“بيزنس جديد”.. رجال أعمال يشترون مشاريع عقارية جامدة بأسعار منخفضة

في الوقت الذي ينتظر عدد من المنعشين العقاريين فصل الصيف من أجل تحفيز الطلب وتصريف مخزوناتهم العقارية، يراهن فاعلون اقتصاديون آخرون على تعثر هؤلاء المنعشين وتوقف أوراشهم لشراء المشاريع العقارية الجامدة بأسعار منخفضة وإعادة توجيهها واستغلالها لتحقيق أرباح مهمة. يتعلق الأمر بـ”بيزنس” جديد ما فتئ يجد مكانه في الدار البيضاء تحديدا، حيث يترصد رجال أعمال توقف مشاريع من أجل ربط الاتصال بالشركات المالكة لها والتفاوض حول شروط اقتنائها بممتلكاتها الثابتة والمنقولة، وكذا ديونها لفائدة الموردين، وحتى البنوك في بعض الحالات.

وتظهر الإحصائيات النقدية الصادرة عن بنك المغرب ارتفاع إجمالي القروض العقارية بـ1.1 في المائة متم أبريل الماضي، لتستقر عند 304.4 مليارات درهم، منها 54.3 مليار درهم عبارة عن قروض لفائدة المنعشين العقاريين، بزيادة نسبتها 4 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، إلا أن هذه الأرقام تخفي واقعا آخر مرتبطا بالوضعية المالية لشركات البناء والأشغال، السبب المباشر في توقف وتجميد عدد كبير من الأوراش العقارية، حيث يلجأ المنعشون، خصوصا الكبار منهم، إلى المناولة وتفويض شركات لتدبير الأشغال، قبل أن يتفاجؤوا بمجموعة من المشاكل التي تؤدي إلى تعثر سير مشاريعهم العقارية.

وتنوعت أسباب تجميد المشاريع العقارية بين أعمال بناء غير مطابقة للمواصفات حالت دون حصول مشاريع على ترخيص المطابقة والسكن، وأخرى موضوع حجوزات بنكية، بسبب عجز منعشين عن سداد أقساط قروض لفائدة البنوك، وكذا شركات بناء تسببت في عدم استكمال الأشغال، بعد نشوب نزاعات قانونية مع الجهة صاحبة المشروع، أو إعلان إفلاسها لاعتبارات مرتبطة بغلاء أسعار مواد البناء وعدم تحمل تكاليف أجور العمال وكراء الآليات، علما أن هذه الأسباب تعكس جانبا من واقع القطاع العقاري، الذي ينادي الفاعلون فيه بإخراج إطار تشريعي ينظم مهنة “المنعش العقاري”.

مكاسب الشراء

إذ كانت القاعدة في عالم التجارة أن مبلغ الربح يتوقف على كلفة الشراء، فإن عددا من المستثمرين الجدد في المشاريع العقارية الجامدة يستعينون بمكاتب محاسبة وافتحاص للاضطلاع على الوضعية المالية الحقيقية للمشروع قبل اتخاذ قرار شرائه، حيث يجري استغلال حاجة البائع، الذي يكون مدينا متعسرا، إلى السيولة النقدية، من أجل الحصول على أفضل سعر يتيح تحيق أرباح مهمة عند الاستثمار، فيما يباشر المشتري اتصالات مع الجهات الدائنة بالمشروع، سواء البنوك أو الموردين أو الشركات المناولة، للتفاوض معهم حول صيغة لسداد مبالغ الدين، مع الاستفادة من تخفيضات على المبالغ الأصلية وغرامات التأخير المرتبطة بها في أغلب الأحيان.

وأوضح يونس الطويل، منعش عقاري، أن شراء المشاريع العقارية الجامدة يتجاوز هدف تحقيق الربح إلى تعزيز الثقة في القطاع والفاعلين فيه، ذلك أن توقف مشروع هو خسارة للملاك والشركات العاملة فيه وخزينة الدولة، وبشكل أكبر الزبائن الذين يودعون مبالغ تسبيق مهمة في حسابات الشركات العقارية ويواجهون مخاطر متعددة في الحصول على عقاراتهم داخل الآجال المحددة، مؤكدا أن الممارسة على أرض الواقع لا تعترف بعقود شراء عقار في طور البناء (VEFA)، حيث يضطر طالبو السكن إلى تقديم تسبيقات مالية مهمة، تصل في بعض الأحيان إلى ثلث قيمة العقار، مقابل الحصول على وصل فقط.

