توقعات دولية بتراجع نمو الاقتصاد المغربي .. وحرب غزة تزيد “عدم اليقين”

غير بعيد عن توقعات “تحديث آفاق الاقتصاد العالمي”، الصادرة خلال “اجتماعات الربيع” بتنظيم مشترك بين صندوق النقد والبنك الدوليين، التي ارتقبت أن يسجل المغرب نموا اقتصاديا سنويا بنسبة 3,1 في المائة برسم سنة 2024، قبل أن يزيد بشكل طفيف إلى نحو 3,3 في المائة عام 2025، برزت توقعات جديدة لمجموعة البنك الدولي حول نسبة النمو الاقتصادي بالمغرب لهذه السنة، مع تقديرات محيَّنة لسنتيْ 2025 و2026 ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفریقیا.

وأفادت معطيات وبيانات واردة ضمن “تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية” لنسخة يونيو 2024 (Global Economic Prospects) بأن اقتصاد المغرب من المتوقع أن يحقق متم السنة الحالية نسبة نمو في حدود 2,4 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي (ﺑﺄﺳﻌﺎر اﻟﺴﻮق؛ أي ﺑﻤﺘﻮﺳﻂ أﺳﻌﺎر اﻟﺪوﻻر اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ ﻓﻲ الفترة 2019-2010)، مبرزا أنها نسبة محتسبة “ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻘﻮﯾﻤﯿﺔ”، قبل أن يرتفع إلى “3.7 في المائة سنة 2025، و3.3 في 2026”.

وبحسب ما طالعته واستقرأته جريدة جريدة النهار، انطلاقا من التقرير ذاته، فإن ملخص “التوقعات الإقليمية” فسّر هذا الانخفاض المتوقع إلى 2.4% بما وصفها خبراء البنك الدولي بـ”معاناة اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﺘﻮردة ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﻧﺸﺎط اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص”، مرجعاً اﻟﺴﺒﺐ في ذلك، “ﺟﺰﺋﯿﺎً”، إﻟﻰ “أثر ارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺘﻀﺨﻢ”، وكذا “اﻧﻜﻤاﺶ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻔﻼﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب أواﺋﻞ ﻋﺎم 2024″، مع إشارته التوقعية إلى أن “ﯾﺘﺮاﺟﻊ النشاط (القطاع الخاص) ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻋﺎم 2024”.

ومن الواضح أن تقرير تحديثات شهر يونيو الجاري للاقتصاد المغربي من طرف البنك الدولي “ربما لم يَستدمج الأثر الإيجابي المرتقب”، الذي كان خبراء اقتصاديون مغاربة ترقّبوه إثر تساقطات مطرية متأخرة زارت أراضي المملكة نهاية شهر مارس وبداية أبريل 2024.

وبحسب إشارة منهجية دالة ذُيّلت بها البيانات لفتت إلى أنه “ﯾﺠﺮي ﺗﺤﺪﯾﺚ ﺗﻮﻗﻌﺎت اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار وﻓﻘﺎً ﻟﻤﺎ ﯾُﺴﺘﺠﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أو ﯾﻄﺮأ ﻣﻦ ﺗﻐﯿﺮات ﻓﻲ اﻟﻈﺮوف (اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ)؛ وﻣﻦ ثمَّ ﻓﺈن اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت اﻟﻮاردة ھﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاردة ﻓﻲ وﺛﺎﺋﻖ أﺧﺮى ﻟﻠﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ، ﺣﺘﻰ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﻘﯿﯿﻤﺎت اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻵﻓﺎق اﻻﻗﺘﺼﺎدات ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻛﺒﯿﺮاً ﻓﻲ أي ﻟﺤﻈﺔ زﻣﻨﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ”، منبهة إلى أنه “ﯾﺘﻢ ﻋﺮض اﻟﺒﯿﺎﻧﺎت ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﺗﻜﻠﻔﺔ ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻧﺘﺎج”.

وعند مقارنة المغرب مع تنبؤات واردة ضمن التقرير ذاته الذي يهم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تخص اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﺘﻮردة ﻟﻠﻨﻔﻂ بـ”MENA”، “ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أن ﯾﺰﯾﺪ ﻣﻌﺪل اﻟﻨﻤﻮ ﻋﺎم 2024 إﻟﻰ 2.9% ﺛﻢ إﻟﻰ 4% ﺳﻨﻮﯾﺎً ﻓﻲ 2026-2025″، بحسب النص.

