الرقمنة والتحفيزات تخدم تصنيف المغرب في الشفافية الجبائية بالقارة السمراء
كشف تقرير “الشفافية الضريبية في إفريقيا 2024” عن تقدم المغرب في مسار الشفافية الجبائية ومكافحة الغش والتهرب الضريبيين، من خلال احتلاله مركزا ضمن 10 دول إفريقية الأكثر التزاما في ما يخص المراقبة الضريبية وتبادل المعطيات والتعاون، تلقائيا وتحت الطلب، إذ أفادت سبع دول بالقارة السمراء بتحقيقها أكثر من 2.2 مليار أورو من المداخيل الإضافية (ضرائب، فوائد وغرامات) بفضل الشفافية، وهو أعلى مبلغ منذ إطلاق برنامج “مبادرة إفريقيا” للتعاون في المجال الضريبي في 2014.
وربط التقرير تحقيق العائدات الجبائية الإضافية، الذي رفع إجمالي المداخيل الضريبية المسجلة من قبل الدول الإفريقية بفضل التحقيقات الضريبية الدولية، وبرامج الإفصاح الطوعي (PDV) المتعلقة بتبادل المعلومات تلقائيا عن الحسابات المالية (EAR) ومبادرات مماثلة، وكذلك الأنشطة الأخرى للامتثال، المدعومة بتبادل المعلومات عند الطلب (ERD) وتلقائيا، إلى أكثر من 3.8 مليارات أورو بنهاية السنة الماضية، بزيادة قيمتها 1.69 مليار أورو، مقارنة مع 2022.
واعتبرت الوثيقة الجديدة المغرب جزءا من الدول التي حققت تقدما كبيرا في مجال مكافحة التهرب الضريبي، خصوصا في ما يتعلق بتبادل المعلومات عند الطلب، إذ يظل برنامج المملكة “متوافقا إلى حد كبير” مع سبع دول أخرى بالقارة السمراء، فيما صنفت المملكة بين خمس دول أخرى تمكنت من الحفاظ على هذا التصنيف الشامل للامتثال، ضمن برنامج “مبادرة إفريقيا”، الذي يعد نتاج شراكة بين المنتدى العالمي وأعضائه الأفارقة، والعديد من المنظمات القارية والإقليمية والدولية، بعد عشر سنوات من التقدم المشترك في تنفيذ معايير صارمة في ما يخص المراقبة الضريبية.
الامتثال الضريبي
على ضوء خلاصات التقرير الجديد كشفت قبل ذلك المديرية العامة للضرائب عن مخططها الإستراتيجي، الذي يغطي الفترة بين 2024 و2028، حيث جاء رافعا شعار تعزيز مبدأ الامتثال الضريبي، من خلال حزمة من البرامج والإجراءات التي تستهدف دفع الملزمين إلى تسوية وضعيتهم الجبائية بشكل تلقائي، وذلك من خلال تعزيز نظام التدبير الضريبي العادل، وتقديم خدمة عالية الجودة وذات فعالية وشفافة، قوامها الرقمنة والذكاء الاصطناعي، عند معالجة وتحليل المعطيات والمعلومات الواردة على مصالح المديرية.
وأوضح منير المستاري، خبير في القانون الضريبي والمالية العمومية، في تصريح لجريدة النهار، أن الأرقام الواردة في التقرير السنوي لأنشطة المديرية العامة للضرائب يظهر توجها نحو تشجيع الحلول الودية في حل المنازعات الضريبية مع الملزمين، وتحفيز التصريح التلقائي، وتبني إجراءات مغرية بتسوية الوضعية الجبائية، مثل فترات السماح المؤقت والإعفاء الجزئي والكلي من الغرامات، وكذا الإعفاءات الجبائية المدروسة، موضحا أن حضور المديرية أمام المحاكم سجل تراجعا ملحوظا أخيرا، بـ1218 ملفا فقط بالمحاكم الابتدائية، بانخفاض سنوي نسبته 25 في المائة؛ فيما بلغت قيمة المبالغ المتنازع عليها 1.400 مليار درهم.
وأضاف المستاري، في السياق ذاته، أن تعزيز الامتثال الضريبي في المغرب لن يتحقق إلا من خلال تبسيط القوانين والإجراءات الضريبية، خصوصا الإقرارات الجبائية، وذلك لتقليل العبء البيروقراطي على الأفراد والشركات، مع تطوير أوجه استخدام التكنولوجيا لتسهيل تقديم هذه الإقرارات والأداء عبر الأنترنت، موضحا أن مديرية الضرائب مطالبة خلال الفترة المقبلة بتوفير حوافز مدروسة للملزمين، في شكل إعفاءات وعلاوات، موازاة مع اعتماد المرونة في الأداء، عبر تقديم خيارات دفع ملائمة، لتيسير دفع الضرائب، خصوصا خلال هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة.
تعزيز الرقمنة
خطت مجموعة من الإدارات العمومية، على رأسها المديرية العامة للضرائب، خطوات متقدمة في سياق تحصين معاملاتها الإدارية، ضد مظاهر الفساد، خصوصا الرشوة والابتزاز، ففطنت منذ سنوات إلى أن الحل لمواجهة مثل هذه السلوكات، التي تكلف الاقتصاد الوطني الملايير سنويا، وتطعن في شفافية الإدارة المغربية أمام المستثمرين المغاربة والأجانب، يتمثل في تقليص مستوى وتردد التدخل البشري في المعاملات.
وبهذا الخصوص أكد جمال مرتقي، محكم تجاري وخبير في المنازعات الضريبية، في تصريح لجريدة النهار، استحواذ عمليات الأداء والتصريح عن بعد على نسبة 72 % من إجمالي المساطر المنجزة عبر القنوات الرقمية لمديرية الضرائب خلال سنة، من خلال تسجيل 9.42 ملايين عملية أداء، و3.8 ملايين عملية تصريح عن بعد، موضحا أن هذه الأرقام ترسخ توجها نحو القطع مع الاتصال البشري بين الملزمين والإدارة، سواء عند الأداء أو التصريح، وما يرافق ذلك من شبهات الارتشاء والمساومة والابتزاز.
وشدد مرتقي على مضي الإدارة الجبائية بعيدا في ترسيخ الشفافية عن طريق الرقمنة، من خلال إقرار التعريف الضريبي الموحد، الذي كرس مساواة في التعامل مع الملزمين، من خلال استبدال هوياتهم بسلسلة مرقمة، تمكن من تتبع تصريحاتهم ومدى وفائهم بالتزاماتهم الضريبية، منبها إلى أن الأمر نفسه بالنسبة إلى المراقبة عن بعد و”المراقبة الميدانية”، إذ تم تقليص اللجوء إليهما، بعد تطوير خوارزميات للذكاء الاصطناعي بالأنظمة المعلوماتية للضرائب، ما أتاح ضبط ورصد عدد كبير من المتهربين دون الحاجة إلى الاتصال بهم بشكل مادي مباشر.
تابعوا آخر الأخبار من جريدة النهار على Google News