هل يدفع عدم تفعيل آليات مراقبة الجبايات المحلية إلى نقل الاختصاص للدولة؟
مع اقتراب تفعيل “انتقال وعاء رسم السكن والخدمات الجماعية إلى اختصاص الخزينة العامة للمملكة”، في فاتح يوليوز 2024، طبقاً لأحكام المادة السادسة من القانون رقم 07.20 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، انبعث بين المختصين والأكاديميين في المغرب نقاش متجدد حول إصلاح منظومة الجبايات المحلية في الشق المتصل أساساً بـ”مدى انعكاس تحريك مساطر المراقبة الجبائية على تمكين الجماعات الترابية بالمغرب من موارد مالية حاسمة في تمويل التنمية الترابية”.
وبحسب ما استقته جريدة جريدة النهار الإلكترونية من مختصِّين في التشريع الضريبي والمالية العمومية والجبايات المحلية، فإن “الوقت قد حان من أجل نقل اختصاص تدبير باقي الرسوم إلى وزارة الاقتصاد والمالية عبر المؤسسات التابعة لها”، بعدما أبانت الممارسة الميدانية لتدبير وتحصيل الموارد الجبائية منذ سنة 2008 عن استمرار ضعف المداخيل الذاتية وإشكالية استدامتها بشكل قد يحرم الفاعل الترابي المنتَخب من إمكانية كبيرة للمساهمة في دينامية التنمية الترابية، دون انتظار موارد مالية مركزية.
تقاعس في المراقبة
جواد لعسري، أستاذ مختص في المالية العامة والتشريع الضريبي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، يرى أن “القانون المنظِّم قد مكّن الجماعات من آليات متنوعة لتحريك مساطر المراقبة في مواجهة المُلزَمين، سواء منهم الذين يتخلفون عن تقديم إقراراتهم أو لا يصرحون بوعاء الرسم كاملًا أو لا يؤدّون الرسوم المستحقة”، مبرزا “اعتماد المشرّع تقريبا آليات المراقبة نفسها التي سنّها قانون مالية سنة 2007 في مادته الخامسة، والتي أحدثت بموجبها المدونة العامة للضرائب”.
وفي إفادات تحليلية شارحة لجريدة جريدة النهار، تابع لعسري قائلا: “نص المشرّع المغربي في القانون رقم 47.06 المنظِّم للجبايات المحلية على الرسوم المستحَقة لفائدة كل من الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات، وأسندت لكل جماعة سلطةُ تدبيرها”، مؤكدا أنه تم اعتماد “التوزيع المنصوص عليه في المواد 2 و3 و4”.
وبحسب المختص في التشريع الضريبي والمالية العامة، فإنه “رغم الصلاحيات الممنوحة للجماعات في ضوء النصوص القانونية (المواد 149 إلى 160) إلا أن واقع الممارسة بعد 16 سنة من دخول القانون حيز التنفيذ أبان عن تقاعُس أغلب الجماعات في تحريك مسطرة المراقبة التي من شأنها توفير موارد مالية مهمة ستساعد لا محالة في تجويد أداء المرفق العمومي الترابي وتوفير اعتمادات مالية لخدمة التنمية المحلية”.
ورصد لعسري أن “المساطر المشار إليها تعطي الجماعة الترابية المعنية حق فحص محاسبة الخاضعين للرسم وتصحيح إقرارهم وفرض الرسم بشكل تلقائي في مواجهة الممتنعين عن أداء الرسم أو الإقرار به”، مسجلا أن هذه “المساطر من شأنها توفير اعتمادات مالية إضافية لتمويل النفقات العمومية الترابية”.
غير أن المتحدث استدرك بأن “الاعتبارات الحزبية وهواجس الانتخابات الضيقة تتحكم أحيانا في عمل الآمر بالصرف وتشكل عائقا (أحيانا) دون تنزيل القانون”، منبهاً إلى “تعقّد مساطر المراقبة التي تحتاج لتكوين رصين في مواد المحاسبة والقانون، وهو ما يفتقده أغلب موظفي الجماعات”.
كما سجل بأسف أن “مداخيل مالية ترابية مهمة يُتخلّى عنها سنويا بسبب عدم تحريك هذه المساطر من لدن أغلب الجماعات الترابية التي تعول كثيرا على الاقتطاعات الضريبية التي تباشرها الدولة عبر مديرية الضرائب والخزينة العامة للمملكة”، وهي “معادلة تطرح على المشرّع المغربي”، بحسب لعسري، “حلا آخر لوقف هذا النزيف عبر نقل اختصاص تدبير باقي الرسوم إلى وزارة المالية”.
محدودية الموارد الذاتية
لا يذهب عبد العالي اجناح، أستاذ المالية العامة والضرائب بالكلية متعددة التخصصات ببني ملال، في رؤيته وتحليله للموضوع بعيداً عمّا أورده لعسري، مبرزا، بداية، أنه “لا وجود لتنمية دون تنمية التراب الذي صار مفهوم القرن 21 بدلاً من سيطرة مفهوم المدن والحواضر في القرن السابق”، معتبرا أن “إصلاح الجبايات المحلية (أو جبايات الجماعات الترابية) يعدّ ثورة في إصلاح المنظومة القانونية للجماعات الترابية”.