اقتصاد النفط ينتعش

ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أن ﯾﻨﺘﻌﺶ اﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ وﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﻟﯿﺼﻞ إﻟﻰ 2.8 في المائة ﻋﺎم 2024 ثم 4.2 ﻓﻲ المائة ﻋﺎم 2025. وﯾﺮﺟﻊ ذﻟﻚ أﺳﺎﺳﺎ إﻟﻰ اﻟﺰﯾﺎدة اﻟﺘﺪرﯾﺠﯿﺔ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﻨﻔﻂ وﺗﺤﺴﻦ اﻟﻨﺸﺎط ﻣﻨﺬ اﻟﺮﺑﻊ اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻦ 2024.

ويأتي تحيين هذه اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت ﻟﻌﺎم 2024 ليسيرَ إجمالا نحو الانخفاض، “مقارنةً ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﻮﻗﻌﺎً ﻓﻲ يناير الماضي؛ بشكل عاكسٍ لأﺛﺮ ﺗﻤﺪﯾﺪ ﺗﺨﻔﯿﻀﺎت إﻧﺘﺎج اﻟﻨﻔﻂ واﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ ﻓﻲ الشرق الأوسط”، حسب تفسيرات وشروح البنك الدولي.

وتوقع مصدر البيانات الاقتصادية المحيّنة نفسها أن “ﯾﺮﺗﻔﻊ ﻣﻌﺪل اﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ دول ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﯿﺠﻲ ﻟﯿﺒﻠﻎ %2.8 ﻓﻲ 2024 و%4.7 خلال 2025”.

وفي التفاصيل: “ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﺪﻋﻢ اﻷﻧﺸﻄﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻨﻔﻄﯿﺔ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻨﻤﻮ بالمملكة العربية السعودية ﻋﺎم 2024″، ﻛﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أن ﯾﺆدي اﻻﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﺘﺪرﯾﺠﻲ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﻨﻔﻄﻲ إﻟﻰ زﯾﺎدة اﻟﻨﻤﻮ ﻋﺎم 2025. أما “ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺼﺪرة ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻣﻦ ﺧﺎرج ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﯿﺠﻲ فسيساعد اﻻﻧﺘﻌﺎش اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع اﻟﻨﻔﻂ ﻋﺎم 2025 ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﯾﺰ اﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ كل من اﻟﺠﺰاﺋﺮ واﻟﻌﺮاق”.

مخاطر بسبب الحرب

لم تغِب تطورات حدة الصراعات الجيو-سياسية بالمنطقة عن تقرير وتقييمات خبراء المؤسسة المالية الدولية (مقرها واشنطن)، مع التعبير الواضح عن ازدياد الهواجس ومخاوف متصاعدة من اتساع رقعتها، قائلين: “ارﺗﻔﺎع درﺟﺔ ﻋﺪم اﻟﯿﻘﯿﻦ ﺑﺸﺄن اﻵﻓﺎق اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ وﻗﻄﺎع ﻏﺰة، ھﺬا اﻟﻌﺎم، ﯾﻌﻜﺲ ﻣﺪى ﺣﺪة اﻟﺼﺮاع اﻟﺪاﺋﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ”.

مازالت اﻵﻓﺎق اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻟﻠﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ وﻗﻄﺎع ﻏﺰة ﯾﻜﺘﻨﻔﮭﺎ ﻗﺪر ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﯿﻘﯿﻦ. وﺗﺘﺮاوح ﺗﻮﻗﻌﺎت اﻟﻨﻤﻮ ﻟﻌﺎم 2024 ﻣﻦ “ناقص 6.5%” إﻟﻰ “ناقص %9.4″، ﺣﺴﺐ ﻧﻮاﺗﺞ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻵﻓﺎق.

وفي رصدها للمخاطر قالت مجموعة “World Bank” إن “إﺣﺪى اﻟﻤﺨﺎطﺮ اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ اﻟﺸﺪﯾﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﮭﺪد اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ هي إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺼﺎﻋﺪ اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻓﯿﮭﺎ. وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﺘﻮردة ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻗﺪ ﯾﺆدي ﺗﺸﺪﯾﺪ اﻷوﺿﺎع اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ إﻟﻰ ﺧﺮوج رؤوس اﻷﻣﻮال واﻧﺨﻔﺎض ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف”.

وختمت المجموعة تحذيرها بالتنبيه إلى “اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع اﻟﺪﯾﻮن اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ ستشهد زﯾﺎدة ﻓﻲ أﻋﺒﺎء ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﯾﻮن ﺑﺴﺒﺐ ارﺗﻔﺎع ﺗﻜﺎﻟﯿﻒ اﻻﻗﺘﺮاض وارﺗﻔﺎع ﻣﺨﺎطﺮ ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻤﺎﻟﻲ. ومازالت اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﯿﺔ اﻟﺸﺪﯾﺪة اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﺗﻐﯿﺮ اﻟﻤﻨﺎخ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻜﻮارث اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ، ﺗﺸﻜﻞ ﻣﺨﺎطﺮ ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻲ المنطقة”.

Exit mobile version