رجّح رؤساء مراكز ثقافية مغربية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، الذي يوافق 18 يونيو من كل عام، “خفوت” خطاب الكراهية الدينية محليّا داخل المغرب، مستدلين على ذلك بالقول إن “المسيحيين والبهائيين وغيرهم من غير المسلمين ما فتئوا يخرجون في تصريحات إعلامية بوجوه مكشوفة وهويات شخصية حقيقيّة دون أن يتعرضوا لأي تهديد بالقتل أو دعوات تحريض ممنهجة مثلما كان الوضع في السابق”.
ورغم أن هذه نقطة تظلّ “نسبية”، بما أن أقليات تعتبر أنه “إذا كان الوضع لم يعد منظّما وومنهجاً فإن تصريحات متطرفة لبعض الدعاة مازالت تحمل الحدة نفسها في إدانة أيّ خيار عقدي مختلف عن السائد بين المغاربة”، وهو ما دفع رؤساء المراكز الذين تحدثوا لجريدة النهار إلى التأكيد أن الوضع رغم كل شيء يظل “مختلفا في المغرب”، بالنظر إلى “سياق محلي خاص يستثمر تراثا ثقيلا من التعايش”.
“غنى حضاري”
محمد اعبيدو، رئيس المركز المغربي للتّسامح وحوار الأديان، اعتبر هذا اليوم “مناسبة كونيّة” للتأكيد على ما عدّه “دوراً أساسيّا يضطلع به المغرب في نشر وترسيخ قيم التسامح والتعايش بين البشر مهما اختلفوا في عقائدهم وأفكارهم”، مضيفاً أن “ثقافة التسامح متأصلة ومتجذرة لدى المغاربة منذ أزمنة مبكّرة كان عنوانها أنهم تعايشوا بغض النظر عن اختلافاتهم العقدية والإثنية، وهذا يحمل دلالات كبرى”.
وأورد اعبيدو، في تصريح في تصريح لجريدة النهار، أن “المغرب حتى على مستوى سياساته العمومية والتعليمية انتبه إلى أهمية تأهيل خطاب مدني وديني معتدل قادر على أن يتموقع في سياق دولي تشهد الإنسانية فيه على ارتفاع جرعات كراهية الآخر في قلب خطاباتها”، وأضاف: “نموذج إمارة المؤمنين بالمغرب يعتبر مرجعية روحية دينية ضامنة لقيم التسامح وراعية لها وتحميها، من خلال قول الملك إنه أمير المؤمنين بكل الأديان”.
وأورد المتحدث عينه أن “زيارة بابا الفاتيكان إلى المغرب، وكذلك العديد من القادة الروحيين لملل كثيرة، يكشف أن المغرب الرسمي لا يحمل حرجاً تجاه أي عقيدة”، مقدما مثال اللقاءات الدينية وغيرها التي جمعت أئمة ورهبانا وحاخامات، إلخ، “وأثبتت أن خطابات الكراهية التي تطفو إلى السطح بين الفينة والأخرى مجرد حالات معزولة لا تدخر السلطات أي جهد لإخصائها، وضمان القضاء عليها، بوصفها تشويشا على العيش المشترك”.
وبعدما أورد رئيس المركز المغربي للتّسامح وحوار الأديان أن التحريض على الكراهية بات منتعشا على مواقع التواصل الاجتماعي شدد على أهمية تقوية الرصد والمقاربة القانونية لقطع الطريق على كل من يستثمر في الكراهية، ويبتغي تحويلها إلى محتوى رقمي يدرّ مداخيل إضافية”، داعيا إلى “حماية منظومة التعدد والتنوع بالمغرب من كل عملية تخريب تريد أن تجعل المغاربة غير المسلمين (المسحيين والبهائيين، إلخ) مواطنين من الدرجة الثانية”، وزاد: “قوتنا كمغاربة في غنى عمقنا الحضاري”.
“جهود مشتركة”
خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، قال إن “خطاب الكراهية في المغرب لا يتميز بالاستقرار والثبات، فهو يعرف مداً وجزراً، بحيث يخضع لتأثير أحداث دولية، كبعض الأعمال المسيئة للإسلام، مثل حرق المصحف أو الإساءة للرسول، إلخ”، مسجلاً أن “الجهود الرّسمية لتحجيمه تمثلت في إصلاح الشأن الديني في المغرب بتنظيم المجالس العلمية وتحديث عملها، وغيرها من الجهود للحد من هذه الخطابات الشاردة وتجفيف منابعها”.
وتحدث التوزاني عن “المقاربة الأمنية التي تمثلت في خطة استباقية وقائية للحد من المتشدد من الكلام والمتطرف منه والسعي إلى تفنيده ميدانيا”، منتقلا إلى “الجهود الموازية التي قام بها المجتمع المدني، وخاصة بعد تفجيرات 16 ماي 2003، حين تأسست جمعيات ومراكز ثقافية وغيرها ترفع شعار التسامح، الحوار وقبول الآخر…”، وأكد أن “الملاحظ أن هذه المبادرات كانت تبرز لكن سرعان ما يخفت حضورها وتتراجع لأنها تتعامل مع خطاب الكراهية بحركة المد والجزر التي تسمه”.
وبحسب ما عبر عنه المتحدث لجريدة النهار فإن طبيعة “المد والجزر” التي تحكم خطابات البغضاء “تحتاج إلى تصور رسمي ومدني يتعاونان معاً لاستئصال جرثومة الكراهية التي لا تنسجم مع الهوية ولا مع الثقافة المغربيتين، بالنظر إلى اعتمادهما على الوسطية والاعتدال والتواصل والتسامح والانفتاح والحوار وقبول المختلف”، إلخ، مشددا على أن “المغرب عبر التاريخ لم يشهد أيّ حروب على أساس ديني ولا أي نبذ للآخر أو طرده”، وفق قوله.
ودعا الفاعل الثقافي ذاته إلى “ضرورة مواصلة الجهود بشكل مكثّف حتى لا تكون مناسباتية، سواء تكلمنا عن الجهود الرسمية أو الموازية”، وقال إن الجهود “ينبغي أن تكون قارة من خلال برنامج سنوي يتجدد كل عام ويستهدف فئات معينة ويقوم بأعمال وبمبادرات من أجل الحفاظ على هوية المغرب المتسامح، وتقويض أي شكل من الكراهية يشوّش على حقيقتنا”، مشددا في هذا السياق على الحاجة إلى “إحداث مرصد وطني لقياس مستويات الكراهية وتتبع السياسات الوطنية في هذا المجال”.
واقترح التوزاني “التركيز على التربية والتعليم والإعلام”، مفسرا ذلك بكون “خطاب الكراهية لا يعلن عن نفسه مباشرة وإنما يستغل الأطفال والناشئة والشباب ليكونوا في الواجهة، بالنظر إلى تميز هذه الشرائح الحساسة بالحماس وسرعة التأثر”، وزاد: “خطاب الكراهية يأخذ أشكالا مختلفة ولا يظهر في الجانب الديني المباشر فقط؛ وهذا ما يجعل منه خطيرا يتطلب أن تحظى محاربته بالأولوية القصوى داخل السياسة المغربية كخطّة وقائية واستباقية، لتكون واجهة لصد كل التيارات الوافدة التي قد تؤثر على هوية البلد”.