شرح “رائية اليوسي” .. تحقيق يعتني بأحد أهم الموسوعات الشعرية المغربية

في أربعة أجزاء صدر تحقيقٌ لأحد عيون الشروح الشعرية المغربية، بعنوان “شرح رائية اليوسي في رثاء الزاوية الدلائية للعالِمين الأديبين محمد بن أحمد بن الشاذلي الدلائي ومحمد البكري بن محمد بن الشاذلي الدلائي”.

ويشكّل هذا العمل “لبنة جديدة في صرح إحياء التراث الأدبي والفكري بالمغرب”، وهو “موسوعة شعرية”، تتسم بـ”الغنى والتنوع”، وتدل على “تمكن الشارحَين من أدواتهما، لغة، ونحوا، وبلاغة، وسيرة، وتاريخا، وأدبا، وشعرا، وفلسفة، وتصوفا”، بعد عنايتِهما بمعاني ودلالات “رائية اليوسي”، التي “تحتل مكانا متميزا في المسيرة الشعرية لصاحبها، بل في المسيرة الشعرية بالمغرب بوجه عام”.

هذا التحقيق الذي نهض به الأكاديمي عبد الجواد السقاط، محقّق ديوان الفقيه والأديب المغربي العَلَمِ الحسن اليوسي، قدّمت أجزاءَه المتخصصة البارزة في الأدب المغربي الأكاديمية نجاة المريني، كاتبة أن “هذا المنجز العلمي الهام من الأعمال الإحيائية التراثية”، التي يقدّمها السقاط “خدمة للتراث الشعري المغربي، وافتخارا بما أنجزه السابقون في الميدان”.

وتابعت المريني: “هذا الشرح مادة دسمة وغنية بالمعلومات؛ فهو موسوعة لغوية ونحوية وبلاغية، وموسوعة من التراجم”، صدرت في أزيد من ألف وستمائة صفحة، وأورد فيها الشارحان نصوصا شعرية بلغت أبياتها أربعة آلاف ومائتين.

ونبّهت نجاة المريني إلى أن العمل المنجز في “شرح رائية اليوسي” “يفصح عن قدرة الأستاذ السقاط على القراءة المستوعِبة لجزئيات النص في أبعاده اللغوية والنحوية والبلاغية، متتبعا ثقافة الشارح وما يجود به قلمه من إشارات إلى الأعلام والأحداث وغيرها، فيسعى إلى توضيح الغامض وتصحيح أخطاء النساخ وترميم بعض الكلمات غير الواضحة بتصويباته (…) كما أنه لم يغفل التعريف بالأعلام البشرية والجغرافية، وما حفل به الشرح من حكايات أدبية، سواء تعلق الأمر بالمشرق أو المغرب”.

ثم كتبت المحقّقة: “استغرق هذا العمل، في ما اتضح، سنوات من التتبع والبحث، التأمت خيوطه في أربعة أجزاء (…) ثلاثة منها للمتن المحقق، والجزء الرابع للفهارس التي رتبها حسب ما هو متعارف عليه بدءا بفهرس الآيات القرآنية، وانتهاء بفهرس المصادر والمراجع، ليساعد القارئ على الاستفادة مما قرأ في لحظته بشغف ومتابعة. ويمكن اعتبار هذا العمل زبدة ما أنجزه الأستاذ السقاط، تقديما وتحقيقا وتوثيقا، وإضافة نوعية إلى المكتبة المغربية التراثية”.

والرائية المشروحة عرفت اهتماما، حفظا وشرحا، لاعتبار مكانة صاحبها اليوسي اللغوية والأدبية، الذي عاش في مغرب القرن السابع عشر، ولكونها تمتاز بـ”طول نفسها الشعري، إذ تبلغ مائة واثنين وستين بيتا (…) بأسلوب جمع بين متانة اللغة وقوة التعبير، مخللا ذلك بأساليب بلاغية متنوعة”، فضلا عن “تأريخِها لحظة بارزة في تاريخ المغرب، حيث تم القضاء على الزاوية الدلائية في إطار جهود السلطان المولى رشيد لتوحيد المغرب، وتخليصه من الثورات والفتن الداخلية؛ هذه الزاوية التي أقام بها اليوسي زهاء عشرين سنة ينشر علمه وأدبه، وكانت حصنا كبيرا من حصون الثقافة والعلم والإبداع في فترة تضاءلت حصون غيرها”.

وفي مطلع الشرح كتب مُتِمُّه محمد البكري بن محمد بن الشاذلي الدلائي، بعد وفاة بادئه محمد بن أحمد بن الشاذلي الدلائي: “إن الفقيه العالم العلّامة، النحرير الدراكة الفهامة، صاحب الباع الطويل، والتحرير والتحصيل، أعجوبة الزمان، ومن لا توفيه حقَّهُ الألسن والبنان، القدوة البركة، في السكون والحركة، العارف الواصل، زين الدروس والمحافل، من يجرح بسيف الحق ويوسي، أبو علي سيدي الحسن ابن مسعود اليوسي، كان ممن ألف الدلاء وأهلها، وعرف من فضله كمالها وفضلها، وأحلوه فوق الرؤوس، وآثروه على النفوس، فأنس بهم أنس الشقيق، وحنوا عليه حنو الأب الشفيق، فلما حلت بهم الحادثة العظمى، والنكبة الشنعاء التي أسمعت آذانا صما، رقَّ لحالهم، ورقى لبلبالهم”.

وأردف الشارح قائلا إن اليوسي رثى زاوية الدلاء والدلائيين، “بقصيدته الطنانة، وأظهر لهم فيها ما له من الشفقة والحنانة، فرثى وبكى، وحن واشتكى وأكثر من الأسف، وبيَّن ما له من الوله والشغف، فصارت في معناها جامعة، وفي فنها بارعة، جمعت بين الحسن والإحسان، وما بعد العيان من بيان، فانتدب لشرحها بعض من عليه الحق، ومِنَّتُها في عنقه كالطوق، الأديب الأريب، العلامة النجيب، خاتمة أهل الأدب، ومن استكمل منه غاية الأرب، من زاحم في هذا الفن الفحول، ولا غرابة في أن تتبع الفروع الأصول، الناثر الناظم، ترب الندى ورب المكارم، نسج على منوال الأقدمين، من العراقيين والأندلسيين، وجمع بين الرقة والجزالة، والعفة والصيانة والرزانة والجلالة، فعن لسانه في هذا المغنى نفث السحر البابلي، أبو عبد الله سيدي محمد بن أحمد الشاذلي”.

لكن، استدرك ثاني الشارِحَين، وكتب: “(…) اخترمته المنية، قبل بلوغ الأمنية، فخفت على ما خطته أنامله الدروس، فأردت أن أجلوه على الطروس، كما تجلى على المنصة العروس، ولولا ما أعلم من تقدمه في هذا المعنى ما أسست هذا المبنى، وإذا استكملت بحول الله ما جلب فإن أعان المولى أكمل ما طلب، على أني أعترف أنه فوقي في هذا المعنى بمراحل، لكن ليس الناقص كالكامل، وربما زدت أضعاف كلامه، مما أراه من تمامه، وأطلب من الله المتعال، أن يعين على الإكمال”.

تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News
زر الذهاب إلى الأعلى