بعدما ارتقى مدارج الاقتصاد المغربي، متربعاً في السنوات القليلة الأخيرة على صدارة القطاعات المصدرة في هرمية الميزان التجاري للمملكة، يستمر قطاع صناعة السيارات في إظهار أداء يزداد بريقاً عالمياً، بحضوره ضمن إستراتيجيات وخطط مستقبلية لمعظم المجموعات الرائدة المصنعة للسيارات.
آخر هذه المجموعات المتخصصة كانت “ستلانتيس” التي لم تُخف عبر مسؤول عملياتها في الشرق الأوسط وإفريقيا أهدافها الطموحة بحلول نهاية العقد الحالي، التي يمر جزء منها عبر وحداتها وتجهيزاتها الصناعية الحاضرة في المغرب.
وبحسب ما كشف عنه مسؤولو المجموعة نهاية الأسبوع الماضي، خلال فعالية “يوم المستثمر 2024″، فإنها تطمح إلى أن تصير “الرائدة في السوق بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بحلول عام 2030”.
تعزيز المكانة “رائداً إقليميًا” في صناعة السيارات يستند إلى مرتكزات “حصة السوق، الربحية، والقدرة التنافسية”، بحسب ما صرح به مدير عمليات مجموعة “stellantis” في الشرق الأوسط وإفريقيا، سمير شرفان، مبرزا أنها تنتهج “إستراتيجية ‘التوطين العميق’ (Deep localization) الموزعة على 3 أسس، هي ‘الموظفون المحليون ذوو المؤهلات العالية’، و’الإنتاج’، ثم ‘التوريد المترسخ بالمنطقة’”.
المغرب معنيٌ في هذا الشق بشكل مباشر بتفاصيل “الإنتاج”، حسب المعطيات التي كشفت عنها المجموعة العالمية، إذ من المتوقع أن يفرض بَلدان رئيسيان في صناعة السيارات قدرتيْهما في إطار هذه الإستراتيجية؛ وهما المغرب وتركيا.
“مع تكاليف اليد العاملة التي يمكن مقارنتها تقريبًا بتكاليف العمل في الصين سيوفر هذان البلدان 80% من الإنتاج سنة 2027، أي 800 ألف سيارة/مركبة، مع طاقة إنتاجية تبلغ 1 مليون وحدة. وسيتم إنتاج ما مجموعه 17 صنفاً ونطاقا للسيارات (Gammes) تغطي جميع القطاعات الرئيسية (سيارات مدمجة وسيارات الدفع الرباعي والمركبات متعددة الاستخدامات…) للحصول على أكثر من 90% من إمكانات الربح”، يؤكد المسؤول الإقليمي عن التشغيل والعمليات، متحدثا خلال “يوم المستثمرين”.
وبالنسبة للمكونات، حسب المتحدث ذاته، سيتم أيضًا رفع “هدف المشتريات المحلية” من المكونات والتمويل ليبلغ 90 في المائة بحلول عام 2030 (بعد 30% الحالية)؛ “وبالتالي فإن هدف إنتاج مليون مَركبة سيتضاعف بعامل آخر يتشكل بأزيد من 80 في المائة من المكونات المحلية (نسبة الاندماج المحلي)”.
في هذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة، المليئة بالإمكانات، تتوفر مجموعة “Stellantis”، المصنفة حاليا في المرتبة الثانية وفقا لما أكده مدير عملياتها في الشرق الأوسط وأفريقيا، على “مؤهلات قوية، وشبكة مبيعات كاملة مع أكثر من ألفيْ نقطة للمبيعات وخدمات ما بعد البيع، ثم شبكة تصنيع قوية مع تسعة مصانع، وصلت طاقتها الإنتاجية إلى 750 ألف وحدة عام 2023”.