وأضاف الطويل، في تصريح لجريدة النهار، أن عددا من مقتني المشاريع العقارية الجامدة عمدوا إلى تعويض زبائن وقاموا بهدم بنايات قائمة وحولوا هويات هذه المشاريع من السكن إلى الاستثمار المهني، من خلال بناء فضاءات للمكاتب والأعمال والفندقة، موضحا أن جهل بعض أصحاب الرساميل بخصوصية القطاع العقاري ورطهم في مشاريع لم يكتب لها أن تخرج إلى حيز الوجود، كبدتهم خسائر مالية مهمة، مشددا في السياق ذاته على ضرورة تنظيم القطاع وإعداد قانون خاص بمهنة المنعش العقاري لغاية تفادي مجموعة من المشاكل التي تضر بمصالح الفاعلين في هذا القطاع الحيوي، والمتعاملين معه، خصوصا البنوك، وتحرم خزينة الدولة من مداخيل ضريبية مهمة.

هندسة المديونية

تخضع هندسة الديون من قبل المستثمرين في شراء المشاريع العقارية الجامعة لمجموعة من الأحكام القانونية والإجراءات التدبيرية والتفاوضية، التي تهدف إلى ضمان الشفافية وأمان المعاملات المالية عند الشراء، حيث تلعب آليات مثل شراء الحصص والمخارجة بالأصول، وكذا تقسيط مبالغ الديون وكمبيالات الضمان وغيرها، دورا حيويا في حماية الدائنين والمشترين، الذين يلجؤون في هذا الشأن إلى خدمات شركات محاسبة واستشارة متخصصة لمواكبتهم في هذا النوع من عمليات الشراء، في سياق حماية مصالحهم وضمان تحقيق الاستفادة القصوى من الاستثمار، وتجنب أي نزاع قانوني يمكن أن يعطل مسار العملية.

وبالنسبة إلى سليم شهابي، مستشار مالي وبنكي، فإن مصالح تدبير المخاطر بالبنوك بعثت بإشارات مقلقة خلال الفترة الأخيرة حول تنامي حجم المحجوزات عن عمليات تحصيل لديون معلقة الأداء بذمة منعشين عقاريين، ما ورط هذه البنوك في مخزون ضخم من الأصول العقارية المادية غير قابل للاستغلال، في ظل ظروف السوق العقارية الحالية، المطبوعة بتراجع الطلب، موضحا في تصريح لجريدة النهار أن الهندسة المالية للديون تظل خيارا استراتيجيا أمام المؤسسات الائتمانية لضمان نجاعة تحصيل ديونها، خصوصا أن الفترة الماضية أظهرت فشل محاولات دخول مؤسسات بنكية كشريك في مشاريع عقارية ضمن مخططات لإعادة الهيكلة، على اعتبار أن الإنعاش العقاري ليس مهنة للبنك، ولا يمتلك فيها الخبرة الكافية.

وأيدت زينب ساريجي، مهندسة متخصصة في التدبير العقاري، المعطى المذكور، بالتأكيد على أن تورط البنوك في ممارسة نشاط الإنعاش العقاري محفوف بالمخاطر، مشددة على أن المؤسسات الائتمانية الأجنبية التي سبقت نظيرتها المغربية إلى هذه التجربة، استعانت بشركات متخصصة في التدبير العقاري، ولم تستهدف في مخططات إعادة الهيكلة تحقيق أرباح، وإنما تحصيل مبالغ التمويلات التي منحتها، مشيرة، في تصريح لجريدة النهار، إلى أهمية تدبير المخاطر في حالة الصعوبات المالية، حيث يتعين تبني الأسلوب الأمريكي الرائد عالميا في هذا الشأن، الذي يتيح لمستثمرين إمكانية شراء حصص وديون في المشاريع المتعثرة، وإحداث قيادة مشتركة لهذه المشاريع، إلى حين إخراجها من أزمتها وتحقيق أهدافها، قبل تقاسم الأرباح بناء على قيمة المساهمة.

Exit mobile version