أجمع المشاركون في ندوة حول “حماية الحياة الخاصة” نظمتها هيئة المحامين بالدارالبيضاء، نهاية الأسبوع المنصرم، على ضرورة تعديل القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي تم بموجب إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بعد 14 سنة من التطبيق.
وفي هذا الصدد، كشف عمر السغروشني، رئيس اللجنة، أن الأخيرة قدمت مقترحا لتعديل هذا القانون أمام رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وأن الأخير أوكل الأمر لوزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، من أجل مواكبة اللجنة في إعداد مقترح التعديل، وكذا الرقي بعملها، على أن يجري تقديمه أمام الحكومة والبرلمان في نهاية سنة 2024 على الأكثر.
وقال رئيس اللجنة، في الندوة التي نظمت، الجمعة الأخير، إن القانون أصبح مطروحا للتعديل بعد 14 سنة من دخوله حيز التنفيذ خاصة مع التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم والمجتمع المغربي والعالم ككل، وأن القوانين والتشريعات الوطنية في هذا الجانب عليها أن تواكب هذا التطور، من أجل حماية الحياة الخاصة للأفراد، وربما حماية معطيات الأشخاص المعنويين وليس الذاتيين فقط.
وأشار السغروشني، في “تصريح لـ “الصحراء المغربية” أن هذا القانون المنظم للجنة والذي بدأ العمل به منذ سنة 2009، صار اليوم أكثر حاجة لتعديل بنوده قائلا إن “القانون المقبل سيكون متضمنا لخلاصة 14 سنة من عمل اللجنة، وأن التعديل سيمكن من الوصول إلى المستوى الدولي سواء من الناحية القانونية أو العملية الفعلية”، لافتا إلى أن الرقمنة لا يمكن أن تكون، إن لم يكن هناك ثقة وهي صلب عمل اللجنة كمؤسسة وطنية، وبالتالي فإن الهدف الأساسي هو تكريس الثقة الرقمية لتصبح طبيعية في المجتمع المغربي كون الرقمنة مشروعا مجتمعيا”.
وأضاف أن من أهداف التعديل أيضا “توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات، وتقوية العقوبات الزجرية، ليس لإخافة المواطنين وإنما لإمكانية التخفيف المسبق للمشاكل التي يمكن مراقبتها مستقبلا”.
من جانبها، قالت المحامية عائشة كلاع من هيئة الدارالبيضاء، إن مجموعة من الجرائم أصبحت ترتكب في الفضاء الرقمي، بل هناك عصابات منظمة تستخدم الوسائل التكنولوجية من أجل ارتكاب جرائم تمس بالحياة الخاصة وأحيانا كثيرا بالحياة والأمن العام، وبالتالي فإن التشريعات المنظمة التي تحمي الحياة الخاصة، والتي تنبني في أصلها على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو بالحقوق المدنية والسياسية والبيئية ..، يجب تعديلها لتلائم القوانين الدولية، وتلائم التطور التكنولوجي وتطور الجرائم الرقمية الماسة بالحياة الخاصة.
واعتبرت المحامية أن حماية الخصوصية للنساء تمظهرت في الحوادث والأزمات التي كانت فيها النساء عرضة للعنف الرقمي، وتم المس بحياتهن الخاصة ولم تبق منحصرة، كما هو مؤطر قانونا، في المسكن والصورة، بل تحول هذا العنف في حق المرأة للممارسة في الشارع والبيت والعمل والجامعة، مشددة على أن هذه التشريعات جاءت لتحصين وضعية المرأة في إطار المساواة وعدم التمييز، لأن مجموعة من القوانين تتحدث عن حماية الحياة الخاصة في إطار عام وشمولي، في حين أن وضعية النساء لديها خصوصية.
والتمست المحامية، في مداخلتها خلال الندوة العلمية “التفكير في المعالجة على المستوى الموضوعي والإجرائي لحماية النساء في حياتهن الخاصة من العنف الرقمي بملاءمة التشريعات الوطنية مع التشريعات والاتفاقيات الدولية المنخرط فيها المغرب والمصادق عليها”، مشيرة إلى أن “الخصوصية بالطبع تتطلب مجهودا زائدا بالنسبة لحماية النساء والأطفال كفئات هشة لا على مستوى المقتضيات أو الإجراءات”.
من جانبه، أعلن محمد حيسي، نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء، أن الهيئة اختارت مناقشة موضوع خاص ذي راهنية حارقة وهو “الحق في حرمة الحياة الخاصة”، بكل تجلياتها في زمن التطور المتسارع لوسائط التواصل الاجتماعي والتطور الرقمي بسبب تنامي بعض السلوكات غير اللائقة.
واعتبر النقيب، في كلمته، أن الأمر يتعلق بـ”عصب الحرية الشخصية، وركيزة أساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة، ما يقتضي احترام هذا الحق من قبل السلطة والأفراد، وأن تكفل له السلطات تفعيل الحماية الدستورية والقانونية ضد الانتهاك غير المشروع”، مشددا على أن “الحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد حق محمي دستوريا، والتكريس الدستوري لحق معين يكون بغاية ضمان الحماية القانونية له”.
كما أنه حق مسيج بمقتضيات ذات طابع زجري، يقول النقيب، مبرزا أن هذه المقتضيات تكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى أنها تعزز الحماية الجنائية للحياة الخاصة التي سبق إقرارها دستوريا بموجب الفصل 24 من دستور المملكة لسنة 2011، والذي نص صراحة في فقرته الأولى على أن “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة”.