مناطق وبلدان الشرق الأوسط وتركيا والمغرب الكبير وجنوب إفريقيا هي “الأسواق الرئيسية التي تستهدفها مجموعة السيارات متعددة الجنسيات، بحجم إجمالي قد يصل إلى 4 ملايين وحدة؛ مع الوصول إلى امتلاك حصة سوق تبلغ 22% بحلول 2030″، وفق المعطيات ذاتها.
منصة متميزة
تعليقاً على الموضوع يلفت المحلل الاقتصادي رشيد ساري إلى أن هذه “المجموعة العالمية تريد أن تستمر في إنتاج السيارات لكن بمعايير جد محددة ومضبوطة؛ وربّما هذا ما يؤهل المغرب وتركيا لأن يستجيبَا لمتطلبات هذه الشركة الرائدة”.
وسجل رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، في شروح بسطها لجريدة النهار، أن “هذه المعايير التي تعد مكاسب للمغرب تتمثل أبرزها في العنصر البشري المؤهل ببلادنا، بتكلفة ليست مرتفعة، ثم ضمان الإنتاجية الكبيرة في أفق 2027 بإنتاج مشترك مع تركيا يصل إلى 800 ألف وحدة”، قائلا إن هذه الإنتاجية “لا يمكن أن تأتي عبثاً، ولكن يجب التوفر على منصة صناعية جد مهمة مثل تلك التي يمتلكها المغرب”، ومنوها إلى “التوفر على إمكانيات التوطين والمناولة، وهو ما يلعبه المغرب بشكل رائد”.
وعن توقعات “واعدة” للمجموعة (تقريبا في أفق 2030 مضاعفة أرباحها) علّق ساري بأن ذلك “ثمرة اعتمادٍ كبير على القدرات التي يمتلكها المغرب عبر منصته الصناعية؛ فبعد أن قام بتوطين مقاولات فرنسية نشهد اليوم توطين مقاولات أخرى متعددة الجنسيات”، واصفا ذلك بـ”جد الإيجابي”.
مكاسب للاقتصاد
ذكر المحلل الاقتصادي المتابع لديناميات الصناعة الوطنية أن “مساهمة قطاع صناعة السيارات بحلول 2030 سيبلغ أكثر من 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛ أي ربُع اقتصاد المغرب”، وقال: “هذه الدينامية التي نعيشها اليوم مع الثقة التي نحظى بها لم تأت اعتباطاً، ولكن نتيجة مجموعة من المجهودات، أوّلها العامل البشري جد المؤهل، إذ يتوفر المغرب على أطر ومهندسين، خاصة مهندسي التصاميم، مع توفير مجموعة من المختبرات العاملة في المجال، وتكوينات مستمرة لمجموعة من العاملين. ونحن نعمل ضمن إستراتيجية صناعية تتطور يوما بعد يوم وبصدد دخول غمار تصنيع جديد”.
ونوّه المتحدث لجريدة النهار بـ”اعتماد المجموعة الرائدة التزود المحلي بقطع الغيار غير المستوردة، أي تلك التي يتم تصنيعها محليا؛ وهي نقطة لصالح المغرب بشكل كبير تخدُم نمُوَّه”، مستدلا بأن “هذه المشاريع ترفع نسبة إدماج قطاع السيارات من نطاق حالي بين 56 و69% إلى فتح الباب واسعا أمام اندماج محلي أكبر في وقت أقل”، حسب تعبيره، مستحضرا استثمار أكثر من 12.8 في مصنع البطاريات الكهربائية بالقنيطرة.
وتابع المحلل ذاته بأن “تصنيع أغلب مكونات السيارات محلياً سيجني من ورائه الاقتصاد المغربي مجموعة من فرص الشغل”، خالصا: “كما يُعفينا من استعمال العملة الصعبة في استيراد المواد من الخارج، مع منح المغرب استقلالية أكبر، بما يدفع إلى التفكير جدياً في صناعة السيارات الكهربائية الحاملة لعلامة صنع في المغرب”.