دعت هيئة تحرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية العريقة الجمعة الرئيس جو بايدن إلى الانسحاب من السباق إلى البيت الأبيض غداة مناظرته مع منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
وكتبت الصحيفة في افتتاحية نشرت مساء الجمعة “بايدن كان رئيسا مثيرا للإعجاب. في ظل قيادته، ازدهرت الأمة وبدأت في معالجة سلسلة تحديات طويلة الأمد، وبدأت الجروح التي فتحها ترامب في الالتئام. لكن أعظم خدمة عامة يمكن أن يؤديها بايدن الآن هي أن يعلن أنه لن يستمر في الترشح لإعادة انتخابه”.
بدوره قال الكاتب السياسي الأمريكي دوج باندو إن معظم تصرفات أي رئيس والكثير من خطوات أي مرشح رئاسي يتم تخطيطها وتصميمها بعناية فائقة. ولهذا، فإن أي هفوات بسبب لحظات غير مكتوبة أو ترجل غير متوقع عادة تخيم بظلالها على مسار أية حملة. وكانت المناظرة الرئاسية الأخيرة مثالا لذلك.
وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأمريكية، سجل باندو، كبير الباحثين بمعهد كاتو للدراسات السياسية والمساعد الخاص السابق للرئيس الأسبق رونالد ريغان، أنه لم يكن هناك قدر كبير من الموضوعية في المناظرة سالفة الذكر؛ فالمرشحان مسرفان كبيران، رغم أن جو بايدن أسوأ بدرجة كبيرة. فهو سياسي أصبح متوحشا ماليا، وجعل الولايات المتحدة تواجه عجزا سنويا قدره 2 تريليون دولار- دون أن تكون هناك أزمة مالية، أو جائحة فتاكة، أو حرب ساخنة. وبدون تغيير جاد في السياسة، يمكن أن يصل الدين الفيدرالي إلى ضعف إجمالي الدخل المحلي بحلول منتصف القرن.
والمرشحان ملتزمان بإدارة العالم بغض النظر عن المخاطر، واعتمادا على تحالفات واشنطن العتيقة والباهظة التكاليف. ومع ذلك، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب ينتقد من حين إلى آخر على الأقل الدول الصديقة التي لا تشارك أمريكا في التكاليف بقدر كاف. والوضع الدولي أسوأ الآن مما كان عليه عندما تولى بايدن منصبه؛ لكن زعم ترامب بأنه سوف ينهي حرب أوكرانيا إذا ما تولى الرئاسة هو خيال أكثر منه واقع.
وبدلا من التحدث عن جوهر المناظرة، تتحدث كل واشنطن عن أداء بايدن الذي كان كارثيا. ولا يعني هذا بالضرورة أنه خسر الانتخابات- فأربعة شهور توفر لترامب الوقت الكافي لاستعادة منصبه بتذكير المواطنين ذوي الميول السياسية المعتدلة بسبب عدم رغبتهم في أن يتولى ترامب المنصب أربع سنوات أخرى. ومع ذلك، فإنه من الصعب تخيل فوز بايدن دون أن يفعل ترامب سياسيا ما كان يفعله المقاتلون اليابانيون من قتل أنفسهم خوفا من الهزيمة.
وهناك ثلاث نقاط رئيسية يمكن استخلاصها من المناظرة. الأولى، والتي فقدت إلى حد كبير في الثرثرة حول تصرف بايدن كرجل عجوز يبدو مرتبكا، هي أن ترامب كان بشكل مدهش، وحتى صادم منضبطا. ومن المؤكد أن الوضع لن يستمر كذلك حتى الخامس من نونبر المقبل. وعلى أية حال، فقد تجنب ترامب تكرار أدائه الكارثي الذي بدر منه منذ أربع سنوات، حيث تجاهل القواعد المتفق عليها ووجه إهانات إلى بايدن. ويبدو واضحا أن ترامب يستطيع التصرف لصالح مصلحته عندما يتعلق الأمر بالفوز في الانتخابات. وهذا يعني أنه قد يدير حملة أكثر تركيزا وذكاء حتى نونبر، رغم التوقعات بعكس ذلك وواسعة الانتشار.
أما النقطة الثانية، وهي الأوضح، هي أن بايدن لا يصلح لأن يكون رئيسا. والآن سوف ينتقل عجزه من الادعاء السياسي إلى الحملة الانتخابية. وسوف يتم تفسير أي غمغمة أو تعثر في المستقبل في ضوء أدائه المرتعش في المناظرة.
وأضاف باندو أنه بطبيعة الحال لا تعني مناظرة سيئة واحدة أن بايدن لا يستطيع اتخاذ قرارات سياسية مهمة. ومع ذلك، فإنها تعني فعلا أنه غير لائق لأهم منصب في العالم، وأنه على الأقل أحيانا – وربما غالبا- غير ملائم عقليا لهذا المنصب. والكل يعرف أن حالته سوف تزداد سوءا بكل تأكيد.
والنقطة الثالثة، وربما الأسوأ بالنسبة لبايدن، هي أن أنصاره هم الذين يشككون علانية في صلاحيته؛ لأن يكون رئيسا الآن، حتى قبل يناير، موعد بدء فترته الجديدة في حالة فوزه. ومن ثم، فإن الديمقراطيين الذين أفزعهم أداء بايدن، والذين يرون أنه ليس هناك أمل في فوزه، ليس فقط قد لا يصوتون لصالحه؛ ولكن ليس من المرجح أيضا أن يقدموا مالا لإعادة انتخابه.
وعلاوة على ذلك، فإن الحديث عن بديل لبايدن سيدفع إلى مناقشة موضوعية لكل القضايا. وهي: هل هناك فرصة لأن يتخلى بايدن عن ترشحه؟ هل هناك وسيلة لإرغامه على ذلك؟ كيف ستتم العملية؟ ومن الذي سيكون البديل؟ ويقول باندو إن أي نقاش يركز على هذه المخاوف وما شابهها يعزز قضية العجز ويشتت الحملة الانتخابية.
وسجل باندو أنه من الواضح أن كل هذا لصالح ترامب بدرجة كبيرة؛ ولكن ما زالت فترة الأسابيع الثمانية عشر فترة طويلة في مجال السياسة. فقد يرتكب ترامب خطأه الفادح؟ أو ربما ينتهي بايدن- بمعنى الكلمة أو مجازا – مما يرغم على حدوث تغيير بالنسبة لمرشح الحزب الديمقراطي. وفي هذه الحالة سيظل من الممكن أن يفوز الديمقراطيون، إن لم يكن بايدن.
واختتم باندو تحليله بالقول إن فزع الديمقراطيين له ما يبرره مع ذلك. والأمر المرجح تماما هو أن بايدن سيقدم القليل من حالات الأداء المكررة. وسوف تتسارع الحملة، ولن يكون لديه الوقت الكافي لإصلاح صورته. وفي هذه الحالة من المرجح أنه سوف يتم حسم الانتخابات دون اهتمام كبير بالتحديات الكثيرة الخطيرة التي تواجه أمريكا في السنوات المقبلة. وكلما زادت مدة تجاهلها، كلما كانت الكارثة التي سوف تواجه الأمريكيين في المستقبل أكبر وأكثر تأكيدا.