دفعت الاتفاقية الاستثماريّة لإحداث مصنع “GIGAFACTORY” لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بكلفة استثمار إجمالي تبلغ 12,8 مليار درهم، بالنقاش، مرة أخرى، نحو مفارقة قديمة جديدة تطفو إلى سطح الجدال حول مناخ الأعمال كلّ فرصة: لماذا مازالت نسبة العطالة “منتفخة” رغم تمكّن المغرب من جلب استثمارات “كبيرة ومهمة” في مجال الطاقة البديلة تحديدا؟
هذا السؤال مازال يمثل، وفق توصيف أحد الأكاديميين، “شرخاً” في الاقتصاد المغربي، لكون دينامية التشغيل مازالت “محدودة” أمام بيانات المندوبية السامية للتخطيط، على الرغم من أن تحليلات لا تؤمن بمصداقية الحديث من “خارج اللعبة”، على اعتبار أن “مناخ الأعمال يبدو بخير ويسير في منحى تنافسي يتحسن باستمرار”، ولكنها بدورها لم تستطع أن تغادر أفق “المشكلة”: “فرص شغل مازالت وعداً داخل الاستثمارات”.
نمو بلا شغل
زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، سجل ابتداءً أن الخطاب السياسي للحكومة يمنحها الشرعية للدفاع عن تصورها وجذب الشركات الكبرى، لأن هذا أمر إيجابي للغاية ومفيد بالنسبة للمغرب”، لافتا الانتباه إلى أن “هذا يعني أن المغرب من الدول التي تستطيع أن تكون جاذبة للاستثمارات الدولية، وخاصة في السنوات الأخيرة، إذ لاحظنا أن دولا مهمة تتجه للاستثمار في المغرب، سواء الصين أو اليابان وأيضا ألمانيا، إلخ”.
وانتقل فيروانو نحو المفارقة التي قدمها انطلاقاً من “نظرة اقتصادية”، وهي أنه “عندما ننظر إلى المعطيات نجد نسبة البطالة في المغرب تعدت 13 في المائة، وهذا رقم قياسي يسائل هذه الاستثمارات”، مرجعا كل هذا إلى كون “قوة الاقتصاد المغربي وقدرته على خلق فرص الشغل، سواء من الناحية الصناعية أو في القطاعات الخدماتية، تبقى ضئيلة جدا”، وقال: “الأمر واضح أنه يعود إلى كون المغرب اتخذ استراتيجية معروفة في الاقتصاد، وهي النمو بدون خلق فرص شغل (Croissance sans emploi)”.
واعتبر المتحدث أن هذه المقاربة “تحتاج أن تنتهي، عبر الانتقال إلى النمو عبر خلق فرص الشغل (Croissance avec emploi)، مثل ما هو معمول به مثلا في ألمانيا حيث نجد أن الشركات الصغرى والناشئة هي التي تتدخل في كل مراحل الإنتاج من أجل أن يكون هناك دفع بالاقتصاد وكذلك القدرة على خلق فرص العمل”، مسجلا أن الدخول في المراحل النهائية للإنتاج ليس مفيداً في تشجيع الاقتصاد الوطني على توفير استثمارات ضخمة لها قول حاسم في الرفع من نسبة العمالة.
وأكد أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط أن “اختيارات المغرب في مجال الاستثمارات ربما أعطت أكلها في قطاع السيارات، وبدأت تؤتي أكلها كذلك في قطاع صناعة الطائرات. ولكن في القطاعات الأخرى، المملكة تدخل دائما من نهاية ما يسمى بخط الإنتاج. لذلك، فهو دخول لا يكون خالقا للعديد من فرص الشغل، وهو ما نحتاج أن نعيد فيه النظر بجلب استثمارات نكون حاسمين في كافة مراحل إنتاجها”.
مناخ تنافسي
عبد الخالق التهامي، أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيق، قال إنه من “المجحف القول إن الاستثمار لم يخلق فرص شغل”، موضحا أن “العلاقة الملتبسة بين ارتفاع نسبة البطالة وتدفق الاستثمارات بالمغرب تعود إلى طرق حساب نسبة العطالة التي تختلف بين المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الصناعة والتجارة، لأن الأولى تستعمل أساليب معمولا بها لدى منظمات دولية”.
وأوضح التهامي، في تصريح لجريدة النهار، أن “المغرب قطع أشواطاً كبيرة في مجال خلق بيئة قابلة للاستثمار وأيضا تحفيز الفاعلين دوليا للمجيء، لكن حين نسمع أن مشروعا استثماريا ضخما بالمغرب سيخلق نحو 1000 منصب شغل، مثلا، فذلك لا يتم بشكل فوري، بل هو خيار استراتيجي وهدف يتم الاتجاه نحوه تدريجيا، ويمكن أن ينتظر الأمر لسنوات بعد تهيئة المشروع وغيره”، وزاد: “لقد خلقت استثمارات كثيرة فرصا مهمة”.
وأورد المتحدث أن ما يمكن أن يسمى “شرخا” بين نسبة البطالة وحجم الاستثمارات، “يرجع أساسا إلى المفاهيم المستعملة التي تختلف من سياق إلى سياق، ولهذا يمكن أن نتحدث عن نسبة غياب التشغيل وعن خلق فرص الشغل”، وقال: “حتى السلطات العمومية والمستثمرين يقولون: [الفرص المتوقع خلقها]، يعني ما يمكن أن يتحقق، وهو ما يتطلب التريث لمعرفة ذلك حقيقة”.
وأبرز الجامعي والأكاديمي أن “خلق فرص الشغل موجود ويتحسن، وهو طبعاً لم يصل إلى المستوى المراد، فهناك بيروقراطية واستمرار لحضور الرشوة في عوالم الاستثمار، إلخ”، خاتما بالتشديد على أن “وجود معيقات لا يعني أن المغرب لم يتمكن فعليا من خلق مناخ للأعمال بشكل تنافسي، جعل ترتيب البلد يتحسن تدريجيا”، موردا: “بالمقارنة مع دول أخرى قريبة منا في إفريقيا مثلا ودول عربية أخرى، نحن نقدم نموذجا واعداً في هذا الجانب”.