار، وتداخل السياسة مع الاقتصاد”.
وفي السياق ذاته، أشار إلى إمكانية اللجوء إلى ربط الأجور بمعدل التضخم للقضاء على تأثير ارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية للأجراء؛ على غرار الزيادات التي تم إقرارها بموجب الاتفاق الاجتماعي الموقع بين الحكومة والمركزيات النقابية، موازاة مع إعادة النظر في النظام الضريبين بحيث يصبح أكثر توزيعا، ليساهم في تقليل الفجوات في الدخل.