واعتبر اجناح، ضمن شروح مفصلة لجريدة النهار، أن “سياق ذلك جاء موازاة مع إقرار إصلاح نظام اللامركزية وكذا باستحضار محطات كبرى في إصلاح قوانين الجبايات المحلية وتجويدها، خاصة قبل وبعد دستور 2011 “، مسجلا أن “هدف تمويل التنمية الترابية ليس سوى ضمان التوازن والإنصاف وتقليص الفوارق المجالية كهدفٍ ينشده النموذج التنموي للمملكة”.
“لِكي تكون الجماعة مؤهلة لتمويل المرافق المحلية (صحة وتعليم ومنشآت…) جاءت القوانين التنظيمية حسب مبدأ التفريع لتمنحَ إدارة القرب للجماعة الترابية، وليس الدولة (على مستوى المركز)”، يوضح أستاذ المالية العامة والضرائب، قبل أن يؤكد معطى “ضُعف مردودية الموارد الجبائية الذاتية سواء من حيث نسب التحصيل أو المراقبة التي تشوبها نقائص”.
واعتبر أن “الترسانة القانونية للجبايات المحلية المقسَّمة عبر تدبير بين مقتضيات قانون 47.06 والثاني 39.07 تزيد من الإشكاليات المطروحة”، رغم تشريع يقضي بمراجعة قواعد بعض الأوعية الجبائية لبعض الرسوم المحلية من أجل تقوية المداخيل الذاتية للجماعات الترابية، وكذا التنصيص على تقوية عملية التحصيل لبعض الرسوم المحلية، ومراجعة التحفيزات الجبائية”.
فضلا عن “شبه غياب للإدارة الضريبية المحلية في الهيكل التنظيمي لجماعات ترابية مغربية”، (وهو الإشكال الذي سبق للمجلس الأعلى للحسابات التنبيه إليه في تقرير سنة 2015)، يذكر الخبير المختص، موردا أن “ما مجموعه 21 رسْما محليا تدبّرها الجماعات بشكل ذاتي تظل تكلفة تدبيرها أعلى من مردوديتها (تمثل فقط 20% من إجمالي مداخيل الجبايات”، بشكل “يُضعف مردودية الموارد الذاتية للجبايات المحلية لسبب رئيسي هو الهاجس الانتخابي السياسوي الضيق في تسيير بعض الجماعات”.
كما أضاف إشكالا آخر مفاده أن أكثر من 70% من رسوم الجبايات المحلية منحصِرة في كونها ذات طابع حضري أساسا، ما يزيد من حدة المعيقات التي تتوزع “بين القانوني والتدبيري”، بحسبه.
“توصيات مقترحة”
مقترحاً بعض مسارات الحلول الممكنة، يرى الخبير ذاته أن “تقوية مردودية الجبايات الجماعات الترابية يجب أن تذهب أولا للجواب بشكل حاسم عن سؤال “مُدبّر الجبايات” بين مديرية الضرائب وخزينة المملكة بشرط تجميع هذه الرسوم، أو العمل على تخويل تحصيلها إلى المديرية العامة للجماعات الترابية”، قبل أن يرجّح “صواب الخيار الأول”.
في السياق نفسه، أشار اجناح إلى ضرورة “إعادة النظر في نظام الموازنة العمودية (بين الدولة والجماعات الترابية) والأفقية (بين الجماعات الغنية والفقيرة) لأن أغلب الجماعات تغيب عنها الممتلكات العقارية أو الأنشطة الاقتصادية الخاضعة للجبايات”.
واستحضر “تدابير تشريعية” نصت عليها المادة 9 من القانون الإطار للإصلاح الجبائي (2019) بهدف “ترشيد وتوضيح وعاء وأسعار جبايات الجماعات الترابية”، و”تبسيط جبايات الجماعات الترابية من أجل ضمان حصولها على موارد بشكل دائم من خلال التجميع التدريجي للرسوم المطبقة على الممتلكات العقارية وتلك المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية”، مسجلا ضرورة الإسراع في “اتخاذ الدولة التدابير التشريعية والتنظيمية الضرورية لوضع نمط حكامة جبائية مناسب للجماعات الترابية” (المادة 10 من القانون الإطار).
كما أوصى أستاذ الضرائب بجامعة بني ملال بـ “إنشاء مرصد للجبايات لتقييم الأثر السنوي الاقتصادي والاجتماعي في كل جماعة”، مع “إدماج قوانين الجبايات الترابية ضمن المدونة العامة للضرائب” عبر اعتماد مساطر جبائية موحَّدة من حيث المراقبة الجبائية والمنازعات”.
“إعادة النظر في معايير توزيع نسبة 30% من الضريبة على القيمة المضافة من الدولة على الجماعات، أصبحت مُلحّة”، وفق المتحدث لجريدة النهار، خاتما بأن “تحقيق الإنصاف المجالي/الترابي يجب أن يراعي استدامة مالية الجبايات الترابية”.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News