بعيداً عن العائدات الاستثمارية للمشروع الواعد الطامح إلى “إحداث منظومة صناعية مندمِجة متكاملة لصناعة البطاريات الكهربائية”، يبرز بقوة سعيُ المملكة المغربية الحثيث إلى “ملاءمة السيارات المنتَجة بالمغرب بهدف التصدير مع معايير الشركاء الاقتصاديين بخصوص إزالة الكربون والصناعة النظيفة”، لاسيما التشريع الأوروبي الخاص بضريبة الكربون.
ولعل توقيع اتفاقية استثمارية “ذات طابع إستراتيجي”، بحر هذا الأسبوع، بهدف إحداث مصنع ضخم (GIGAFACTORY) لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، مؤشر دال على مرور المملكة المغربية إلى أقصى سرعة ممكنة في بلورة معالم اقتصاد مبني على الطاقة المتجددة البديلة، الأقل تلويثاً والأكثر مردودية اقتصادياً وماليًا وبيئياً.
الوحدة الصناعية الضخمة، التي جلبت للمغرب استثماراً يناهز 13 مليار درهم وآفاق تصدير واسعة لبطاريات السيارات الكهربائية، ستنجزها المجموعة الصينية–الأوروبية “غوشن هاي تيك” (GOTION High-Tech) الرائدة عالمياً في مجال التنقل الكهربائي، ومن المقرر أن تستغرق أشغال إنجازها عاميْن؛ وسيتم بدء استغلالها بمنطقة صناعية جديدة ضواحي القنيطرة، قصد إنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية بحلول صيف 2026.
وبحسب ما أكده وزير الاستثمار والتقائية السياسات العمومية، لإعلاميين بعد توقيع الاتفاق، فإن “محفزات كثيرة دفعت مسؤولي المجموعة إلى الاقتناع بالوجهة المغربية لتوطين استثمارها؛ إلا أن إمكانية الاستفادة مما تُتحيه اتفاقيات تبادل حر وقّعها المغرب مع دول أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط كانت حاسمة في راهنية تقوية فرص الولوج إلى سوق مهمة، وتوفير قاعدة لتصدير سيارات تنافسية، فضلا عن توجيه نسبة منها للسوق المحلية”.
وقال الوزير: “إننا نجني اليوم ثمار رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس في ما يتعلق بالطاقات المتجددة”، مضيفا: “بفضل هذه الرؤية أصبحت الطاقة الخضراء متوفرة في المغرب بأسعار تنافسية للغاية، بشكل جعل قواعد اللعب تتغيّر لصالحه في صناعات مستقبلية حاسمة”.
إيجابيات ومكاسب
يؤكد عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي خبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، أن “مشروع بناء مصنع بطاريات السيارات الكهربائية بالقنيطرة خطوةٌ إيجابية بالنسبة للمغرب، من المنتظَر أن تكون لها تداعيات جدّ إيجابية على البلد، كما على شركائه الأوروبيين”.
وعدّد ملاوي، في إفادات شارحة لجريدة جريدة النهار الإلكترونية، أولى الإيجابيات في “إنشاء صناعة بطاريات تُخصص لتصدير السيارات الكهربائية خالية الكربون مستقبلا، خصوصا إلى الدول التي سطرت قوانين جد واضحة، ما سيساهم في تحقيق أهداف المغرب في مجال الطاقات المتجددة بالدرجة الأولى”، وأشار إلى أن “المصنع سيُساعِد على نقل التكنولوجيا المتقدمة في المجال إلى المغرب واستيطانها؛ ما يعزز مكانة البلد مستقبلا، ويجعله قطباً إقليميا رائدا صناعيا وطاقياً”، مشددا على أن “مصنع القنيطرة سيساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتنزيل الإستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة ذات الأهداف الواضحة (أهداف كهربائية، أهداف بيئية أو أهداف التنمية المستدامة)”.
وبينما نوه إلى أنه “من بين المشاريع التي تلائم التشريع الأوروبي الجديد الذي يحظُر بيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول 2035″، يرى الخبير الطاقي المغربي في المشروع “فرصة كبيرة للمغرب لتصدير السيارات الكهربائية إلى أوروبا ولتعزيز التقارب التجاري والصناعي وكذلك التموقع مع الدول الأوروبية بالخصوص، التي يحتل مكانة متقدمة معها؛ فتقريبا 60% من التبادلات التجارية للمملكة مع دول الاتحاد الأوروبي”.
