كشفت أولى المعطيات بشأن الحصيلة نصف السنوية لبورصة الدار البيضاء عن أداء إيجابي نسبيا، رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة واستمرار تداعيات موسم الجفاف والتضخم على نشاط السوق المالية، حيث أظهرت الأرقام تطور مؤشر “مازي” بزائد 10 في المائة، ليقفز إلى 13.301 نقطة بنهاية يونيو الماضي.
وبخلاف السنة الماضية، حيث تعرض المستثمرون لاضطرابات مالية، طبع الاستقرار النصف الأول من هذه السنة، حيث شهد السوق مراحل تطور تخللتها توقفات طفيفة؛ ما سمح بنمو منتظم ومستدام، ما وجه رسائل مطمئنة إلى المستثمرين وحفز معاملاتهم، ليبلغ حجم التداولات 36.5 مليارات درهم، مقارنة بـ15.1 مليار درهم خلال الستة أشهر الأولى من 2023، أي أكثر من الضعف.
وظهر انتعاش السوق المالية بشكل أوضح، في الفصل الأول السنة الجارية، حيث زاد الأفراد من مشترياتهم بمقدار 4.8 مرات؛ بينما رفعت هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة والمستمرين المؤسساتيين من مشترياتهم في البورصة، على التوالي، بنسبة 129 في المائة و80 في المائة.
وطبعت تعاملات بورصة الدار البيضاء انتعاشا لأنشطة الرساميل المتوسطة والصغرى، مع ارتفاع قدره 21.34 في المائة لمؤشر “مازي ميد آند سمول كابس”، الخاص بأداء أسعار الشركات الصغيرة والمتوسطة المدرجة في البورصة هذه الديناميكية؛ ما عكس الاهتمام المتزايد للمستثمرين بالشركات المتوسطة والصغيرة، خاصة في القطاع العقاري، مقارنة مع تراجع ثلاثة قطاعات فقط هذه السنة، مقابل تسعة خلال السنة الماضية؛ ما يؤشر أيضا على قوة السوق الحالية.
القطاعات الأكثر انتعاشا
تركزت أهم الارتفاعات في تعاملات بورصة الدار البيضاء بثلاثة قطاعات رئيسية، هي العقار والتعدين والصحة، التي حققت نموا بلغت نسبته، على التوالي، 122 في المائة و41.42 في المائة و39.31 في المائة، بعد تسجيلها مقاومة مهمة في مواجهة تأثيرات التوترات الجيوسياسية (الحرب الروسية على أوكرانيا أساسا)، وارتفاع أسعار المواد الأولية، واضطرابات الإمدادات على مستوى سلاسل القيمة، ليسجل القطاع العقاري أداء تراكميا بـ5.7 مليارات درهم؛ ما جعله في صدارة التغيرات بين 23 قطاعا مدرجا في البورصة.
وفسر خليل محمدي، مستشار مالي في بورصة الدار البيضاء، انتعاش أسهم الشركات العقارية في البورصة، بتطور الإقبال على العقارات بعلاقة مع عوامل متعددة، خصوصا التمويلية.
وفي هذا الصدد، شدد المستشار المالي سالف الذكر على أهمية برنامج الدعم المباشر للسكن في تحفيز الطلب بالسوق، حيث تطورت عمليات نقل الملكية بمختلف أنواع المنتوجات العقارية، موضحا أن انتعاش قطاع التعدين ارتبط باستعادة ثقة المستثمرين، بعد تسجيل ارتفاع أسعار المعادن الأساسية والتوقعات المواتية للسنوات المقبلة، خصوصا المخطط الحكومي الموجه إلى هذا القطاع، والذي يستهدف زيادة مداخيل التعدين غير الفوسفاطي بشكل كبير؛ ما يمثل فرصا واعدة بالنسبة إلى الشركات التعدينية المدرجة.
وأضاف محمدي، في تصريح لجريدة النهار، أن انتعاش قطاع الصحة ارتبط بنمو أنشطة مجموعة “أكديطال” كممثل رئيسي له، حيث حقق تطورا بزائد 39.31 في المائة منذ إدراجها في البورصة قبل 18 شهرا، مؤكدا أن المجموعة وحدها بصمت على أداء استثنائي بنسبة 126 في المائة؛ ما عزز موقعها كرائد للقطاع الصحي الخاص في المغرب، بفضل مؤشرات أداء قوية ومشاريع توسع طموحة، مشددا على أن توقعات المحللين تصب في اتجاه استمرار المجموعة المذكورة في جذب المستثمرين خلال ألأشهر المقبلة.
الأسهم المتعثرة بالبورصة
تميز النصف الأول من السنة الجارية، عموما، بدينامية إيجابية في بورصة الدار البيضاء مدعوما بعوامل اقتصادية مواتية واستعادة ثقة المستثمرين، حيث شهدت البورصة نموا قويا؛ غير أن هذا الأداء الاستثنائي لبعض القطاعات الرئيسية، وإن كان يبشر بمستقبل واعد خلال النصف الثاني من السنة، لم يتمكن من التغطية على الأسهم المتعثرة، وتراجع قطاعات وأنشطة معينة، في انتظار توجهات المستثمرين بناء على مستجدات السياسة النقدية، أي بعد خفض بنك المغرب معدل الفائدة الرئيسي بـ0.25 نقطة، إلى 2.75 في المائة.
وحسب قراءة سهام حموني، محللة بينات ببنك للأعمال في الدار البيضاء، للحصيلة النصف سنوية للبورصة، فالنزاع القضائي حول البنية التحتية أثر على أنشطة شركات الاتصالات والقطاع بشكل عام، ليتراجع بنسبة 9.50 في المائة، موضحة أن التوقعات كانت تشير إلى تطور مهم في القطاع، مدفوعا بنتائج مجموعة “اتصالات المغرب” التي تهيمن على أغلب الأنشطة فيه.
وأشارت حموني، في تصريح لجريدة النهار، إلى تباين منحى أسهم شركات التكنولوجيا منذ بداية السنة، حيث سجلت شركة “أش بي إس” مثلا انخفاضا مهما بنسبة 16.5 في المائة، رغم تطور نشاط شركة “ديستي” بزائد 35 في المائة، موازاة مع تراجع مؤشرات قطاع الورق، من خلال تسجيل شركة من حجم “ميد بايبر” تراجعا بـ7.37 في المائة.
وتوقعت المتحدثة عينها زيادة الأرباح المجمعة للشركات المدرجة في بورصة الدار البيضاء عموما بنهاية السنة الجارية، معتبرة أن منحى الربحية الخاصة بالأسهم الكبرى سيواصل مساره التصاعدي في 2023 و2024.
وأكدت المحللة سالفة الذكر أن الأرباح المسجلة خلال السنة الماضية كانت مدفوعة بتطور مؤشرات مجموعة من القطاعات؛ على رأسها البنوك، التي ساهمت بنسبة 73 في المائة في تطور إجمالي رقم المعاملات القطاعي، مع نمو وصلت قيمته إلى 9.4 مليارات الدرهم، منبهة إلى أن القطاع البنكي أبدى عدم تأثره بعاملي التضخم والجفاف على وجه الخصوص، بعدما تمكن من رفع أرباحه بـ2.6 مليارات درهم، وهو المنحى التصاعدي الأعلى منذ 2026.