التكلفة والمواد
التكلفة المنتظرة للبطاريات المنتَجَة يرتقب أن تكون “منخفضة عما هو عليه في الدول المُصنعة لهذا النوع، ما سيعزز مكانة المغرب لجذب استثمارات أخرى”، وفق المحلل ذاته، موردا أن “المغرب سيعزز هذه الصناعة لتكون صناعة أساسية من الصناعات التي يعتمد عليها في التموقع دولياً على مدى أبعد”.
وأضاف المتحدث ذاته: “المغرب يحتوي لحسن الحظ على مجموعة من المواد الأولية التي تدخل في صناعات البطاريات، ومنها الفوسفاط الذي يعد بمثابة عنصر أساسي في تصنيع بطارية الليثيوم-أيون؛ وهو النوع الأكثر شيوعا في السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى معدن المنغنيز (المتوافر بالمغرب) الداخل في تصنيع الكاثود”، مسجلا أن “مادة الكوبالت تدخل بشكل أساسي في تصنيع مادة الكاثود التي تحسّن من أداء البطاريات الكهربائية، بالإضافة إلى مواد أخرى متواجدة بالمغرب يمكنه أن يستثمرها لتعزيز هذه الصناعة”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن هذا المشروع “فرصة للمغرب ليطوّر تقنيات جديدة لاستخراج ومعالجة بعض المواد الأولية الأخرى المستعملة في تصنيع البطاريات الكهربائية”، مشيرا إلى “الاستفادة من موقع المغرب جيو-استراتيجياً” لتصدير بطاريات السيارات الكهربائية المنتجة لجميع الدول.
“قُرب المغرب من أوروبا كمنفذ إلى إفريقيا في موقع إستراتيجي بحري قريب من القارة الأمريكية، وكذلك مدخل البحر الأبيض المتوسط وممرات التجارة العالمية نحو الدول الآسيوية، يعني التموقع أساسا في خط استيراد واستهلاك هذه السيارات الكهربائية”، يختم المصرح.
مزايا طاقية بيئية
تكررت المكاسب والامتيازات نفسُها على لسان الخبير في الطاقات المتجددة المهندس حسن نايت بلا، الذي أكد أن “أُمَّ المزايا تظل تكلفة طاقية/صناعية مرتفعة في الأصل ستنخفض بسبب هذا المشروع الذي سيُبنى فوق أرض مغربية”.
وأضاف نايت بلّا، في تصريح لجريدة النهار، أن “البطارية الكهربائية وتصنيعها بالمغرب بتكلفة طاقية منخفضة (تكلفة الطاقة التي تدخل في إنتاج البطاريات أربع مرات أقل بالمغرب) تضمن استفادة السوق المغربية الداخلية بقوة من دينامية الطاقات الخضراء”، مؤكدا أن “المُصنّع العالمي الرائد قد يلجأ إلى الطاقتين الريحية والشمسية لتشغيل المصنع واستدامة تخفيض الفاتورة الطاقية التي يشتغل بها المَصنع الضخم المنتظَر أن يرفع سعته وقدراته كما هو معلَن”، ما يعني “نقص البصمة الكربونية، وتجنب ضريبة الكربون الأوروبية”.
وبحسب المتحدث ذاته “تظل السوق الكبرى للسيارات الكهربائية هي أوروبا التي تبنّتها بقوة، وتبعد عن المغرب فقط بـ 14 كلم، ما يعني أن تكلفة النقل والحاجيات الكبيرة بمنطق العرض والطلب وشق تخزين الطاقة ستسير نحو الانخفاض، وبالتالي تشجيع تبني السيارات الكهربائية”.
ويتفق الخبيران على أن “خطوة إنتاج السيارات الكهربائية أو توطين الصناعات التي تساعد في تطوير الصناعات الكهربائية سوف يعزز الإستراتيجية الوطنية لصناعة السيارات”.
وأجمَلَا ملخصيْن بأن “التصنيع المغربي للسيارات يُعزز من الاقتصاد الوطني ومكانة المغرب الاقتصادية في صناعة السيارات بصفة عامة (خصوصا في الصناعات الكهربائية مستقبلا) بالنسبة للدول الأوروبية، التي ستفرض ضرائب على حتى المنتجات التي يمكن أن تستعمل هذه الصناعات التي لا تحترم البيئة ولا تحترم صفر كربون”.